اتصل بنا
 

الضوضاء و التلوث البيئي في مدينة عمان و سبل علاجها

نيسان ـ نشر في 2021-07-18 الساعة 14:16

نيسان ـ تعتبر الضوضاء من مظاهر التلوث البيئي المتزايدة في مدن العالم و تؤثر سلبا على مستوى الرفاه المعيشي للمواطنين وعلى صحة الانسان فهي ذات صلة ببعض الامراض مثل فقدان السمع و التوترات العصبية و الارق و قلة التركيز و ارتفاع ضغط الدم و تصلب الشرايين و الجلطات الدموية و زيادة افراز هرمون الضغط النفسي . و يلاحظ في مدينة عمان ازدياد مستوى التلوث الضوضائي في السنوات الاخيرة الامر الذي يستدعي الوقوف على حقيقته و اثاره و سبل علاجه .
يعبر عن مستوى ضجيج الصوت بوحدة الديسيبل فالكلام بين الاشخاص على سبيل المثال يتم على مستوى 60 ديسيبل ( و هو المستوى المريح للاذن ) و الهمس حوالي 30 ديسيبل , و رنة الهاتف حوالي 70 ديسبل و مجفف الشعر 100 دسيبل و صوت مرور الطائرة النفاثة في السماء 130 دسيبل , تبدأ الاذن بالانزعاج الشديد عند مستوى 110 ديسيبل ثم بالالم الشديد عند مستوى 130 ديسيبل .(1) . حددت تعليمات “الحد والوقاية من الضجيج لعام 2003 “ الصادرة عن وزارة البيئة مستوى الضوضاء المسموح به في المناطق السكنية في المدن ب 60 ديسيبل نهاراً و 50 ديسيبل ليلاً و في أماكن التعليم والعبادة والعلاج والمستشفيات 45 نهاراً و 35 ليلا .(2)
اثبتت دراسة نشرها موقع منتدى الاقتصاد العالمي و شاركت بها منظمة الصحة العالمية بوجود علاقة طردية واضحة بين ارتفاع مستوى الضوضاء في المدن و عدد حالات فقدان السمع , تمت الدراسة على 200 الف شخص يقطنون المدن ال 50 الاكثر اكتظاظا حول العالم , و بينت الدراسة انه يمكن تقليل حالات فقدان السمع و ما يرتبط بها من امراض من خلال تقليل التعرض للضوضاء و نشر الوعي بين المواطنين, و عمل التشريعات القانونية الملزمة , و حواجز عازلة لضجيج الطرق و السكك الحديدية , و تخطيط حركة النقل الجوي لتكون في اطراف المدن لا فوقها , و استخدام الاطارات الصامتة لوسائل النقل , و ارتداء الادوات الشخصية الحامية للاذن , و زيادة المساحات الخضراء داخل المدن التي من شانها تخفيض اثر الضوضاء.
كما استطاعت الدراسة عمل مؤشر يرتب مستوى الضوضاء في تلك المدن , فكانت المدينة الاكثر ضوضاءا في العالم هي مدينة جوانزو الصينية تليها مدينة دلهي الهندية ثم القاهرة في المركز الثالث ثم مدينة اسطنبول التركية ثم مدينة بكين الصينية , و جاءت مدينتي برشلونة و باريس الاوروبيتين في المركز السابع و التاسع , اما ضمن المدن الاقل ضوضاءا عبر العالم فجاءت مدينة زيورخ السويسرية في المركز الاول تليها مدينة فينا النمساوية ثم مدينة اوسلوا ثم ميونخ ثم ستوكهولم الاوروبية . و تبين ان المصادر الرئيسية للضوضاء هي وسائط النقل على الطرقات و السكك الحديدة و النقل الجوي , و اعمال الانشاءات و المصانع , و مصادر الاصوات السمعية المنبعثة من المحلات التجارية و المقاهي و الحانات .(3)
و اما في الاردن فلا يزال الوعي بهذا النوع من التلوث البيئي و قياسه و اثاره على صحة الانسان حديث العهد , و تعمل كوادر وزارة البيئة ذات الامكانيات المتواضعة مشكورة على وضع خطة مستقبلية لقياس مستوى هذا النوع من التلوث الا ان المسافات المقطوعة في هذا المجال لا تزال قليلة خصوصا و ان لدى الوزارة اولويات اكثر اهمية . و يلاحظ قاطني عمان الذين سكنوها منذ اكثر من خمسين عاما ازديادا كبيرا و مضطردا في مستوى الضوضاء خصوصا بعد انتشار ظاهرة عوادم السيارات و الدراجات النارية المثيرة للضوضاء الحاد المتعمد التي تثير الرعب في نفوس الاطفال و تؤرق المرضى و المتعبين و تزيد من آلامهم , و ازدياد اطلاق العيارات النارية و الالعاب النارية في المناسبات , و سماعات سيارات الغاز و الباعة المتجولون و نباح الكلاب المقتناة داخل المنازل التي اصبحت منتشرة و مؤرقة للسكان , و مؤخرا طيارات الهيلوكابتر السياحية التي تطير فوق بيوت عمان و احيائها السكنية بشكل يومي بدلا من الطيران فوق شوارعها الرئيسية.
و في ظل محدوية الموارد المالية لدى وزارة البيئة و وجود اولويات بيئية اخرى لديها اهم من الضوضاء اذ تحتاج عملية قياس الضوضاء لمنظومة من الاجهزة و الموظفين لادارتها و تسجيل المشاهدات , يمكن لاصدقاء البيئة المهتمين بمكافحة التلوث البيئي و القاطنين في مختلف مناطق عمان استخدام تطبيقات مجانية دقيقة متاحة عبر الهاتف تسمح بقياس مستوى الضوضاء بوحدة الدسيبل ثم ارسال قراءات الضوضاء لمدة سبعة ايام على جروب اجتماعي يتم من خلاله توثيق القراءات و تحليلها للوصول الى تصور مبدئي حول مستوى التلوث الضوضائي في مدينة عمان لايام الاسبوع , و تكون جهدا موازيا و داعما لجهود وزارة البيئة في هذا المجال . فيمكن استخدام التطبيق المجاني المسمىSound Meter على الهواتف الذكية و هو تطبيق مجرب و دقيق و ارسال القراءات في 3 اوقات مختلفة من النهار الى صفحة محبي عمان لتخفيض التلوث الضوضائي على صفحة الفيس بوك المرفق عنوانها في (4) ادناه بحيث يقوم القائمين على تلك الصفحة بتجميع القراءات و تحليلها بالتعاون مع وزاة البيئة و الخروج بتوصيات ترفع الى لجنة البيئة في مجلس النواب لاصدار تشريع يعالج مختلف مصادر التلوث الضوضائي المشار اليها اعلاه.
و لاعطاء مؤشر بسيط على الاثار الصحية و الاقتصادية لنوع واحد من انواع الضوضاء في مدينة عمان نذكر خلاصة نتائج دراسة قامت بها جمعية مساندة البيئة على سماعات شاحنات الغاز التي بينت ان عدد كبير من سيارات الغاز يتجاوز 110 ديسيبل و جميعها يتجاوز 85 ديسيبل , و هي مخالفة لتعليمات وزارة البيئة و قانون حماية البيئة لعام 2017 (5) و ان هناك 6400 بائع يعملون في شاحنات توزيع الغاز يكونون معرضين لذلك المستوى المرتفع من الضوضاء مما قد يسبب لهم تضررا او فقدان السمع , و ان قيمة اصابات ضعف السمع في هذا القطاع وحده تقدر ب 200 مليون دينار إذا ما تم تطبيقها حسب قوانين الضمان الاجتماعي للعاملين حالياً في هذا القطاع ناهيك عن الاضرار الحاصلة لبقية المواطنين , كما بينت الدارسة انه يمكن خفض كلفة الوقود لشاحنات الغاز بحوالي 40% و زيادة ارباح شركات توزيع الغاز بحوالي 25% اذا ما تم استخدام الهاتف او تطبيق بدلا من التجوال المتكرر للشاحنات الذي يضيع نصفه بلا جدوى.(6)
ان حل مشكلة الضوضاء في الاردن هو امر في متناول اليد و مبني على اساس مبدئ شرعي هو حرمة الاضرار بالغير و التزام وطني بقاعدة احترام حرية الاخرين في العيش في وطن منخفض الضوضاء . و تستطيع الجهات القائمة على مكافحة التلوث البيئي اصدار التشريعات اللازمة لتخفيض التلوث الضوضائي في المدن الاردنية الذي يضر بصحة المواطنين و يسبب عدد من الامراض كفقدان السمع و امراض الضغط و تصلب الشرايين و التوتر النفسي و قلة التركيز, بالاضافة الى المشاكل الاجتماعية و المشاجرات بين المواطنين و الخسائر المالية لجهات مثل الضمان الاجتماعي و التامين الصحي و التي تقدر بمئات ملايين الدنانير .

نيسان ـ نشر في 2021-07-18 الساعة 14:16


رأي: الدكتور عبد الرحمن البلبيسي

الكلمات الأكثر بحثاً