اتصل بنا
 

الإصلاح قرار سياسي وتدوير المناصب لعنة!!!

نيسان ـ نشر في 2021-06-28 الساعة 08:15

نيسان ـ لم يسمع الأردنيون كلمة أو مصطلحًا في العقدين الماضيين أكثر من كلمة الإصلاح، حتى باتوا لا يعطونها أي اهتمام أو جدية، لأنهم باتوا مقتنعين أن هذا الموضوع موسميًا ودعائيًا؛ إذ أن الكثير من الحكومات التي جاءت، خصوصا خلال السنوات العشر الماضية تحدثت عن الإصلاح وتشدقت بالبرامج التي لم تغن الأردنيين عن حاجتهم لإصلاح مسيرة حياتهم.
الإصلاح المنشود لدى أي شعب في الأرض يكون بإرادة سياسية مباشرة دون دوامة ما يسمى بالحوار والنقاشات واللجان التي عادة لا تؤدي إلا إلى مزيد من تضييع الوقت. لقد يئست الأجيال الجديدة من التغيير، هذه الأجيال التي أشبعوها حديثا عن دورها المحوري وحقها بأن تكون جزءا أساسيا من القرار، لم تعد تثق بهذه الشعارات الرنانة المفرغة من أي فعل على الأرض، فسياسة التهميش والإقصاء ما زالت مسيطرة على التعامل مع الشباب من خلال إغلاق باب أي فرصة تمثل لهم بداية على طريق إنصافهم. لدينا آلاف الشباب الذين يحملون أعلى الشهادات ويمتلكون زمام القدرة والمعرفة الحقيقية في مختلف التخصصات ومن أعرق الجامعات العالمية، لكن هذا لم يسعفهم لأن يأخذوا دورهم في المؤسسات الوطنية، لأن سياسية التدوير في الفرص والمناصب أصبحت لعنة تواجه الأردنيين وتقضي على أحلامهم وفرصهم.
التدوير في الوظائف والمناصب الذي يعاني منه الأردنيون لم يعد يقتصر على القطاع السياسي فقط، بل تعداه إلى الإدارة والشركات وقطاع الإعلام، واجتاح كل القطاعات على مختلف أنواعها. خذ مثلا، وزير يدخل إلى الحكومة بالصدفة أو عن طريق الواسطة والمحسوبية والشللية، يفشل فيخرج من الوزارة في أول تعديل، ولكنه يكرم ويعين سفيرًا أو يذهب عين أو رئيسا لمجلس إدارة إحدى الشركات الكبرى، وهكذا دواليك. وحتى لا نعمم بالمجمل، هناك أعداد قليلة تداولت هذه المناصب وأثبتت نجاحها في كل موقع تولته، ولكن هؤلاء لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة من مجمل الصورة القاتمة والتي باتت تشكل عبئًا ثقيلًا على كاهل الأردنيين، وخصوصًا الأجيال الجديدة منهم. لقد وصل الأمر لأن يبقى المنصب فارغًا لصاحبه حتى تنتهي ولايته في المنصب الجديد ثم يعود فورا إلى منصبه الأول.
منذ أن أصبح التوزير من قبل الكثير من رؤساء الحكومات المكلفين على أساس الصداقة والجيرة والنسب، تراجع أداء الحكومات وفقدت ثقة الشارع تماما. يكلف أحد الشخصيات بتشكيل الحكومة الجديدة ويأخذ أيامًا طويلة في التشكيل، ثم تخرج هذه التشكيلة هزيلة ضعيفة تعكس ضعف أداء الحكومة منذ يومها الأول كما نعيش هذه الأيام. إن الحديث عن انعدام الفرص وسوء تشكيل الحكومات ولعنة التدوير في المناصب يطول وهو أول حلقات فشل الإصلاح الذي يتحدثون عنه منذ سنوات طويلة، حيث يسقط هذا الادعاء عند اختيار شخص ما لمنصب حكومي.
الإصلاح يكون قرارًا واضحًا من أصحاب القرار في الدولة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والإدارية، وقاعدته الإصلاح السياسي الذي إذا توفر، يكون ساعتها الإصلاح الاقتصادي والإداري تحصيل حاصل. الإصلاح السياسي لا يكون إلا بقوانين تحقق رغبة الناس في المشاركة باتخاذ القرار، الأمر الذي يؤدي إلى إعادة خلق حياة سياسية حقيقية، وذلك لن يأتي إلا من خلال سن قانون انتخابات تتوافق عليه الأغلبية في الشارع الأردني، حتى يتم فرز مجلس نواب قادر على تمثيل الناس تمثيلًا حقيقيًا بعيدًا عن الجهوية والمحسوبية والمناطقية الضيقة، وقادرا على مراقبة الحكومات ومحاسبتها محاسبة حقيقية لصالح البلاد والعباد، أما إذا بقينا مترددين في إنجاز قانون انتخابي يحقق طموح الناس في التغيير، فسنظل ندور بنفس الدائرة المفرغة وتتراكم الخسارة عامًا بعد عام حتى يفوت الأوان. وبالضرورة فإن قانون أحزاب حقيقي يحقق نظرة محترمة للأحزاب ويفعل دورها في الحياة السياسية بشكل واضح وصريح، خصوصا في مجلس النواب، يدفع بقوة على طريق الإصلاح السياسي ويمهد الطريق للحكومات البرلمانية، وعندما يتحقق الإصلاح السياسي بالسرعة المطلوبة، ساعتها يكون طريق الإصلاح الاقتصادي والإداري سهلًا وميسرًا، لأن الحكومات عندما تجد مجلس النواب قويًا ستعمل عملًا فاعلًا وتراعي العدالة بين الناس، لأنها تعلم أنها تحت مجهر الشعب من خلال نوابه. إن القانون الذي ننشده يجب أن يخرج من ضيق الحساسيات جميعها التي منذ خمسين عاما ونحن نراعيها وهي تراكم علينا خسارة تلو الخسارة وتراجعًا يتلوه تراجع، وبالإشارة إلى أي خطة إصلاح، يجب أن تكون الحكومة حاضرة بقوة فيها، لأنها هي صاحبة الولاية على إيجاد القوانين التي تلبي طموحات الشعب وهي التي يجب أن تجري حوارا مع الناس ثم حوارا مع مجلس الامة، ولا أدر كيف ترضى حكومة على نفسها أن تكون مستبعدة عن هذا الملف وكل الملفات باستثناء تسيير الأعمال اليومية للدوائر والمؤسسات.
وبالانتباه إلى لجنة الإصلاح الجديدة، فإنه لا بد من التذكير أنه في مكاتب الحكومات وأدراجها خطط إصلاح عديدة مثل الميثاق الوطني والأجندة الوطنية والأردن أولًا والكثير الكثير من الخطط، ولكنها أهملت تمامًا. أعتقد أنه علينا هذه المرة أن ننتظر ما سيخرج من اللجنة الجديدة للإصلاح والتي ربما تكون الفرصة الأخيرة، لكننا نعتقد أن لديها حافزًا كبيرًا للعمل رغم الآراء الكثيرة بها وبطريقة تشكيلها، إلا أنها تملك أمرًا ملكيًا حازمًا، إذ أن الملك على ثقة تمامًا بأن الإصلاح الحقيقي هو مصلحة وطنية عليا، كما أن رئيس الوزراء الأسبق ورئيس اللجنة سمير الرفاعي، لديه حرقة حقيقية لإنجاز ما كلف به، ولكن الملاحظات على معظم أعضاء اللجنة كثيرة، أولها أن اللجنة احتوت على عدد ليس بقليل من الوزراء والأعيان والمسؤولين السابقين الذين يحملهم الناس مسؤولية الواقع الصعب الذي وصلت الأمور إليه في البلاد. وللأسف الشديد إن الذي نشكو منه دائما والذي يعرقل في كثير من الأحيان التطور على كل المستويات هو حصر الاختيار ضمن التوزيع المناطقي والجغرافي الذي كان واضحا في اختيار اللجنة، رغم أننا منذ زمن طويل نطالب أن يشمل الإصلاح فك هذه العقدة التي تلزم الحكومة في أحيان كثيرة اختيار غير موفق تحت ضغط إرضاء المنطقة هذه أو تلك، كما أن بعض أعضاء اللجنة من الواضح تماما أنهم جاؤوا نتيجة العلاقات الشخصية التي أرهقت الأردنيين بمخرجاتها على الدوام، وبالتأكيد أيضا أن الكثير من الأعضاء ستنهي اللجنة أعمالها دون أن يسمع صوتهم، لأنهم غير قادرين على تقديم أي شيْ. المهم في النهاية أن يكون الحديث عن الرغبة في الإصلاح على كافة المستويات الوطنية حديثا صحيحا صادقا حتى يخرج الأردنيون من دوامة التراجع على كافة المستويات في مجالات حياتهم المختلفة وتسود العدالة بينهم ويتخلصوا من تخبط الحكومات في إدارة الأمور، كما يتخلصوا من لعنات اغتيال الفرص ولعنة تدوير المناصب عند فئة محددة معظمهم متسلقين لا يهتمون إلا بمصالحهم الذاتية، فانتظروا إنا منتظرين.

نيسان ـ نشر في 2021-06-28 الساعة 08:15


رأي: محمد حسن التل

الكلمات الأكثر بحثاً