اتصل بنا
 

الاتفاق النووي بين صفقات السلاح والتطبيع الدبلوماسي مع طهران

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

نيسان ـ نشر في 2015-08-31 الساعة 22:35

نيسان ـ

ثمار كثيرة يانعة تقطفها إيران تباعاً بعد توقيع الصفقة النووية مع محموعة خمسة زائد واحد . وقد بدأت النتائج تكر بعد هذا الاتفاق الذي هو في جزء منه لا زال مبهم البنود ، سواء كانت هذه الفوائد سياسية ، أم اقتصادية ، أم عسكرية .

ونبدأ أولا بالشق العسكري الذي برز من خلال بعدين ؛ الأول :صفقة منظومة الـ s300 ،حيث حرك الاتفاق النووي بين ايران والسداسية الدولية المياه الراكدة في صفقة صواريخ «اس 300» العالقة بين ايران وروسيا، و التي تعد مجمّدة منذ عام 2010 ، حيث تكشف إيران عن قرب زيارة مرتقبة لوفد عسكري ايراني لموسكو، للتوقيع على العقد بين البلدين بشأن منظومة الصواريخ، والذي يٌفترض أن يضمن تسليم روسيا لطهران عددا أكبر من الكتائب الأربعة المتفق عليها سابقاً ، والتي كانت ثلاثة قبيل الاتفاق النووي.

هذه الخطوة المستجدة على طريق تنفيذ الصفقة الروسية – الايرانية ، ستُمكن دولة الملالي من امتلاك قدرة دفاع جوي متقدمة، وقد سبق هذه الخطوة خطوات أكبر تمثلت برفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نيسان الماضي الحظر المفروض على توريد هذه المنظومة إلى إيران، فضلا عن تأكيدات روسية بأن منظومات إس – 300، المضادة للجو، هي سلاح دفاعي خالص، لضمان أمن المواقع النووية الإيرانية، كما سبقها إعلان شركة «ألماز أنتي» الروسية لإنتاج الأسلحة في حزيران الماضي، أنها ستزود إيران بنسخة محدثة من أنظمة «إس – 300» التي تُعد من بين أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً في العالم بمجرد التوصل لاتفاق مع الطرف الإيراني.

الاتفاق حصل وفق ما أعلن الطرفان عنه ، فالمفاوضات استكملت وافضت الى إعداد نص اتفاق جدید بين روسيا وإيران، حسب تصريح وزير الدفاع الإيراني ، الذي أكد أن طهران ستوقع مع روسيا اتفاقية تسليم منظومة «اس-300» هذا الأسبوع ،وستستلم المنظومة بعد التوقيع بوقت قصير، وقد رجحت مصادر مطلعة أن يكون موعد التسليم قبل نهاية العام الحالي.

وقد بات من المرتقب أن تتخلى إيران بمجرد تنفيذ الصفقة المحدثة عن الدعوى القضائية التي كانت قد رفعتها ضد روسيا على خلفية رفض الأخيرة إتمام الصفقة عام 2010.

اللافت للنظر في هذه التطورات أن رد الفعل الأميركي على الصفقة المرتقبة ، كان مريباً ، حيث لم تكلف واشنطن وعواصم صنع القرار في أوروبا نفسها عناء ، إصدار بيان لانتقاد هذه الخطوة من خلال التوسل ببوابة بنود الاتفاق النووي نفسه التي تنص على الاستمرار بحظر الأسلحة الأممي المفروض على إيران لمدة خمس سنوات، والاستمرار بالحظر على مبيعات الصواريخ البالستية لثماني سنوات. وهو البند الذي كانت تصدح به سمفونية الادارة الاميركية للإعلان بأنها تدقق فيما اذا كانت صفقة التسليح الروسية الإيرانية تشكل اختراقاً لبنود الاتفاق النووي مع الغرب.

من هنا تطرح صفقة «اس 300» بين ايران وموسكو، ربطاً ببنود الإتفاق النووي إشكالية أسئلة مهمة ، قد تخلق تأويلات واجتهادات حول أسباب تبدل وتحول السياسة الأميركية بهذا الشكل المريب ، كما ينبغي أن يشكل تنفيذ تلك الصفقة اختباراً للاطراف الدولية، ومدى جديتها في الالتزام بالاتفاق من جهة، وفي بناء الثقة مع ايران من جهة أخرى. وللوقوف على حقيقة الموقف ومدى تعارض أو تطابق الصفقة مع بنود الاتفاق النووي ، ومدى نية الغرب في إحداث سباق تسلح محموم في المنطقة ، لإنعاش سوق السلاح ، ووضع المنطقة برمتها على صفيح ساخن.

البعد الثاني : إعلان إيران الكشف عن تصنيع صاروخ فاتح 313 المحاكي لنموذج صاروخ كروز الأميركي الأصل ، حيث أشار وزیر الدفاع فی المراسم التی جرت بالتزامن مع إحیاء یوم الصناعة الدفاعیة، أن وزارة الدفاع وضعت فی إستراتیجیتها، تطویر القدرات الصاروخیة فی إطار دعم القدرات القتالیة للقوات الإيرانية ، ورفع قوة الردع ، وهذا ما أكده العميد دهقان الذي قال: إن صاروخ کروز ‘ نصر’ المحمول جوا صمم وانتج لهذا الهدف.وأشار إلی أهمية تعزیز القوة العملیاتیة والتکتیکیة للقوات المسلحة الایرانیة فی ضوء تدشین صاروخ نصر المحمول جوا فی القوات الجویة للجیش والحرس الثوری. والذي یتمیز بقابلیة التجهیز السریع والتحلیق المنخفض ودقة التصویب، کما یتمتع بقوة تدمیریة عالیة فضلاً عن مقاومة هذه المنظومة للتشویشات الراداریة.
کما أشار إلی خطة وزارة الدفاع باستخدام هذا السلاح فی الطائرات من دون طیار، وقد ذكرت المعلومات حول وجود خبراء إيرانيين لتجهيز نظام بشار الأسد بهذه التكنولوجيا لمساعدته بشكل أكبر للذبح والتنكيل بالشعب السوري ، الذي يعاني ليلاً و نهاراً من ويلات الابتكارات الإيرانية للقتل والتدمير .

أما المحور السياسي لنتائج الاتفاق النووي ؛ فقد سعت دول الاتحاد الأوروبي من خلال دبلوماسيتها ، إلى بناءعلاقات جديدة مع طهران تحت عنوان الاحترام المتبادل والاستفادة المتبادلة، وفي هذا الإطار يمكن معرفة الأسباب الكامنة وراء إعادة فتح بريطانيا لسفارتها، في العاصمة الإيرانية” طهران” ، قطيعة دبلوماسية استمرت أربعة أعوام، وكذلك فتح السفارة الإيرانية في لندن، وتأكيد الطرفين الإيراني والبريطاني على تمتين العلاقات بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن وصف وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند إيران بالدولة الاستراتيجية في الشرق الأوسط و هو وصف يدل على متانة العلاقة بين إيران و الدول الأوربية بعامة.

علما بأن العلاقات البريطانية الإيرانية كانت قد تراجعت بين عامي 2005 و2013، وأُغلقت السفارة البريطانية في طهران قبل نحو 4 سنوات بعدما اقتحمها متظاهرون إيرانيون، احتجاجاً على فرض عقوبات دولية على بلادهم في العام 2011، لكن ثمرة الاتفاق النووي أعادت فتح السفارة، وتبادل العلاقات الدبلوماسية وإن كان على مستوى قائم بالأعمال حالياً إلى حين تعيين سفير في كلا السفارتين.

القراءة الإيرانية لاستئناف العلاقات مع لندن تعتبر رسالة قوية لإعادة التأكيد بالاعتراف بأن إيران دولة أساسية في الشرق الأوسط، ورسالة كذلك لضرورة تمتين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية ، ومحاربة الإرهاب مع إيران.

إذاً، إن عودة هذه العلاقات تعتبر بكل المعايير ثمرة من ثمرات الاتفاق النووي، الذي أدى دون أدنى شك إلى نقلة نوعية في العلاقات بين إيران والدول الغربية لا سيما الدول الأوروبية، حيث تأتي زيارة هاموند بعد تلك التي قام بها نظيره الفرنسي لوران فابيوس إلى طهران في تموز/يوليو وبعده نائب المستشارة الألمانية سيغمار غابرييل، ثم وزيرة الخارجية الاوروبية فيديريكا موغيريني.

أما قراءتنا فإن التقارب الغربي مع طهران لا يعكس شعارات أميركا والغرب ، ولا يعكس حرصها على حماية العلاقات الدولية باعتبارها ركيزة اساسية في تقوية مرتكزات السلم والأمن العالميين. ولا يقع في خانة التشهير بإيران لممارسة المزيد من الضغوط والحظر عليها نظراً لتمسكها المبدئي بحقها في امتلاك الطاقة والتقنية النوويتين التي تؤكد كل المؤشرات أنه يتجه نحو العسكرة .

كما أن اللقاءات العديدة التي أجراها كل من وزير الخارجية البريطاني والفرنسي ونائب المستشارة الألمانية ، مع كبار المسؤولين الإيرانيين خلال زيارتهم الى طهران ، لم تشكل مكاشفة حقيقية عن طبيعة رؤية العالم لدور إيران في خضم السياسة الإقليمية ، والقائم على التدخل السلبي ، ومحاولة تفجير الوضع الإقليمي برمته بشكل ممنهج .

من الواضح أن الدولة الإيرانية لم تتراجع عن مواقفها على مستوى تعظيم قدراتها التسلحية ، وهي ايضاً لم تتخل عن التزاماتها من أجل تهديد الأمن و التوازن الإقليمي من خلال المحاولات المتكررة ابعاد السلم والاستقرار عن المنطقة ، وفي تحميل إيران وإسرائيل مسؤولية تفجير الصراعات والازمات في الشرق الاوسط.

كما أن دول المنطقة ، لا سيما العربية ، لا تتردد في اتهام إيران وحلفائها بالمسؤولية المباشرة و غير المباشرة عن الفوضى العارمة التي تشهدها سوريا والعراق و اليمن ولبنان …

اذن، نحن لانجامل إن حملنا دولة الملالي مسؤولية الاضطلاع في إشعال المنطقة الشرق أوسطيةبالانهيارات والمآسي والكوارث التي باتت تفتك بشعوبنا حالياً، فضلاً عن التدخلات المفضوحة في الشأن الاقليمي سابقا ولاحقا.

نيسان ـ نشر في 2015-08-31 الساعة 22:35

الكلمات الأكثر بحثاً