اتصل بنا
 

مكاشفة على طاولة الاصلاح السياسي في الاردن: خوارزمية قانون الانتخاب وهواجس الهوية والديمغرافية وسيطرة “الاخوان”.. الاردن بين معادلتين : ارضاء الداخل وتحييد الخارج!

نيسان ـ نشر في 2021-06-16 الساعة 20:13

نيسان ـ لكي يتجنب أعضاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي شكلت بتكليف ملكي مؤخرا، إعادة تدوير نتائج جولات حوارية عقيمة سابقة، يتحتم تشخيص الإخفاقات الغابرة بكل وضوح وصراحة، والاتعاظ منها، وتجاوزها، تلافياً للوقوع في ذات المطب، وتجنباً للدغة العاشرة من الجحر نفسه.
الإصطدام بحائط الصد والإحباط اليوم، له محاذيره الفادحة، بخلاف حسابات الأمس، ويؤدي إلى فقدان الشهية السياسية، ويوصد إغلاق أبواب الثقة بشكل محكم، ويقود إلى مرحلة لامبالاة خطيرة، تفتح فيها صناديق مقفلة، لا يمكن لأحد التنبؤ بالمفاجآت التي ستخرج منها.
يعلم الجميع، مخاطر التحديات التي مرت وتمر بها الدولة، من وضع اقتصادي بالغ التعقيد، ومحيط يلتهب منذ سنوات، ترك بصماته القاسية على الدولة الأردنية، ومؤامرات خارجية دنيئة أرادت النيل من صمود الأردن في وجه مخططات تصفية القضية الفلسطينية، لفتن داخلية، حاولت العبث بأمن الأردن واستقراره، لحكومات أخفقت في إدارة دفة الدولة، وبرلمانات صورية ولدت بعمليات قيصرية، لضغوط شعبية متفاقمة، وتنمية معطلة، وقضايا مجتمعية خطيرة، من فقر مدقع، وبطالة
بلغت 50 بالمئة بين الشباب، وغيرها وغيرها، وكلها، أصبحت تفرض على الدولة استبدال أدواتها العتيقة، واتباع نهج مختلف، وسياسات خلاقة، برؤى ثاقبة، وأفق شاسعة، وصدر أرحب، يضمن مشاركة أوسع للناس في صناعة قرار دولتهم، ليتحملوا مع قيادتهم السياسية مسؤولياتهم الوطنية، ويقاسموها نتاج خياراتهم وقراراتهم!
المهمة الوطنية الملقاة على عاتق اللجنة الملكية التي كلف برئاستها رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، مفصلية، وبالغة الدقة والأهمية، ولا تقبل القسمة على اثنين، للوصول الى مخرجات استثنائية، تليق وترتقي بالطموحين الملكي والشعبي، وتواكب عبور الدولة نحو مئويتها الثانية، سيما وأن توصياتها ستكون ملزمة للحكومات، بضمانات ملكية مباشرة، ومشروطة باحداث “نقلة نوعية” في الحياة السياسية والبرلمانية، وفق البوصلة الملكية الموجهة لها.
أزلياً، أخفقت سفينة الاصلاح مراراً وتكراراً بالابحار نحو شواطىء آمنة، لأن ضغوط المراحل السياسية المتعاقبة، كانت هي التي تفرض الحديث عن الاصلاح!. وحالما تستشعر مجسات الدولة أن الرياح المعاكسة قد خبت وهدأت، كانت تطوي الأشرعة، بانتظار إعادة رفعها حالما تهب العاصفة القادمة!
هذا المد والجزر، أفقد القوى السياسية والشعبية الطامحة بمشاركة أوسع في صناعة القرار، شغف الحوار، وبدد لديها آمال التغيير، وأدخلها في حالة من الإحباط الجمعي، ورسّخ قناعاتها بعدم جدية الحكومات في شعاراتها وحواراتها.
في المقابل، سكنت هواجس وخوارزميات سياسية في عقل الدولة من أبعاد الاصلاح السياسي، الذي يُربط دوماً بمآلات القضية الفلسطينية، وحلولها من عدمها، وجدلية إشكالية الهوية، وانعكاساته على ترسيخ ديمغرافية الدولة حالما يسري عليها مخاضات الإصلاح المنشود، وتترجم اوتوماتيكياً بالجملة الديماغوجية التقليدية : “الوطن البديل”. الأمر الذي يراه دعاة الإصلاح بدورهم، فزاعة، وعرقلة مقصودة لإجهاض الإصلاح، وأنها مبررات تتبدد وتذوب في دولة مدنية قوامها المواطنة!
على العموم، يتوافق أطراف اللعبة السياسية أن قانون الانتخاب، أهم أداة من أدوات الاصلاح السياسي، لكنهم يختلفون على مضامينه وتفاصيله..
دعاة الاصلاح، يرون في قانون انتخاب 89 على سبيل المثال، نموذجاً انتخابياً ديمقراطياً يحتذى، يلبي طموحهم السياسي، ويكفل خيارات أوسع للناس في اختيار ممثليهم وشكل برلماناتهم. لكن الطرف المقابل، يرى أن ذات القانون، لا يخدم إلا الأحزاب، وحين الحديث عن الأحزاب، فلا يوجد في الميدان، غير حميدان..(جماعة الإخوان المسلمين تحديداً) التي يمكّنها ذات القانون وحدها من السيطرة بشكل مؤثر على مقاعد البرلمان، فتبرز هواجس الدولة مجدداً، على سطح طاولة الإصلاح السياسي.
ثمة هواجس اضافية، ترشح من عقلية الدولة، مفادها: ان سيطرة الاسلاميين على البرلمان، يخضع لحسابات سياسية خارجية، جراء مواقف دول عربية وخليجية معادية لجماعة الاخوان المسلمين، تتقاطع مصالح الدولة معها، سيما وأن ذات الدول أدرجت الجماعة على “قوائم الارهاب” (…) اضافة لمواقف اوروبية وامريكية، وهنا، تقف حسابات الدولة بين معادلتين معقدتين متناقضتين: كيف يمكن احتواء الداخل، وتحييد الخارج ايضا !؟
مكمن تأثير قانون الإنتخاب، أنه يفرز سلطة من سلطات الدولة الثلات، يمكّنها إذا ما أتيحت لها الفرصة السياسية، من التحكم في السلطة التنفيذية (الحكومة) حال تواجد قوى سياسية مؤطرة، قادرة على حسم لغة الأرقام في البرلمان، والأهم، انه يمكّنها من إجراء تعديلات دستورية، وهنا، تبلغ حسابات الدولة ذروتها، وتخضعه لذات الهواجس والوساوس.
الأبعد من ذلك، ان التوافق على قانون انتخاب، لا يكفي للمضي قدماً على طريق الإصلاح السياسي، دون رفع الوصاية البيروقراطية، وترسيخ منظومة النزاهة، وتفعيل الحياة الحزبية، وتغيير الصورة المشوهة المنقوشة في عقلية المواطنين عن الانتخابات والبرلمانات السابقة، وردم الهوة الشاسعة بينهم وبين سلطتيهم التنفيذية والتشريعية.
بموازاة كل هذا، يعي الراسخون في السياسة، أن التمترس على ذات المربع، مع تفاقم التحديات والعقبات والأجواء المشحونة بالمتغيرات الداخلية والمحيطة، له كلفة باهظة، وأن المياه الراكدة، تصبح آسنة، والتأخر في دفع عجلة الإصلاح، قد يفوّت موعد الرحلة، فيصل الجميع الى المحطة، بعد رحيل الحافلة!
المطلوب من المنغمسين في ملف الإصلاح السياسي اليوم، الخروج بنتائج ايجابية فعلية، وإيجاد قواسم مشتركة من التوافقات المرضية التي تلبي الحد الأعلى الممكن من الطموح الشعبي المتعطش لملامسة تغييرات جوهرية تنعكس على حياتهم المعيشية، وتؤمن تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، والحياة الكريمة، وتصون الحريات، وتوسع المشاركة في صناعة القرار، وبالتالي تقوي دعائم استقرار الدولة.
ومع حالة الجدل والتشكيك التي رافقت تشكيل اللجنة الملكية، المطلوب أيضاً، أن يطغى صوت العقل على مشاحنات عوالم التواصل، مثلما المطلوب، خلع ثوب العدمية، ونفض حالة التشاؤم، وتخفيض ايقاع التجاذبات السلبية، والنظر إلى نصف الكأس الممتلىء، رغم الصورة النمطية السلبية المشكلة في الذهنية الأردنية عن جولات حوارية اصلاحية سابقة.
دون قناعة الفرقاء السياسيين، أن الاصلاح السياسي، ليس له وصفة سحرية محضرة وجاهزة، وأنه عملية متواصلة، تتجدد وتتطور وتنمو، وفق الأفق السياسية والأشواط التي تقطعها الدولة ومجتمعاتها، فسنظل نحرث في الماء..
إن ملف الاصلاح السياسي، بأهميته القطعية، شائك، ولن يتحقق بقرار واحد ويدخل الجميع في رحاب المدينة الفاضلة. لكن تحقيقه رغم تأخره، ممكن بشكل مؤكد، سيما وأن الذي يحضّ عليه، ليست النقابات ولا الأحزاب والقوى السياسية والشعبية وحدها، بل أعلى هرم في الدولة، بسقوف رحبة، قرأناها في الأوراق النقاشية الملكية، وفشلت الحكومات والبرلمانات في فهمها وترجمتها !
رأي اليوم

نيسان ـ نشر في 2021-06-16 الساعة 20:13


رأي: ايهاب سلامة

الكلمات الأكثر بحثاً