اتصل بنا
 

البدارين يكتب: كارثة اردنية لا تكترث بها حكومات الاردن!

نيسان ـ نشر في 2021-01-28 الساعة 09:37

نيسان ـ حتى (الرأي) صحيفة الحكومة الموقرة، تتخلى عن وقارها، وتفتح صدرها كله بعناوين حمراء خطرة، وتصرخ الوحش الوحش! انه الوحش الاسمنتي المسلح الذي لا يزال منذ اربعين او خمسين سنة ، مستمرا، في تقطيع اراضي الاردن الزراعية والتهامها قطعة قطعة، بكل ما في الوحش من بشاعة وجسارة على الافتراس وتمزيق اشلاء الضحية.
بلاد الاردن الخصبة، السهول والسفوح، الهضاب والمرتفعات، الاودية والمنحدرات، تتحول الى كيانات اسمنتية خانقة للحياة بكل ابعادها ومعانيها ، فالزحف العمراني المنظم وشبه المنظم والعشوائي ، لا يتقيد باي شيء من قواعد التنظيم الحضري ولا اي شيء من قواعد المحافظة على النظام البيئي الطبيعي ولا اي شيء من احترام حرمة الغابات ولا قمم الجبال ، كما ان التوسع التنظيمي المستمر لحدود البلديات لا تحكمه اية رؤية قصيرة او بعيدة النظر، والسلطات المحلية ان هي تدخلت تكتفي بالغرامات التي لا تساوي شيئا قياسا بحجم المخالفات المادي ، عدا عن اضرارها المعنوية التي لا تقدر بثمن، وهكذا، لم يبقَ جبل في البلاد الا ونخرته الكسارات والمحاجر والمقالع بمنتهى البشاعة، ولم يبقَ سهل زراعي خصيب لم تمزق جوفه الجرافات والحفارات لتحويله الى كتل اسمنتية قبيحة تفتقر لأي منطق معماري او اي حس حضاري؟!
يتألم المهندسون الزراعيون والمهندسون المعماريون ويتألم المدافعون عن الطبيعة والبيئة، ويشعركل الناس الطيبين بالخطر، وحتى وزارة الزراعة تعلن ان ما يجري في البلاد كارثة ، لكن لا صدى لا صدى! ومن اربد الى جرش وعجلون والسلط ومادبا وحتى الكرك ، ترتفع اصوات المحافظات كلها، ولا صدى! ففي اربد يدق مدير الزراعة ناقوس الخطرويصرح بان الزحف العمري ادى لاختلال النظام البيئي والتنوع الحيوي في المحافظة ، وفي الكرك تؤكد دراسة لمديرية الزراعة بأن التوسع العمراني قضى على اجود الاراضي الزراعية، وان الاراضي الصالحة للزراعات الحقلية تقلصت بشكل كبيرجدا ، حتى بات ثلث الاراضي الصالحة للزراعة في المحافظة داخل الحدود التنظيمية المتوسعة للبلديات ، وهكذا هو الحال في باقي المحافظات.
فلم تعد البلاد الاردنية اهراء روما ، كما كانت في سالف الازمنة، ولم تعد تصدر القمح والشعير والبقوليات عبر ميناء بيروت كما كانت حتى وقت قريب، انها كارثة وطنية حقا، فالمساحات الصالحة للزراعة في البلاد تتقلص وتنحسر سنة بعد سنة، حيث تكشف المصادر الرسمية انه خلال عشرين سنة فقط ( 1997-2017 ) فقد الاردن 47% مما كان قد تبقى لديه من اراض صالحة للزراعة اصلا، فالزحف العمراني يجتاح التربة الخصبة في كل انحاء البلاد ، تاركا خلفه الاراضي الاقل خصوبة الملائمة اكثر لانشاء البنى التحتية للعمران، ويجري كل ذلك على شكل حركة مضادة حتى للبديهة والمنطق والمنفعة العامة.
وفي هذا السياق يشاهد الناس كيف يتوسع العمران بشراسة غرب العاصمة حيث الاراضي الاكثر خصوبة، وليس شرقها حيث الاراضي الاقل خصوبة، وبخلاف اي منطق استراتيجي تعمدت الحكومة بناء كل مقراتها الرسمية في غرب عمان، فما من وزارة او مؤسسة حكومية الا وجعلت مقرها في المناطق الخصبة، وبات الموظفون الرسميون الكبار والمواطنون المقتدرون يختارون بناء منازلهم في تلك المناطق، فيما التنظيم يتوسع غربا بلا هوادة، ومن اللطائف في هذا الشأن انه حتى وزارة البيئة والجمعيات والهيئات المهتمة بالمحافظة على الطبيعة ومكافحة التصحر تتعمد هي الاخرى ان تكون مقراتها في غرب العاصمة.
وازاء كل هذه الشواهد ليس هناك اي جواب محتمل على السؤال البديهي الفوري، عن طبيعة منطق الامورالسائد في البلاد، إلا الجواب المتفق عليه ضمنيا، وهو ان العشوائية واللاأبالية واللامسؤولية باتت وضعا اعتياديا ، يتم قبوله وتفهمه، ويمكن تبريره والدفاع عنه ايضا، اذا ما لزم الامر!

نيسان ـ نشر في 2021-01-28 الساعة 09:37


رأي: محمد البدارين

الكلمات الأكثر بحثاً