اتصل بنا
 

الهويات الفرعية ... المعضلة والحل

نيسان ـ نشر في 2021-02-14 الساعة 19:33

نيسان ـ تواجد الهويات الفرعية أو الأقليات ليست بدعا في عالمنا العربي والاسلامي بل هو أمر منتشر في كل انحاء العالم ، وقد تناوله ميكافيللي في كتابه " الامير "بشكل براغماتي وجعله أحد الادوات المهمة والقوية بيد الحاكم للسيطرة على رعيته ، بينما تم استخدام الاقليات عبر التاريخ لإضعاف المجتمعات من داخلها واخضاعها والتعامل معها كحصان طروادة .
منذ أيام كنت اقرأ كتاب د. عبدالله النفيسي عن "دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث " . لفت انتباهي أنه ذكر بأنه أبان هزيمة العثمانيين الاتراك في العراق بعد الحرب العالمية الاولى وانحسار نفوذهم وتقدم الجيش الانجليزي واحتلاله العراق آنذاك فإن أكثر من فرح وهلّل لإحتلال بلاده من قبل الانجليز وهزيمة الدولة العثمانية في بغداد كانوا اليهود والنصارى العراقيين من كلدان وآشوريين وسواهم من المذاهب . امّا العراقيون من سنة وشيعة فقد حزنوا وأصابتهم الصدمة قبل ان يتمالكوا انفسهم ويبدؤا حركة مقاومة وثورة شعبية عرفت بثورة العشرين . هذه الثورة أرهقت الانجليز واتعبتهم واجبرتهم لاحقا على الاسراع بإختيار الملك فيصل والهاشميين لحكم العراق بالتعاون معهم . تساءلت حينها ، لماذا يفرح عراقيون حتى لو كانوا يهودا او مسيحيين بإحتلال بلادهم من قبل قوة أجنبية وإستعمارية ؟ حاولت ان أفهم لماذا تحولت أقلية تعيش داخل مجتمع ما لمئات السنين الى عدو لهذا المجتمع أو إدارته ؟
أو كيف حوّلت الادارة الإنقلابية لجمعية الاتحاد والترقي كتلة كبيرة كالعرب داخل بنية الإمبرطورية العثمانية من حليف قوي الى عدو ومعول هدم ضد الدولة في أضعف حالاتها ؟ ثم تكرر سؤالي عن سبب وقوف الشيعة في الحاضر في صف الاحتلال الأمريكي لبلادهم بعد سنوات من حكم صدام ونظام البعث للعراق ؟
أو أن يستسيغ أكثرهم التدخل الإيراني في سياسات بلادهم وتُصدِر مرجعياتهم العليا الفتاوى بعدم جواز مقاومة الاحتلال الذي قارعته القوى الحرة الأخرى في العراق بعد الإحتلال وإختيار الوقوف على الحياد المرعب في وقت حاسم وخطير من تاريخ بلادهم . أو لماذا يلجأ أكراد العراق لتنظيم إستفتاء خطير لتقسيم بلادهم وعزل انفسهم في اقليم صغير ؟ أو لم الاكراد السوريون إختاروا ان يكونوا رأس حربة في عملية تقسيم سوريا وتقاسم نفطها والتحالف مع اعداء وطنهم من امريكان ويهود وفرنسيين وسواهم ؟
وكذلك تندرج نفس التساؤلات عن محاولة فهم قبول مسيحيي جنوب السودان ووثنييها الانفصال عن وطنهم بعد أن أمضوا أعواماً طويلة يحاربونه ويضعفونه ويستنزفون موارده .
وحتى أنني تساءلت عن سبب إصرار الصحراويين على الانفصال عن المغرب أو لماذا يحرص الأمازيغ حاليا على التأكيد على هويتهم الفرعية بشكل عدواني وإنفصالي لدرجة عدم توانيهم عن الاقتتال مع حكوماتهم المركزية في كل من المغرب والجزائر وتونس والآن ليبيا وحتى مصر !! مصر التي يتنادى النوبة فيها والاقباط دون توقف برغبتهم في انفصالهم عنها وتأسيس دولهم في ارجاءها وسط اكثريتها المسلمة الطاغية .
وهل إرتماء العلويين والدروز والمارونيين والاسماعليين والبهائيين في احضان كل مستعمر ومحتل أمر مفهوم ومقبول أم أمر مذموم ومستهجن ؟
دعونا نغوص قليلا في هذه المسألة القديمة الجديدة التي تهدد بتفتيت بلادنا اكثر وزيادة معاناتها الى معاناتها . خاصة وأن كل اصحاب الهويات الفرعية إخوة لنا في الوطن وشركاءنا في التنمية والجوار .
لعلّ من أسباب شعور الاقليات بالغبن التاريخي :
1. نشوء الدولة القومية في الغرب منتصف القرن التاسع عشر واستنساخ تجربتها بشكل فج في العالمين العربي والاسلامي مما أدى الى نشوء حكم اغلبية في مواجهة اقليات متوزعة هنا وهناك يتم استضعافها وتهميشها والتعالي عليها دونما توقف .
2. غياب الدولة المدنية التي تتعامل بالعدل مع جميع المواطنين على قدم المساواة .
3. عدم اعطاء الدين الاسلامي الحقيقي دوره في صياغة الدساتير المعاصرة وتنظيم العقود الاجتماعية الحديثة كون الدين الاسلامي يركز على مفهومين اساسيين وهما قول الله تعالى في القرآن " لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " و " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ "
4. وجود أنظمة دكتاتورية حاكمة يهمها بالدرجة الاولى استمرار حالة التشظي والانقسام داخل المجتمعات العربية والمسلمة كي تستمر بالحكم دون تهديدات حقيقية .
5. عدم اعطاء القوى الاسلامية البارزة والاحزاب الدينية والقومية تطميناً فعلياً وقوياً ودائماًلكل الاقليات والمكونات الفرعية لحمايتها وخلو برنامجها السياسي من هذه النقطة المفصلية .
6. تورط الاقليات في الماضي والحاضر بمغامرات متكررة قصيرة النظر تمالئ الاجنبي والمستعمر والحكام المستبدين ضد مصالح اوطانهم وجيرانهم وشعبهم .
ومن هنا ينبغي ان ننظر لحل هذه المشكلة بشكل سريع وشامل وطويل المدى كي ننهي هذا الملف بشكل دائم ونهائي ، كما يلي :
1. افساح المجال لجميع المكونات الكبيرة والفسيفساءات للإزدهار والنماء في اجواء تمجد الحرية والاحترام المتبادل والعميق وهذا يأتي من الكبير للصغير والأغلبية للأقلية وذلك من خلال دساتير ترفع من شأن المواطن كمواطن ومشارك في بناء الوطن بغض النظر عن الانتماء الديني او العرقي علما بأن اللاعبين على وتر الطائفية والتقسيم سعداء باستمرار اجواء عدم الثقة والتخوين بين مكونات الوطن الواحد كي يتنفعوا ويصطادوا بالماء العكر .
2. اعتماد الحوار فقط طريقة وحيدة وسيلة للتواصل مع جميع المكونات ابتداء من القوى الكبيرة والمؤثرة المختلفة مع بعضها البعض او ما بين تلك المجموعات الكبرى والصغرى على حد . سواء كانت تلك المكونات احزابا صغيرة او جماعات عرقية او دينية صغيرة مما يشعر الكل بالأمان تحت سقف الوطن الواحد دوما وأبدا .
3. ترسيخ مفهوم الديمقراطية بشكل جديد من اعتبارها حكم الأغلبية الى اعتبارها حكم حماية الضعفاء بكل انواعهم ومنهم الأقليات كما ذكر محمد كيلج الألماني التركي في احد مداخلاته بقناة دي إم
4. على الأقليات التوقف قليلا وإعادة النظر بشكل جذري بممارساتها والتوقف عن استمرار دعمها للأنظمة العسكرية والقمعية والدكتاتورية والإستعمارية الوافدة ، ثم التخلي والتمرد على قياداتها التاريخية التي طالما تحالفت مع النخب المستعمرة والحاكمة والبدء بالنظر الى مواطنيها كجيران دائمين واوطانها كبلاد ومستقر كي تنكسر الدورة البغيضة لعلاقة الأقليات بمجتمعاتها كما افاد الباحث المصري نبيل عبد الفتاح من مركز الأهرام للدراسات .
5. واخيرا تعزيز المفهوم الديني التراحمي بين الناس لما للدين من تأثير توحيدي هائل على هذه الكتلة من العالم ، الدين الذي احد اهم مقوماته حديث النبي الكريم " لا فضل لعجمي على عربي الا بالتقوى " و " إن اكرمكم عند الله اتقاكم " .

نيسان ـ نشر في 2021-02-14 الساعة 19:33


رأي: د. اسامة المجالي

الكلمات الأكثر بحثاً