اتصل بنا
 

الأردن: مخاوف من تطبيع ثقافي رسمي

صحافي وكاتب

نيسان ـ نشر في 2021-03-12 الساعة 23:17

نيسان ـ منذ توقيع اتفاقية وادي عربة في السادس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 1994، بين الأردن والكيان الصهيوني، ظلّ الكثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية، ومنها وزارة الثقافة، بمنأى عن الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين. أمرٌ يعتبره البعض رغبةً في عدم جرّ المشهد الثقافي نحو التطبيع، بينما يرى آخرون أنّ ما حدث يُماثل ما انتهجته مصر منذ توقيعها كامب ديفيد سنة 1979، أي حصر العلاقة مع العدوّ ضمن نخبة سياسية وأمنية محدّدة.
منذ الأحد، تشهد وسائط التواصل الاجتماعي انتقاداتٍ عديدة لتعيين علي العايد، سفير الأردن في "إسرائيل" بين عاميْ 2006 و2010، وزيراً للثقافة، إثر تعديل وزاري لحكومة بشر الخصاونة في اليوم نفسه، وسط علامات استفهام حول دلالات القرار وتَبِعاته على واقع العمل الثقافي في البلاد.
في حديث إلى "العربي الجديد"، يشير الشاعر أكرم الزعبي، رئيس "رابطة الكتّاب الاردنيين"، إلى أنْ "لا مخاوف جدّية" بعد توزير العايد، إذ إنّ "قرار الرابطة مستقلّ، ولم يسبق أن تمّ الضغط عليها لاتخاذ أيّ قرار سابق"، مفضّلاً عدم استباق الأمور وتوجيه حكم مسبق على العايد بحكم وظيفته في وزارة الخارجية، إذ قد لا يكون هناك تأثيرٌ لذلك حول استلامه حقيبة "الثقافة".
غير أنّ الزعبي شدّد على أن أية خطوات قد تقوم بها الوزارة نحو إقامة علاقات مع الاحتلال الصهيوني ستقود إلى موقف معلن وحاسم من قبل الرابطة التي "ترفض كل أشكال التطبيع"، وهو موقف لا جدال فيه، بل ويشكّل "الثابت الوحيد" لدى الرابطة التي لن تتنازل عنه "حتى لو كلّفها ذلك وقف الدعم السنوي لها من قبل الوزارة أو حتى إغلاقها".
وأوضح رئيس الرابطة بأن الكتّاب الأردنيين يتمنّون وجود "وزير له تماسٌّ مع الثقافة واشتباك مع المشهد الثقافي ولديه خطط يقدّمها من أجل تطويره"، في تعليق على حالة الصدمة التي أصابت كثيراً منهم نظراً لأن الوزير الجديد لا صلة له بالثقافة لا من قريب ولا من بعيد. لكنه استدرك قائلاً: "لننتظر. ربما يكون علي العايد أكبر داعمٍ للمثقّف والعمل الثقافي".
من جهته، استبعد الفنّان حسين الخطيب، نقيب الفنانين الأردنيين، "أيّ أثر سلبي على تعيين علي العايد وزيراً للثقافة، الذي سيكون لديه بحكم وظيفته رؤية نحو تطوير الفعل الثقافي والفني، كما مثّل بحكم وظيفته الأردن، حين كان سفيراً في الكيان الإسرائيلي"، مبيناً أنه بصفته الشخصية والنقابية يرفض رفضاً قاطعاً أي شكل من أشكال التطبيع تقوم به وزارة الثقافة أو أية جهة رسمية، وهي مسألة مبدئية لا جدال فيها.
أمّا القاص والباحث هشام البستاني، فوصف القرار، في حديث إلى "العربي الجديد"، بأنّه "قاعٌ سحيق جديد ينحدر إليه المشهد الثقافي المحلّّي. تقليدياً؛ كان المشهد الثقافي مرتبطاً بالمؤسسة الرسمية وتحديداً بوزارة الثقافة بالدعم والتمويل، والتي كان يُنظر إليها بأنها حكومة مطبِّعة ومرتبطة بأجندة أميركية إسرائيلية. ورغم ذلك، كان العديد من المثقفين والهيئات الثقافية يقبلون هذا الدعم والتمويل الرسمي الذي أنتج التبعية"، مشيراً إلى أنّ القول بأن الوزارة لم تطبّع سابقاً ينطوي على "رؤية تبسيطية ساذجة وانتهازيّة لا تتعامل مع الحكومة باعتبارها أداةً تنفيذية بيد السلطة، وتخترع لوزارة الثقافة دوراً مستقلّاً، حيث كلّ الحكومة هيئة متعاضدة مسؤولة عن كلّ سياسات الدولة دستوريّاً من كوارث اقتصادية وسياسية وثقافية".
وأضاف: "تعيين العايد يثبت أن الوزارة جزء من السلطة بارتباطاتها، وتضع إصبعها في عين كلّ من يقول غير ذلك، وكلّ مَن تعامل معها باعتبارها جسداً مستقلاً عن التطبيع والسياسات النيوليبرالية التي أهدرت موارد البلاد وأضرّت بمصالحها. هي فرصة لنرى ونستمع إلى هذه الهيئات والمثقّفين الذين استمرأوا ولم يعارضوا هذا النهج طوال هذه السنين".
ونبّه البستاني إلى أنّ الأصل أن تقوم هذه السلطة يتوزيع ما تحصّله من دافعي الضرائب من خلال آلية تشاركية، لا أن تقوم بتوظيف جميع عناصرها ــ بمن فيهم مسؤولو الثقافة ــ لإنتاج دعايتها، وتجييش المؤسسات والهيئات الثقافية ضمن هذا المشروع، وأنّ على المثقف النقدي أن يقاوم ذلك من أجل أن يستقلّ الحيز الثقافي عن السلطة. كما دعا إلى أن ترتفع أصوات الهيئات والمثقفين لإدانة هذا الفعل، وهذه الرسالة السلطوية، ولرفض أن يطاول التطبيع المعقل الرسمي الأخير، وحتى بالمعنى التقني للكلمة. واشار إلى أنّ ما جرى فرصة لينفكّ المشهد الثقافي مرّةً وللأبد عن سيطرة السلطة، وللتوجّه نحو إلغاء الوزارة، فالإبداع يحتاج إلى تخصيص أموال دافعي الضرائب ضمن هيئة مستقلة ينال من خلالها المبدع الدعم ضمن آليات شفّافة ونزيهة ومهنية، بعيداً عن شِراء الولاءات وتوزيع المنافع. وربما كان ذلك فرصة، أيضاً، للتذكير بأن رابطة الكتّاب الأردنيين تأسّست في سياق مواجهة الأحكام العرفية التي فرضتها السلطة حوالي ثلاثين عاماً.
الشاعرة والكاتبة زليخة أبو ريشة نشرت على صفحتها في "فيسبوك" سؤالاً استنكارياً: "سفير سابق لدى الكيان الصهيوني وزيراً للثقافة؟" ودعا بعض المعلّقين الجسم الثقافي بكلّ هيئاته للاحتاج ضد التعيين، فيما اعتبر آخرون أنّ الحكومة لا تمثّل الشعب لأن الشعب لم يخترها، بينما تخوّف البعض الآخر من أن التطبيع الثقافي قادمٌ لا محالة. وفي حديث إلى "العربي الجديد"، رأى الروائي محمد حسن العمري أن تعيين العايد يمثّل "مقدمة لتطويع وتطبيع الهيئات التابعة لوزارة الثقافة". وكان العمري قد نشر على صفحته في "فيسبوك" منشوراً يتساءل فيه إن كان لوزير الثقافة الجديد مؤلَّفٌ واحد في الأدب أو الفن أو الثقافة!

نيسان ـ نشر في 2021-03-12 الساعة 23:17


رأي: محمود منير صحافي وكاتب

الكلمات الأكثر بحثاً