اتصل بنا
 

هيـبـة

نيسان ـ نشر في 2021-05-31 الساعة 21:01

نيسان ـ ومن نافِل القول إن الهيبة لا تُطلَبُ باللسان، ولا تُفرَضُ بالقوة والعنف والتهديد والوعيد وإرهابِ الناس.
القوة قد تستدعي الخوفَ والرعب، إلى أجل، لكنها لا تجلب الهيبة لأحد، أَبشراً كان أم دولة.
فالهيبة تنبني على الاحترام، والتقدير، وتتطلب إِعمالَ الحكمة ورجاحة العقل، والحزم في مكانه، واللين في وقته، والتواضع دونَما ضعف، والصدق والأمانة والنزاهة ومكارم الأخلاق.
وفي الدولة، تتطلب العدلَ أولاً، فـ"العدل أساس الحكم"، والمساواة بين الناس. وصون الحقوق.
هيبة الدولة لا تثبت بالهراوات أو قنابل الغاز أو الاعتقالات أو التهديدات..
هيبة الدولة يفرضها الناس على أنفسهم وعلى الآخرين، ويتصدون لحمايتها، عندما يشعرون ويلمسون أن قلوب "رجال الدولة" على الوطن وأهله ويسعون لخيرهم.
وهي لا تأتي بين عشيةٍ وضحاها، وإنما نَتاج مراكمةِ الأفعال الحميدة.. التي تُنبِت الثقة في الدولة وسائر أجهزتها.
تتصفح بعينيك الوجوه.. فلا تجد فيها وجهاً يجعلك تأمل خيراً.. أو يُشعِرُك بالثقة.
تتفقد الكراسي.. فتجدها خالية.. إلا من هياكل "كأنهم خُشُبٌ مُسَنَّدة".
وإني لأعجب؛ كيف يطلبون احترام هيبة دولة؟ وهم لا يقدّمون ولا يمارسون من أفعال إلا ما ينزع عنهم ما تبقى منها!
عندما ترى مسؤولين في الدولة يخرقون الدستور، ويلوون أعنّة القوانين، ويستهينون بعقول الناس..
وعندما ترى مجلس نوابٍ يتخذ قرارا بطرد سفير كيان العدو، فتزدريه الحكومة ولا تعبأ به وتستبيح ماء وجهه.. ثم ينتفض غضبا لأن نائبا "أساء لهيبته"..
ومجلس "الحكماء" يحرّض الحكومة على البطش بالناس والفتك بهم ولجم ألسنتهم بدل الدفاع عن حقهم في التعبير..
وعندما تأتي حكومة لإدارة أزمة مفصلية، فتفشل أيّما فشل، وتزيدها تعقيدا..
أي حكومةٍ هذه؟!
عندما تسمع وزيرا يقارع العدو بـ"الدبلوماسية الناعمة" الطرية طراوة قبته الحديدية، فيما يهدد الأردنيين بـ"دحرجة الرؤوس"..
وآخرَ، بدلَ أن يدير أزمة، يربك البلاد والعباد، ويأخذنا بـ"الصوت العالي"، ويدمّر الاقتصاد، ويكافَأ بجعله وزيرا يحمل السوط وينادي بالويل والثبور لمن يرفع صوته بالشكوى.
ولمّا تتباهى بمنظومتك الصحية، وينقطع الأكسجين عن المرضى في أسرّة العناية الحثيثة، وأنت "تشحد" اللقاح..
تَجبي مئات الملايين من جيوب الناس لـ"تعزيز مصادر الطاقة".. لتنقطع الكهرباء ولا أحد يتحمل المسؤولية..
وتتغنى بتجربتك الفريدة في "التعلم عن بٌعد"، وعشرات الآلاف من الطلاب لا يستطيعون إلى الإنترنت سبيلا..
تُوهِم الناس برفع معدلات النمو، فيما الاقتصاد يوغِل في الانكماش، وتعِدُهم باستثمارات بالمليارات.. وإذ بالمديونية ترتفع مليارات.. وأرقام البطالة تعرُج إلى السماء..
وعندما تجد أمينا للعاصمة يثير الفوضى ويذل الناس في توزيع الخبز، ثم يغدق لخياطة "أطول يافطة في العالم".. ويزيل علم كيان العدو المرسوم على الشوارع لئلا تدوسه أقدام الأحرار مراعاة لمشاعر بني صهيون..
وعندما تجد إعلاما يطبّل ويهلّل لإنجازات "دون كيشوتية" ويتغافل عن الفساد وسوء الإدارة.. و"الشعب لا يجد القليَّة"..
وتسمع مصطلحات مثل "حكومة النهضة" و"الأمن الغذائي" و"الاعتماد على الذات" و"الخريطة الزراعية" و"دولة القانون والمؤسسات".. والجوع والفقر يطحنان الإنسان الذي تكتشف أنه لم يعد "أغلى ما نملك"..
هذه، وغيرها الكثير الكثير ملأت قلوب الناس قَيْحا وشحنت صدورهم غيظاً وجرّعتهم نُغَب التَّهمام أنفاسا، وكمّمت الأفواه وجوّعتها..
وبعد ذلك.. تطلبون هيبة؟!

نيسان ـ نشر في 2021-05-31 الساعة 21:01


رأي: عمر العساف

الكلمات الأكثر بحثاً