هل شاخت "فتح" في الداخل وفي لبنان؟
سركيس نعوم
كاتب لبناني
نيسان ـ نشر في 2015-08-31 الساعة 22:39
السؤال عن الذي يجري في المخيمات الفلسطينية وأكبرها "عين الحلوة" من اشتباكات واغتيالات وتصفيات لا يمكن الجواب عنه من دون الخوض في أوضاع المنظمات الموجودة فيها، بدءاً من "أعتقها" وأكبرها "فتح" ومروراً بالأحدث منها سناً والأقرب إليها قوة شعبية "حماس"، وانتهاء بالصغيرة منها بأعضائها ولكن الفاعلة جداً داخل المخيمات جراء انتماءاتها الى التيارات الاسلامية الأصولية السنية المتطرّفة والمتناقضة في ما بينها، وكذلك جراء إفادتها من"النجاحات" التي تحققها في أكثر من ساحة عربية وإسلامية، فضلاً عن حماستها لتحقيق نجاحات مشابهة سواء في مخيماتها في لبنان أو خارجه.
انطلاقاً من ذلك استعنّا بالقريب جداً نفسه من "حماس" للخوض في هذا الموضوع أولاً لأنه يعرف وبدقّة ما يدور على الساحة الفلسطينية "اللبنانية" وفي الضفة الغربية وقطاع غزة كما في الشتات. وثانياً لأنه ليس طرفاً مباشراً في الصراع الدائر في المخيمات على الأقل حتى الآن، ولأن ذلك سمح له بالعمل التوسطي بين المتنازعين لإقناعهم بالتهدئة. ومن خلال الحديث المطوّل معه يمكن الإشارة إلى الآتي:
1 – يبدو أن حركة "فتح" قد شاخت وترهلت سواء في مخيمات لبنان أو على أرض فلسطين على رغم أن شعبيتها قد لا تكون انخفضت جراء ذلك بخلاف فاعليتها وتأثيرها. ففي الداخل الفلسطيني نزاعات بين رئيس السلطة الوطنية ومنظمة التحرير و"فتح" محمود عباس وبين قيادات من فريقه يمكن تسميتها بالأجنحة. وقد يكون الموقف السياسي، سواء من التفاوض مع إسرائيل أو من الاعتماد الكبير على أميركا، أحد أسباب النزاعات داخل هذا الفريق المثلّث وكذلك مع الفصائل العاملة خارجه وأكبرها وأهمها "حماس". لكن السبب الأبرز للنزاعات هو الصراع على السلطة بين أطراف داخل "السلطة الوطنية" ومنظمة التحرير وحركة "فتح"، فضلاً عن التنافس على النفوذ والمواقع والمراكز وعن الاختلاف على المكاسب والمغانم وليست سياسية كلها. ومن هنا يصبح "الفساد" سبباً أيضاً في النزاعات. وفي هذا الإطار يمكن وضع تحرّك القيادي محمد دحلان داخل "فتح" وغيرها وكذلك فصله منها بعدما شعر عباس بتهديده لسلطته. طبعاً برَّر الأخير قرار الفصل بالحرص على القضية الفلسطينية وبتعامل دحلان مع اسرائيل. لكن تحرك الأخير بعد فصله والدعم المالي والسياسي الذي حصل عليه ولا يزال يحصل عليه من جهات عربية غنية بينها دولة ذات دور مهم يشيران إلى أن الخلاف ليس بسبب تعامل ما مع اسرائيل (ومن هو الذي لا يتعامل معها؟) بل لأسباب أخرى أقل وطنية.
2 – يبدو ان الوضع الفلسطيني المشروح أعلاه موجود في مخيمات لبنان وأكبرها "عين الحلوة"، وتحديداً في أوساط "فتح" ومنظمة التحرير بفصائلها وأجهزتها السياسية والأمنية والعسكرية. أما شعب "فتح" فلا زال مؤيداً لكل هذه التركيبة لكنه قرف من الصراع على السلطة والنفوذ والمال والمواقع. فدحلان صار موجوداً في المخيم بعدما صار مقتدراً مالياً، وبعدما خفّت الإمكانات المالية لـ"السلطة" و"فتح" والمنظمة، وأخذ من "فتح" قادة أمنيين وعسكريين وناساً. وهو يطمح، إلى الحلول مكان عباس ومن معه في المخيم وفي فلسطين. والقادة الفتحاويون الآخرون يتصرف كل منهم بالجهاز أو القوة التي يقود رسمياً من أجل تعزيز مصالحه ومواقعه ولا يهم في هذا المجال إذا أتى التعزيز من الحركة الأهم والمنظمة والسلطة، أم من جهات اقليمية لها برنامج سياسي مناقض لاستراتيجية المذكورين الثلاثة.
3 – يبدو أن جماعة "فتح" وقد صاروا جماعات، ما عاد في إمكانهم السكوت على الاستفزازات التي يتعرضون لها في مخيمات لبنان وخصوصاً "عين الحلوة"، أولا كي لا يتكرّس الانطباع الذي تكوّن عند جمهورها الفلسطيني وعند "منافسيها" وأخصامها الفلسطينيين كما عند اللبنانيين عن ترهلها، وهو انطباع في محله. وثانياً كي لا يتجرأ أعداؤها أي المنظمات الإسلامية المتطرّفة على الذهاب بعيداً في "استيطاء حيطها" كما يقال، أي على محاولة السيطرة على المخيم بعد إلحاق الهزيمة بها، أو على مشاركة "حماس" الإسلامية أيضاً السيطرة عليه. وثالثاً لاستدراج محاربي "الارهاب" الإسلامي الأصولي العنفي و"التكفيري" من جهات دولية وإقليمية ومحلية لبنانية لمساعدة جماعة "فتح"، إذ إن خسارتها تهدد لبنان ووضعه البالغ الهشاشة وتعزِّز الارهابيين.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما هو السبب الذي دفع المنظمات الاسلامية الفلسطينية الى استعجال الاشتباك بل المعركة؟ وهل هي استعجلتها فعلاً؟