اتصل بنا
 

مفاوضات سد النهضة.. لا قرارات لمجلس الأمن

نيسان ـ نشر في 2021-07-06 الساعة 08:14

نيسان ـ دخلت مفاوضات سد النهضة اإلثيوبي منعطف األزمة بشكل تام، بما يمكن
القول معه إنها وضعت العربة أمام الحصان، وذلك مع إقدام إثيوبيا على البدء
في الملء الثاني للسد بشكل أحادي وبدون اتفاق قانوني ملزم لجميع األطراف.
بالمقابل صعدت جمهورية مصر العربية لهجتها على لسان الرئيس المصري عبد
الفتاح السيسي بأن إثيوبيا تحاول فرض سياسة األمر الواقع، مشيرًا إلى ارتفاع
حجم التكلفة التي تترتب على أي مواجهة أو صراع، ثم تلتها السودان بعد فشل جولة مفاوضات »الفرصة
األخيرة« مع إثيوبيا في كينشاسا، وذلك من أجل تدخل المجتمع األفريقي والدولي لثني أديس أبابا عن اتخاذ أي
إجراء أحادي من شأنه تعقيد األمور إلى أن وصل الملف مره اخرى إلى مجلس األمن.
ويبدو أن إحالة الملف لمجلس األمن من قبل كل من مصر وإثيوبيا لن يلقى الحماس المطلوب، ألن مجلس األمن
لم يتخذ في تاريخه أي قرار يتعلق بقضايا المياه إضافة إلى التجاذبات واالصطفافات الدولية الحالية التي تحول
دون موافقة باإلجماع على أي إقرار بالخصوص حتى ولو أرادت الواليات المتحدة األميركية ذلك، على األقل بما كانت
تعبر عنه اإلدارة األميركية السابقة. إضافة إلى أن المجتمع الدولي وضمن سياسات معظم دوله، حيال القضايا
اإلقليمية، يدعو لحل النزاعات من خالل الحوار والتفاوض وإبرام االتفاقيات التي تحقق المنافع المشتركة والتعاون
بين دول الحوض األعلى واألسفل وتحت مبدأ »الجميع رابح«. واألهم أيضًا أن دول مجلس األمن لديه قضايا مائية
مشتركة كما هو الحال بين الصين وفيتنام وغيرها من الدول والبالغ عددها ١٥٣ دولة والتي تشارك المياه مع
جيرانها، وهذ الواقع يثير تخوفًا كبيرًا من أن تتقدم دول أخرى لمجلس األمن بقضايا مشابهة وبالتالي يصبح
الشغل الشاغل لمجلس االمن قضايا المياه الدولية والمياه المشتركة وغيرها وهذا ال يرغب به ال مجلس األمن وال
األمم المتحدة.
بطبيعة الحال، ال ينبغي أن ُيثقل مجلس األمن باألنشطة التي يجب أن تتوالها هيئات األمم المتحدة األخرى، وال
سيما الجمعية العامة. لكن المجلس يستطيع وينبغي عليه أن يوجه اآلخرين - داخل منظومة األمم المتحدة
وخارجها - لمعالجة أزمات المياه بطريقة فعالة وبناءة، على أن يتم ذلك بطريقتين: أوالهما تعزيز القدرة
التحليلية لقضايا األمن المائي ودور األمين العام لدق ناقوس الخطر لمنع التوترات من التحول إلى نزاعات
مسلحة، حيث تمنح المادة ٩٩ من ميثاق األمم المتحدة األمين العام سلطة ومسؤولية لفت انتباه مجلس األمن
إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم واألمن الدوليين. هذه مسؤولية مهمة يمارسها األمين العام في
معظم األحيان بشكل غير رسمي، في نشاطه السياسي وفي اتصاالته اليومية مع مجلس األمن.
وثانيًا، دعم التعاون في مجال المياه المشتركة والعابرة للحدود بمختلف أشكاله أمرا أساسيا. وهذا يشمل
معاهدات محددة ألحواض األنهار والبحيرات، فضًال عن معاهدتي األمم المتحدة بشأن المياه، وهما اتفاقية األمم
المتحدة لالستخدامات غير المالحية للمجاري المائية الدولية واتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية العابرة
للحدود والبحيرات الدولية.
وبالنظر إلى المفاوضات ومحطات أزمة سد النهضة التي امتدت أكثر من عقد من الزمان، لم يحقق أطراف النزاع
الثالثة مصر والسودان وإثيوبيا تقدما يذكر. حيث بدأت المفاوضات بتفسيرات مختلفة لبنود إعالن المبادئ
الموقع في العام ٢٠١٥ ،وبإثارة لمواضيع الخالف وموارد النزاع بدال من نقاط االتفاق وبالتالي تتالشى فرص االلتقاء
اإليجابي وتتسع فجوة الخالف بين االطراف. وقراءتنا للوضع الحالي ومن خالل مقاالت سابقة، أن المفاوضات وضعت
العربة أمام الحصان ولم تحقق النجاح المطلوب لثالثة أسباب جوهرية وهي:
• نطاق وهدف االتفاقية: تواجه الدول الثالث تحديًا أساسيًا في تحديد ماهية االتفاق. تتمثل نقطة الخالف
الجوهرية من المنظور اإلثيوبي في عدم قابلية تطبيق اتقاق قانوني ملزم لتشغيل سد النهضة على أهم
مبدأين في اتفاق إعالن المبادئ وهما المبدأ الثالث )عدم التسبب فى ضرر ذي شأن( والمبدأ الرابع )االستخدام
المنصف والمناسب(. وتخشى إثيوبيا من اتفاق قانوني على تشغيل السد وإلزامها بالحقوق التاريخية لحصة
مصر والسودان من النيل األزرق، وذلك وفق لالتفاقيات الموقعة في العام ١٩٢٩ والعام ١٩٥٩.
• االستخدام المستقبلي للمياه عند منبع سد النهضة: النقطة األساسية للخالف هي نية إثيوبيا للتوسع في
اهداف السد من توليد الطاقة الكهرومائية الى إلتحكم في مياه النيل من خالل االستخدام الكبير لمياه الري،
وبالتالي فإن حصتي القاهرة والخرطوم ستتأثران بشكل كبير وخطير من مياه النيل واستدامتهما على المدى
البعيد، وعليه تصبح اتفاقية عام ١٩٥٩ على المحك من حيث قانونيتها وإمكانية تفعيل بنودها، ولذلك تتعنت
إثيوبيا وترفض اإلدارة والتشغيل المشترك لسد النهضة بين الدول الثالث أو أي اتفاق حول التخزين ومدده
الزمنية، وكأنها تقول ال لالتفاقيات السابقة ونعم لسياسة االمر الواقع.
• مراهنة إثيوبيا على الخيارات المتاحة لكل من مصر والسودان: تتولد القناعة لدى إثيوبيا يوما بعد يوم بأن
خيارات كل من مصر والسودان أصبحت محدودة، بما في ذلك الخيار العسكري الذي وإن حدث سيكون له تبعات
سلبية اجتماعية واقتصادية على مصر والسودان، إضافة إلى ان هنالك دعمًا افريقيًا مستترًا ضمن منظومة
االتحاد االفريقي أكثر بكثير من الدعم المتوقع لكل من مصر والسودان.
وبالنظر إلى الثالث النقاط، قد يكون من الصعب او المستحيل وجود اتفاق قانوني ملزم قبل الملء الثاني لسد
النهضة والذي اصبح قاب قوسين أو أدنى وهو تكتيك اثيوبي للتعامل مع مطالب دول الحوض لفرض األمر
الواقع أي بناء وملء السد. يحدث هذا في ظل وجود إجماع بين الخبراء بأن اتفاقيات المجاري المائية الدولية يجب
أن تكون أكثر واقعية وملزمة وال بد أن تتضمن آليات تفصيلية لحل النزاعات وهو غير موجود فى حالة الخالف
بين شركاء حوض النيل. يستلزم التعاون األفضل واالمثل أيًضا تحديد مخصصات مياه واضحة ومرنة ومعايير
لجودة المياه، مع مراعاة األحداث الهيدرولوجية وديناميكيات مياه النيل المتغيرة والقيم المجتمعية.
وللخروج من هذا النفق المظلم، ال بد من العمل على مجموعة من المبادئ األساسية للعودة مرة أخرى إلى
طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق مربح لكافة األطراف:
• استخدام المياه كأداة للتعاون لتحقيق التنمية المستدامة لجميع الدول وليس كسالح ضد أي دولة. وكما هو
معروف فقد أدى تسارع تغير المناخ وما يرتبط به من ندرة في المياه إلى زيادة القيمة االستراتيجية لموارد المياه
وأنظمتها، وهذا يجعل تحقيق االمن المائي أكثر صعوبة وبالتالي يوفر مناخ لممارسة استخدام الماء كسالح أو
أداة ضغط بدل من التعاون.
• التركيز على المصالح والمنافع مع االخذ بعين االعتبار تكاملية العالقة ما بين المياه والطاقة والغذاء والتجارة
واالبتعاد عن المواقف السابقة.
• ابتكار خيارات لتحقيق مكاسب متبادلة من خالل التعاون المشترك، حيث يوجد الكثير من الحلول المبتكرة
والبناءة لتشغيل السد وتقليل التبخر وتقليل اآلثار السلبية على البيئة والحياة االجتماعية.
• اإلصرار على معايير وإجراءات موضوعية إلتمام وتطبيق عملية المفاوضات وتسوية المنازعات.
• أما فيما يخص مصر، فال بد من التركيز على الدعم العربي والدولي والذي ما زال دون المطلوب والسبب عدم
وضوح الرواية وال بد للجانب المصري أن يبذل المزيد من الجهد لرفع الوعي المائي لدى أصحاب العالقة من حيث
تأثير اإلجراءات األحادية على الوضع المائي والمعيشي في دول الحوض.
إن عواقب فشل االتفاق على االجيال القادمة تتطلب من الجميع حتمية الوصول إلى اتفاق مستدام بين االطراف
قبل انتقال النزاع الى دول حوض النيل االخرى. فالتعاون على مستوى حوض النيل سيكون له فوائد للجميع، إال
أن ندرة المياه وزيادة الطلب عليها من الممكن أن تؤدي إلى زيادة العداء السياسي وجعل التعاون اإلقليمي أكثر
صعوبة، وبالتالي سيؤدي إلى ضعف النمو االقتصادي وهشاشة االستقرار السياسي في دول حوض النيل.
على الرغم من أن أزمة سد النهضة مهيأة للتصعيد، وبغض النظر عما سيوجه به مجلس األمن، إال أن األزمة
والتوترات النابعة منها مرشحة النتهاج مسارين؛ مسار للتهدئة وضبط النفس عبر إتباع مفاوضات جديدة
وتعاون على أساس قانوني ملزم للجميع وبدعم من المجتمع الدولي. ومسار آخر يأخذ منحنى التصعيد بسبب
االجراءات األحادية مثل الملء الثاني للسد والذي أصبح على األبواب، وبالتالي االنزالق إلى حرب مياه في المنطقة
األفريقية التي هي بالفعل من أشد المناطق توترًا. وبكل ما يحمله الضجيج الراهن حول النزاع القائم، يبدو أن
مسار التهدئة واإلحاطة األكثر قبوًال، في مواجهة المسار الثاني الذي تبدو احتماالته محدودة وربما استثنائية
لألسباب سابقة الذكر.
د. حازم الناصر
رئيس منتدى الشرق االوسط للمياه ووزير المياه والزراعة األسبق/ األردن
د. حسن أبو النجا

نيسان ـ نشر في 2021-07-06 الساعة 08:14


رأي: د. حازم الناصر

الكلمات الأكثر بحثاً