ما الخطة الحكومية للاستفادة من انخفاض أسعار النفط؟
فتح سعادة
كاتب أردني وخبير مياه
نيسان ـ نشر في 2015-08-29 الساعة 14:12
من المؤسف أن خبراءنا الاقتصاديين يتأرجحون بين آثار سلبية وإيجابية على الاقتصاد الوطني نتيجة انخفاض أسعار النفط. هذه الحيرة وهذا التخبط هو نتيجة عدم وضوح الرؤية حكومية إزاء مسألة مصيرية لمستقبل الاقتصاد الوطني ولا سيما أن انخفاض الاسعار هذه المرة ربما يستمر لسنوات طويلة نتيجة فوائض هائلة من النفط في السوق العالمي ونوايا إيران ضخ كميات مضاعفة في السوق.
إن أكثر ما يجب أن يؤرق خبراء الاقتصاد هو تأثير هذه المستويات من الأسعار على تنافسية الاقتصاد الوطني في ظل ترقب انخفاض تنافسية السلع المنتجة محليا مع السلع المستوردة فعلى سبيل المثال انخفضت أسعار كثير من السلع الغذائية عالميا وانخفضت بشكل حاد أسعار الأعلاف بحيث لم يعد للعلف المحلي أي قدرة على التنافس. حدثني أحد منتجي الأعلاف أن إنتاج طن العلف لديه يكلف أكثر من مائة وثمانون دولارا بينما أصبحت بعض الشركات العالمية تعرضه بسعر لا يتجاوز سبعين دولارا للطن. نأتي الى سلعة أخرى أساسية في السوق المحلي ألا وهي الاسمنت. تبلغ الطاقة أكثر من 50% من تكلفة انتاج الإسمنت الكلية فما حال هذا المنتج في السوق العالمي وما هو مصير الإنتاج المحلي الضخم من هذه السلعة. هذين مثالين من أمثلة عديدة مقلقة لنا على مستوى الانتاج المحلي.
إذن نحن أمام تحديات يفرضها السوق العالمي المفتوح أمام تدفق السلع والخدمات والتي ستتأثر بشكل حاد أمام استمرار انخفاض أسعار الطاقة فما هو مستقبل تنافسية المنتج المحلي عالميا. والفرصة المقابلة لهذا التحدي هو أن مستوردات الطاقة محليا ربما تبلغ أكثر من 90% من إجمالي المستوردات.
إن التحدي هو كيفية صياغة استراتيجية وطنية لا تمنع الدولة من الاستفادة من انخفاض حاد في ميزان المدفوعات بعد أكثر من عشرة أعوام من زيادة ضخمة في أسعار النفط أثقلت كاهل الاقتصاد الوطني وفي نفس الوقت أن يستفيد المواطن والمنتج والمستثمر محليا من هذا الانخفاض. لماذا لأن المواطن هو من سيدفع الثمن في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة وشفافة فالطلب على العمالة المحلية سينخفض خليجيا في ظل تباطيء اقتصاديات الخليج العربي وسيتأثر سوق الصناعة والخدمات المحلية والسياحية تحديدا في ظل انخفاض القدرة المالية إقليميا.
نأتي الآن الى الجانب الإيجابي تنمويا فالقدرة على إطلاق عجلة الاقتصاد الكبيرة أصبحت فائقة فتحرير قطاع الطاقة وتحفيز قطاع الإسكان وإطلاق مشاريع البنية التحتية يجب أن تكون عناوين الاقتصاد الوطني في المرحلة الحالية.
على الحكومة تشجيع الأردنيين على اقتناص فرصة الانخفاض الحاد في أسعار النفط انتاجيا وليس استهلاكيا. نحن لسنا معنيين كثيرا بتخفيض أسعار الطاقة لتزداد رفاهية الأغنياء بل لمواجهة مزيد من الفقر والحاجة والبطالة.
صاحب المصنع والمزرعة والورشة الصغيرة والمستثمر في قطاع الطاقة والإسكان يجب أن يتوفر لهؤلاء جميعا كل الدعم كي يستمروا وينافسوا وإلا فنحن مهددون بزيادة مرعبة في أعداد العاطلين عن العمل.
ترتبط هذه القضية ارتباطا مباشرا كذلك بتدفق الاستثمارات الخارجية بل والاستثمار الداخلي من خلال مشاريع مؤجلة من قبل قطاع واسع من الأردنيين سواء المقيمين داخل المملكة أو المغتربين بسبب ظروف الإقليم. إن انعكاس أسعار الطاقة الحقيقي على أسعار السلع والخدمات محليا هو أعظم فرصة سانحة لمواجهة تداعيات أسعار النفط المنخفضة على الأردنيين في الداخل والخارج.
على الحكومة الأردنية أن تصنع التوازن سريعا بخطط واضحة تنمي المكتسبات وتخفف من الآثار السلبية لانخفاض أسعار الطاقة وذلك لا يحتاج أكثر من الوضوح. وضوح في الرؤية والتخطيط ونظرة عميقة لآثار هذه المسألة على الاقتصاد الوطني وبالتالي معالجة فعلية تؤدي الى مرونة تمكننا من الاستمرار.
وأخيرا نقول اقتصادنا صغير قياسا بمعظم اقتصاديات الإقليم وفرص النجاة عظيمة من كل تداعيات انخفاض أسعار الطاقة بل ربما نكون من المستفيدين القلائل إقليميا من هذا الواقع. كنا نشكو دوما من ارتفاع أسعار الطاقة فليس من المنطق أن نشكو الآن في ظل انخفاضها الحاد بل يجب أن نكون نحن المستفيدين.