اتصل بنا
 

أعط الخبز لخبازه

كاتب صحافي

نيسان ـ نشر في 2021-02-12 الساعة 22:07

نيسان ـ هناك مثل شعبي يقول: "أعط الخبز لخبازه، ولو أكل نصه"، لكن يبدو أن هذا المثل لم يعد يعكس واقعنا في ظل حالة الفوضى التي نشهدها هذه الأيام، فتجد كل من هب ودب يزاحم أصحاب الاختصاصات في سبيل انتزاع فرص العمل، إذ يعتقد أنه بمجرد انتسابه لدورة تدريبية هنا أو هناك أو اطلاعه على بعض أساسيات مهنة أو تخصص ما، فإنه بذلك يكون اكتسب جميع المؤهلات التي تجعله يشغل أية وظيفة كانت، حتى لو كان الأمر على حساب أهل التخصص ومقابل مرتب زهيد ومن دون عقد عمل أو تسجيل في الضمان الاجتماعي.
مؤسسات عدة باتت تعج بهذه الفوضى في ظل غياب شبه تام لقوانين رادعة ورقابة حقيقية تنظم سوق العمل وتضع كل شخص في مكانه الصحيح، ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بين آلاف الخريجين من كافة التخصصات، ممن لا يجدون لنفسهم وظيفة في مجال تخصصهم نتيجة لتقلص فرص العمل في القطاع العام، ومزاحمة غيرهم من غير المؤهلين .
هذا التعدي السافر على فرص أهل الاختصاص، أولا، من قبل أصحاب العمل أنفسهم لأسباب مادية أو اعتبارات أخرى، وثانيا، من قبل غير المتخصصين الباحثين عن لقمة العيش، يشكل منحدرا خطيرا يهدد المستقبل الوظيفي لأصحاب الاختصاصات الذين بذلوا الغالي والنفيس وسهروا الليالي الطوال في سبيل الحصول على شهاداتهم الجامعية في تخصصاتهم التي لم يجنوا منها فائدة غير تعليقها على جدران غرفهم، بالإضافة إلى الانحدار في جودة المخرجات، الأمر الذي سيدفع ثمنه المجتمع برمته!
والحديث هنا غير مقتصر على حملة الشهادات الجامعية فحسب، بل يخص أيضا أصحاب المهن والحرف الذين ورثوا معرفتهم بها واتقانهم لها عن آبائهم وأجدادهم.
نجد اليوم حرفيا بارعا في مجال النجارة مثلا يعمل سائقا لسيارة أجرة لا يعرف شوارع ودهاليز المدينة فيتوه ويتوه الركاب معه، ونجد سباكا محترفا يعمل في مطعم دون أدنى معرفة منه بشروط السلامة العامة وكيفية التعامل مع المواد الغذائية، والأمثلة على ذلك كثيرة!
يقول الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري:
"من تحدث في غير فنه، أتى بالعجائب."
دفع هذا المناخ المضطرب بأصحاب الاختصاص إلى مزاحمة غيرهم من أصحاب الاختصاصات الأخرى، ما أدى إلى اتساع رقعة الفوضى في سوق العمل، أضف إلى ذلك، العمالة الوافدة التي تأتي من كل حدب وصوب والتي من المفروض أن تعمل في القطاعات المغلقة فقط، الا أنه يتم التحايل باستقدامها للعمل في قطاعات كثيرة في بلد يبلغ عدد سكانه عشرة ملايين نسمة، بينما يصل عدد العمالة الوافدة فيه إلى نحو المليون أي ما نسبته 10% من عدد السكان!
اليوم، يستطيع الجميع التحدث بعبارات كثيرة حول أسباب هذه الفوضى وسط مجتمع وصلت فيه نسبة البطالة وفقا للأرقام الرسمية إلى 23% ما يتطلب من صانع القرار ضرورة التفكير خارج الصندوق، والتأسيس لحالة تنهي هذه الفوضى وتضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وإلا فما الفائدة من الاختصاصات؟!

نيسان ـ نشر في 2021-02-12 الساعة 22:07


رأي: إسماعيل ياسين كاتب صحافي

الكلمات الأكثر بحثاً