زيارة البابا للعراق… بين الدين والسياسة
عمر الرداد
كاتب وخبير أمني
نيسان ـ نشر في 2021-03-07 الساعة 13:42
نيسان ـ تطرح في المنطقة على الصعيدين الشعبي وفي أوساط نخب سياسية واجتماعية تساؤلات عميقة حول مرجعيات زيارة بابا الفاتيكان للعراق، وتحديدا فيما اذا كانت في إطار التوجهات العامة لخطاب الفاتيكان التاريخي بنشر السلام والمحبة واحترام حقوق الانسان، أم أنها في إطار اجندة سياسية “غربية” خاصة وأن الزيارة تأتي في ظل الظروف التي يعيشها العراق على الصعيد الأمني والصراع الطائفي والمذهبي من جهة، وأزمات متشابكة معقدة يعيشها العراق منذ عام 2003، بالتزامن مع تداعيات جائحة كورونا، وشيوع الزيارات واللقاءات الافتراضية عالميا عبر وسائط التكنولوجيا.
ورغم البعد الديني لشخصية البابا بوصفه اعلى مرجعية مسيحية ، إلا ان البعد السياسي كان أكثر حضورا ،بما في ذلك الأسباب المرجعية للزيارة واختيار العراق، وسياقات المرحلة وارتباطاتها بالسيطرة الإيرانية على العراق إضافة لأسباب أخرى عديدة، تشير مخرجاتها كلها إلى ان الزيارة سياسية بامتياز، خاصة وأن الفاتيكان سبق ومارس أدوارا سياسية في دول أوروبا الشرقية ،قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي.
لقد سبق للحبر الاعظم ان زار الأزهر بوصفه اعلى مرجعية سنية الا ان عنوان الزيارة لم يكم مصر،بل كانت لتعزيز حوار الاديان وتنمية قواسم مشتركة لمواجهة التطرف والإرهاب الذي ينتمي للسنة ممثلا ب”داعش والقاعدة والتنظيمات الجهادية التكفيرية” فكان توقيع” وثيقة الأخوة الإنسانية”كما زار الامارات والتقى فيها مع شيخ الأزهر في إطار انفتاح إماراتي على الأديان وترجمة مفاهيم التعددية والتنوع الثقافي والديني في إطار التسامح وقبول الاخر،غير ان زيارة العراق سياسية استنادا لمعطيات نجملها بما يلي:
اولا: تأتي بعد تسلم الديمقراطيين الحكم في امريكا، والتوافق والقواسم المشتركة بين ما يطرحونه من مقاربات تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح مع مقاربات الفاتيكان التاريخية بهذا الخصوص، وهو ما يعني ان الفاتيكان يتجاوب مع الطروحات الامريكية الجديدة، والتي من المرجح ستظهر تأثيراتها في أوروبا خلال السنوات القادمة، بالمزيد من فشل أحزاب اليمين المتطرفة والشعوبية، التي شكل فوز ترامب دافعا لها في تحقيق نجاحات، خاصة بعد العمليات التي نفذها تنظيم داعش في مدن اوروبية عديدة، وخطاب الكراهية الذي غذته قيادات اسلامية وعربية لحسابات قصيرة.
ثانيا: تشكل زيارة البابا اعترافا مباشرا بالمرجعية العربية للشيعة العرب، ويدرك البابا ان هذه القضية تشكل ضغطا على المرجعية الدينية الشيعية في إيران والتي تنازع مرجعية العراق في قيادة الشيعة العرب، كما يدرك البابا الفروق بين مرجعية العراق التي تؤمن بالدور الاجتماعي على حساب السياسي، والتدخل في السياسة من باب النصح، وليس المشاركة في القرار السياسي وهو عكس ما يجري في إيران التي يتبع فيها رئيس الجمهورية للمرشد الأعلى للثورة، ولا قيمة لقراراته ما لم يؤيدها المرشد الأعلى.
ثالثا: البعد الايراني في زيارة البابا لا يرتبط فقط بالاعتراف بالمرجعية الشيعية العربية ، بل يأتي في سياقات ضغوط سياسية وعسكرية وامنية تمارس ضد ايران على خلفية الاتفاق النووي،ودور حرسها الثوري في المنطقة، وإدارتها للصراع في المنطقة على أسس مذهبية ،تسهم في تعزيز بواعث التطرف والإرهاب في المنطقة، وبالتزامن ستعزز الزيارة فضاءات يشهدها العراق بضرورة الانفكاك عن ايران، يتم التعبير عنها عبر المظاهرات والتساؤلات حول حقيقة ارتباطات الحشد الشعبي ومرجعيته، وبالتزامن مع توجهات حكومة الكاظمي لبناء عراق جديد بفضاءات عربية “مشروع الشام الجديد” بالاتفاق مع الأردن ومصر، فيما تشهد العلاقات العراقية مع دول الخليج وخاصة السعودية دفئا، يبدو معه الحشد الشعبي وحيدا مع إيران.
رابعا: ان مرجعيات خطاب البابا خلال لقاءاته بما فيها لقاءاته مع الحكومة ورئاسة الجمهورية ومع المرجع الديني “علي السيستاني” في النجف، رغم المسحة الدينية لها إلا أنها كانت سياسية، فقد دعا إلى “التصدي لآفة الفساد” و “سوء استعمال السلطة”، وتحقيق العدالة، وتنمية النزاهة والشفافية، وتقوية المؤسسات المسؤولة عن ذلك”. ووجه نداءا بقوله “لتصمت الأسلحة “،فيما قدم الشكر للسيستاني “لأنه رفع صوته مع الطائفة الشيعية في مواجهة العنف والصعوبات الكبيرة في السنوات الأخيرة، دفاعا عن الأضعف والأكثر اضطهادا “،غير ان مفردات خطابه الخاصة بالطوائف أكدت غير مرة برسالة مشفرة على عراقية العراقيين وهو ما يشكل رسالة لإيران وأتباعها في العراق ،ومع ذلك فان خصوصية زيارة البابا للعراق لم تكن لتمنعه من الإشارة الى المظلومين بجوار العراق في فلسطين وفي سوريا، الى جانب مظلومين يعانون أكثر داخل إيران، وهو ما يغلب نكهتها السياسية.
مدير عام الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية. عمان/ الأردن
رأي اليوم
ورغم البعد الديني لشخصية البابا بوصفه اعلى مرجعية مسيحية ، إلا ان البعد السياسي كان أكثر حضورا ،بما في ذلك الأسباب المرجعية للزيارة واختيار العراق، وسياقات المرحلة وارتباطاتها بالسيطرة الإيرانية على العراق إضافة لأسباب أخرى عديدة، تشير مخرجاتها كلها إلى ان الزيارة سياسية بامتياز، خاصة وأن الفاتيكان سبق ومارس أدوارا سياسية في دول أوروبا الشرقية ،قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي.
لقد سبق للحبر الاعظم ان زار الأزهر بوصفه اعلى مرجعية سنية الا ان عنوان الزيارة لم يكم مصر،بل كانت لتعزيز حوار الاديان وتنمية قواسم مشتركة لمواجهة التطرف والإرهاب الذي ينتمي للسنة ممثلا ب”داعش والقاعدة والتنظيمات الجهادية التكفيرية” فكان توقيع” وثيقة الأخوة الإنسانية”كما زار الامارات والتقى فيها مع شيخ الأزهر في إطار انفتاح إماراتي على الأديان وترجمة مفاهيم التعددية والتنوع الثقافي والديني في إطار التسامح وقبول الاخر،غير ان زيارة العراق سياسية استنادا لمعطيات نجملها بما يلي:
اولا: تأتي بعد تسلم الديمقراطيين الحكم في امريكا، والتوافق والقواسم المشتركة بين ما يطرحونه من مقاربات تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح مع مقاربات الفاتيكان التاريخية بهذا الخصوص، وهو ما يعني ان الفاتيكان يتجاوب مع الطروحات الامريكية الجديدة، والتي من المرجح ستظهر تأثيراتها في أوروبا خلال السنوات القادمة، بالمزيد من فشل أحزاب اليمين المتطرفة والشعوبية، التي شكل فوز ترامب دافعا لها في تحقيق نجاحات، خاصة بعد العمليات التي نفذها تنظيم داعش في مدن اوروبية عديدة، وخطاب الكراهية الذي غذته قيادات اسلامية وعربية لحسابات قصيرة.
ثانيا: تشكل زيارة البابا اعترافا مباشرا بالمرجعية العربية للشيعة العرب، ويدرك البابا ان هذه القضية تشكل ضغطا على المرجعية الدينية الشيعية في إيران والتي تنازع مرجعية العراق في قيادة الشيعة العرب، كما يدرك البابا الفروق بين مرجعية العراق التي تؤمن بالدور الاجتماعي على حساب السياسي، والتدخل في السياسة من باب النصح، وليس المشاركة في القرار السياسي وهو عكس ما يجري في إيران التي يتبع فيها رئيس الجمهورية للمرشد الأعلى للثورة، ولا قيمة لقراراته ما لم يؤيدها المرشد الأعلى.
ثالثا: البعد الايراني في زيارة البابا لا يرتبط فقط بالاعتراف بالمرجعية الشيعية العربية ، بل يأتي في سياقات ضغوط سياسية وعسكرية وامنية تمارس ضد ايران على خلفية الاتفاق النووي،ودور حرسها الثوري في المنطقة، وإدارتها للصراع في المنطقة على أسس مذهبية ،تسهم في تعزيز بواعث التطرف والإرهاب في المنطقة، وبالتزامن ستعزز الزيارة فضاءات يشهدها العراق بضرورة الانفكاك عن ايران، يتم التعبير عنها عبر المظاهرات والتساؤلات حول حقيقة ارتباطات الحشد الشعبي ومرجعيته، وبالتزامن مع توجهات حكومة الكاظمي لبناء عراق جديد بفضاءات عربية “مشروع الشام الجديد” بالاتفاق مع الأردن ومصر، فيما تشهد العلاقات العراقية مع دول الخليج وخاصة السعودية دفئا، يبدو معه الحشد الشعبي وحيدا مع إيران.
رابعا: ان مرجعيات خطاب البابا خلال لقاءاته بما فيها لقاءاته مع الحكومة ورئاسة الجمهورية ومع المرجع الديني “علي السيستاني” في النجف، رغم المسحة الدينية لها إلا أنها كانت سياسية، فقد دعا إلى “التصدي لآفة الفساد” و “سوء استعمال السلطة”، وتحقيق العدالة، وتنمية النزاهة والشفافية، وتقوية المؤسسات المسؤولة عن ذلك”. ووجه نداءا بقوله “لتصمت الأسلحة “،فيما قدم الشكر للسيستاني “لأنه رفع صوته مع الطائفة الشيعية في مواجهة العنف والصعوبات الكبيرة في السنوات الأخيرة، دفاعا عن الأضعف والأكثر اضطهادا “،غير ان مفردات خطابه الخاصة بالطوائف أكدت غير مرة برسالة مشفرة على عراقية العراقيين وهو ما يشكل رسالة لإيران وأتباعها في العراق ،ومع ذلك فان خصوصية زيارة البابا للعراق لم تكن لتمنعه من الإشارة الى المظلومين بجوار العراق في فلسطين وفي سوريا، الى جانب مظلومين يعانون أكثر داخل إيران، وهو ما يغلب نكهتها السياسية.
مدير عام الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية. عمان/ الأردن
رأي اليوم
نيسان ـ نشر في 2021-03-07 الساعة 13:42
رأي: عمر الرداد كاتب وخبير أمني