اتصل بنا
 

حوارٌ وُدِّيٌّ مَعْ كورونا

قاص واعلامي اردني

نيسان ـ نشر في 2021-03-18 الساعة 15:01

نيسان ـ *ميم يعني أنا. كاف يعني كورونا.
م: لم أفهمكَ رُغم مُحوالاتي المُستميتةَ لِكي أفهمَك.
ك: الفهمُ يحتاجُ المُعاينة، والمعاينةُ تحتاجُ الإقرار، والإقرارُ يحتاج الاحترام. عندما يحترمُ بَنو البشرِ الكائناتِ المُتناهيةِ الصِّغَر، فلعلّهم، عندها، يضعونَ قدمًا أُولى في مشوارِ فهمِنا.
م: ليسَ كلُّ الناسِ في هذا سَواء.
ك: العِبْرةُ هُنا بالنتائج.
م: هل تقصد أستاذ فيروس أن من ينكرونكم هم سادتُنا؟
ك: بالطّبعِ لا. أقصدُ أن الجهلَ يضيّع في عالمِكم جهودَ المؤمنينَ بقوّة العِلْم.
م: متى يا سيّدي تَرحل؟
ك: بإمكانكَ عدِّي مِن الآن في قائمةِ الراحلين، ولكنني لا أضمنُ لكَ تاليها. من يعرفُ فربّما يطلعُ لكم غدًا، وليس بعدَ غدٍ، من هو أشرس منّي. الكرةُ في ملعبِكم والآفةُ أنتُم لا أحدَ غيرَكم.
م: ماذا تقصِد؟
ك: أقصدُ أن المعضلةَ الحقيقيةَ ليست بوجودِ كائناتٍ وحيدةِ الخليّة، فأنتم، على سبيل المِثال، تملِكون ملايين الخلايا. ولا بِقوى البروتين اليَتيم. الأزمةُ العميقةُ تتعلّقُ بحساباتِكم العمياء؛ أقوامٌ ترثُ وأخرى لا ترِث. بشكلِ تواصلِكم. بعناوينكم البالية: دُول شمالٍ وكانتوناتِ جنوب. شرقٌ وغرب. عالَمٌ أوّل وآخرُ ثاني وثالثٌ ثالث والحبلُ على الجرّار. ماذا فعلتم، على سبيلِ المِثال لِمشكلةِ الاحتباس؟ ماذا قدّمتم لأطفالِ اليمن؟ من منكم يجرؤ أن يواجه احتكاريةَ الشركات الكبرى العابرةِ لِلقارات؟ هل حللتُم مشاكِلكم العالِقة: فلسطين، سوريا، العراق، عصابات المافيا في معظم دول أميركا الجنوبية، الأنظمة المستبدّة على وجهِ العُموم، الفساد المنتشر في بلادٍ لا تُعدّ ولا تُحصى؟ ثمّ ماذا بخصوص غيابِ العدالة؟ وماذا بخصوصِ التمييزِ العنصريّ؟ وماذا بخصوص إلقاء القمحِ في البحرِ على اختيارِ توزيعِه على فقراءِ العالَم؟ وماذا بخصوصِ وجودِ كوريّتيْن؛ واحدةٍ تزدهِر، وأخرى يقتلُ الحياةَ فيها معتوهٌ مستبِد؟ كم مليارُ إنسيٍّ ماتوا في الحروب؟ وكم مليار إنسيٍّ ماتوا بالسرطانِ والجلطاتِ وحوادثِ السّير والسكّري وضغطِ الدّمِ والقرحةِ وعدمِ توفّر أكسجينِ الصمودِ في مواجهةِ شُروري، أو انقطاعِهِ وسطَ ترهّلٍ وظيفيٍّ إداريٍّ مميتٍ بدرجةٍ لا تقلّ عن احتمالاتِ تسبّبي، أنا شخصيًّا، بموتِ ضَحاياي، والقتلِ والحرائقِ والغرقِ والسقوطِ والكَمَدِ والانتحارِ وأمراضٍ جينيةٍ ووراثيةٍ وموجباتِ الموت الأخرى، وهِيَ كثيرةٌ؟
م: هل أنتَ سمٌّ قاتِل؟
ك: لا.
م: هل أنتَ تطفّلٌ فتّاك على خَلايا الحَياة؟
ك: لا.
م: فَمَن أنت؟
ك: أنا الوجْهُ البشِع لعالَمِكم المعاصِر. أنا لحظةُ الحقيقةِ في دِماءِ أبنائِكم. أنتم سئِمتم أنفسَكم، حتّى، قبلَ وصولي، فصرتُم تنتجونَ أفلامًا عن الذباب والنّحل والطيورِ والكِلاب والقردةِ وكائناتِ الفضاء البعيدِ وحتى الدُمى الجامدة، محاولينَ من خِلال هذه النوعيةِ من الأفلام تحفيزَ مجسّات الإثارةِ عندَ جمهورِكم. فأقلّها أن أجدَ مساحةً لي تريحكُم من كِباركِم وقد باتوا يشكّلون ثِقلًا على موازناتِكم. ومن بعضِ صغارِكم كي تصبحَ صورتي مُبْهَمة. ومن أصحائِكم كي ترتعبوا منّي. ومن مرضاكم كي تجدوا بعض سلوى لي. لا وجهَ واضحًا لي، كما لا وجهَ واضِحًا لكُم. لا ملامِحَ لي، كما لا ملامحَ لكُم. بصراحةٍ لستم أنتم المخوّلين بقولِ إنكم لم تفهموني، أنا الذي لم أفهمكم. كذب الديكتاتور الذي ادّعى لحظة هزيمتِهِ أنه فهمكم (الآن فهمتكم)، أنتم عصيّون على الفِهْم. وقد يُتاح لكم هزيمتي، عِندها سأمْضي دونَ أنْ أفهمَكم، وسوْف يأتي بعدي من يَكون آخرَ همِّهِ فِهمكم، مقابلَ حصدِ المليارات مِنكم، وعندها قد يبقى على قيدِ الحياة، من يسْتحقون الحياة، ويمضونَ بِها نحوَ أجملِ وأجلِّ تجلياتِها حكمةً وحريّةً وعدالةً وتَسامُحًا ومَحبّةً ومعنىً واستردادَ حقوقٍ وتحقيقَ كَرامات.

نيسان ـ نشر في 2021-03-18 الساعة 15:01


رأي: محمد جميل خضر قاص واعلامي اردني

الكلمات الأكثر بحثاً