اتصل بنا
 

عبد الحافظ.... كَيفَ لي أَنْ أَقولَ وَداعاً؟!

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2021-06-28 الساعة 16:25

عبد الحافظ.. .. كيف لي أن
نيسان ـ المَوتُ فِكرَةٌ أَزَلية، تُرافِقُنا، تُراقِصُنا أَبَدَ الدَهر وَلا تَستَكينُ كَما نَفعَلُ ذاتَ حنين... فَنَستَظِلُ بِظِلِ شَجَرَةٍ رومانية، أو نَتَمَسمَرُ بِبابٍ مُعتَدٍ بأَهلِه، وَقَد نَلجَأُ نَحوَ دوارٍ أَصَمّْ، دُوارٍ مِنْ دواويرَ عمانَ وَ أَهاليهَا التي تُرهِقُ أَعيُننا ذاتَ لَيل.
رَحَلَ عبد الحافظ! وَ نَثَرَ بَعضاً مِنهُ فِي مُحَيا عبدالله، وَفِي قَلبِ رأفت، وَنَفَثَ قليلاً في إبتسامَةِ أَنس،وَفِي مَبسَمِ أحمد
عبد الحافظ يَتَشَكَّلَ طَيفاً بَينَ عَينَي أَنيس، وَفِي هَيئَتِهِ شاباً فَتياً مُفعَماً بالطاقة، فَمَن يُحادِثُهُ كَأن يُحادِثَ عبد الحافظ.
عبد الحافظ لَنَ أَجرَؤَ أَن أَقولَ لَكَ وَداعاً، فَهَذِهِ سِهام تُعِدُ قَهوَتَكَ كَما يَنبَغِي، وَ بِجِوارِها سُهَى تُناظِرُ مَضافَتَكَ وَ تَنتَظِرْ...
وَ تُنشِدُ نادية بِأَنَّكَ الأوكسجينُ الذي لا يَنضَب، وَ تُجزِم عليا بَأنها تَراكَ فَوقَ الغَيم، وَ تَستَشيطُ رِحاب إِن رَثاكَ أَحَدٌ بِكَلِماتٍ لَيسَت مَليئَةٌ بالحَياة...
عبد الحافظ... نُويّر لا زالَتْ تُداعِبُ ليمونَتَكْ التي تَنامُ أَمام تراسِ مَنزِلِكِ مِنَ الشَّرق، نُويّر تَقولُ فِي لَحَظاتِ تَأَمُلٍ وَتيه وَفي حُضنِها عُكازُكَ وَحَطَةٍ يَملَأها اليَباس :" قُلْ لِي وَ أنتَ فِي حَضرَةِ روزا لوكسمبورج، وَفي جِوارِ شكسبير، وَجُبران، وَقبانِي نِزار... هَل بِتنا أَحياءَ أَمْ لا زِلنا نُحاوِلُ أَن نَكون؟! هَل لا زال حُلُمُكَ يُرفرِفُ كَفراشَةٍ تَفَنَنَ اللهُ بِخَلقِها وَ أَبدَعَ التَشّكيل؟! أَم أَنَ الحُلُمَ لا يَطير؟! "
يَختَصِرُ عبد الحافظ الوَقتَ فِي مَوتِهْ، وَ المَكانُ هُوَ ذاتُهُ مَهمَا فَلسَفنا التَفاصيل...
يَتَجَسَّدُ ( ابو فارس) بِفارِسْ! فَهُوَ ظِلُّهُ هُنا، فَهُوَ وَريثٌ لِعَينَيهِ والكَثيرُ مِنَ الحُبْ،إِذ أعْلَنُ أنَّ لِلأرْضِ قَمَرَينِ، قَمرٌ في مَدارِ الأرضِ وعبد الحافظ في مدارِ قَلْبٍ أضاءَ وَ أَزهَرْ...فارِس الذي يُسُرُ لي قَبلَ قليل "بغض النظر عما يحققه الفرد في حياته، يبقى الأب مظلة، وبغيابه تشعر بالانكشاف"...ذِكرياتْ هِي وَطَنٌ يَستَطيعونَ البِكاءَ فِيها حَدَّ التَّعَبْ، فالذِكرياتُ تُعطيكَ فَأعطِها، أَتَعلَمون أَيُ ذِكرياتٍ تِلْكَ التي تَصنَعُ تَاريخاً حينَ تَبتَسِمْ...
فما الذِّكرياتُ الا إِمتِدادُ الرّوحِ للروح... هِي إمتِدادُكَ في هذه الأَرضْ، هِي مَنْ تَحنو ذاتَ حَنين.
عبد الحافظ ينامُ الآن في حُضْنِ الله، يُداعِبُ سَوسَنَةً هناك في العالمِ الآخر ويحتسي قهوته كعادتهِ بلا سُكّر!... ابو فارس الذي يستطيعُ خلق ابتسامَةً جَميلةً كعادتهِ مِنَ العَدَمْ... بلى إنهُمْ الطيبون، الطيبون وحدهم من يغادِرون محطة قطارنا المهترئ هُم وحدَهُمْ من يخطونَ لنا أبجدياتِ الإنسانية ويحددون مساراتها ومساقاتها هِم المُحِبون المُخلِصون فَهُم سِرُ الحياةُ وديدَنُها.
عبد الحافظ الذي حَازَ على حُبٍ لا مَشروط، فَقَد حَصَلَ ابو فارس على شيكٍ مَفتوح مِن حُبِ الناسِ وَذِكرِهِم لَه، فَفِي فُلكِ ذِكرِهِ يَدورُ الناسُ دونَ كَلَلْ، كَيفَ لا وَهُوَ مَنْ يُداعِبُ نَسَماتِ الريح في القرية، وَ ينثُرُ الأَمَلِ فِي طُرقاتِها وَ بيادِرها، وَ بَساتينِها، وَفي قُلوبِ مَنْ عَرَفوه... وَ خَبِروه، وَ أَيقَنوا بِأَنَّ الرَّجُلْ فَقيدٌ وَلا يُكَرَرْ.... فَهُوَ مَن كَانَ يَستَيقِظُ قَبلَ أَن يَصحو النَّهار، وَ يُحاوِلُ تَعديلَ زاويةَ دخولِ الشَّمسِ إلى قريةٍ وادِعة.
ابو فارس يَحرُسُ أَحِبَّتَهُ مِنْ فَوقِ غَيمَةٍ تَجوبُ السَّماء، يُلقي بَعضَ التَّحايا، يُواسِي أَحَدَهُمْ ذاتَ حُزن، وَيربِتُ على كَتِفِ مَنْ أصابَهُ اليَأس، يُقَبِّلُ جَبينَ مُشتاقْ، وَ يُراقِبُ نائِماً أَرهَقَهُ التَّعَبْ، وَ يَبتَسِمْ.
رَحِمَ الله الحاج عبدالحافظ البريزات ابو فارس، وغفر له وجعل مثواه الجنة....

نيسان ـ نشر في 2021-06-28 الساعة 16:25


رأي: رأفت القبيلات كاتب أردني

الكلمات الأكثر بحثاً