مروان المعشر وقلق الهُوية الزائف..تلميعات تقدمية لمحتوى رجعي
محمد قبيلات
كاتب أردني
نيسان ـ نشر في 2021-08-03 الساعة 10:28
نيسان ـ كتب محمد قبيلات
ما زال بعضنا مسكوناً حتى النخاع، بقلق الهُوية وأرقها في الأردن، وبرغم تشكلها التام عبر المئة سنة الماضية، كهُوية ناجزة، ما زالت تيارات مُعيَّنة، تُصِر على تدوير "اللت والعجن" في الموضوع كلما ضُرِبَ كوزٌ بِجَرة، وكأنها هُوية رخوة، أو هشة حد تأثرها بأية نسمة عابرة.
ولا تخفى على أحد مرامي وطموحات مثل هذه الطروحات لبعض المجموعات الموظّفة، سياسياً، من أجل التمهيد لمشروعات سياسية مُعَدَّة لترتيب الأوضاع في دول المنطقة، بما يتناسب مع مصالح الأطراف الرئيسة في الصراع الدُّولي.
ولكي يكون حديثنا واضحاً، ومحدداً، فإن ما قدمه الدكتور مروان المعشر في مقالته المنشورة مؤخراً، على موقع كارنجي، وتلاقفته بعض الصحف والمواقع الإخبارية، تحت عنوان، الهُوية الوطنية والإصلاح السياسي المنشود، يُعد خطيراً جداً، خصوصا أنه يأتي في هذه المرحلة التأريخية الحساسة.
إن الحديث عن الهُوية الأردنية، بهذا التفصيل، كان إلى الأمس القريب، من ضمن المُضمَر والمسكوت عنه في الجدالات السياسة الأردنية اليومية، ويتنافى مع أخلاقياتها، وهو ما استدعى صرخة الراحل الملك الحسين، حين وصف مُثيري هذه القضايا بأنهم الأعداء إلى يوم الدين، لكن هذا الخطاب ليس بالجديد، بل ما زال يتجدد، وقد تمّ العمل عليه مطولاً على امتداد العقود الماضية، من أجل طمس الهُوية الأردنية أولًا، لهدف طمس الهُوية الفلسطينية ثانيًا، وتذويب فلسطينيي الشتات في الدول المضيفة لهم، بحيث لا يبقون لاجئين ونازحين، من أجل إضعاف وتفتيت هُويتهم وخصوصيتها النضالية، على طريق تصفية القضية الفلسطينية.
ولا ندري مَن نَحت مصطلع الهُوية الجامعة، وإلى ماذا يرمي بالضبط، ولِمَ يتم وصفها بالجامعة! لا ندري جامعة لمن، إلا إذا كان المراد العكس تماما.
تكمن خطورة مقالة المعشر، أيضا، أنها تضرب في اتجاهين، وما يزيد في قوة تأثيرها، نسبياً، الموقع المنشورة به، كونها مكتوبة باللغة الإنجليزية، فإنها تُرسِّخ القناعة لدى بعض الأوساط الأمريكية الوازنة بأن معنى الإصلاح وترسيخ الديمقراطية هو إشراك الأردنيين من أصل فسطيني في الحياة السياسية، والاتجاه الثاني أنها تسعى لإلغاء الهُوية الفلسطينية في الشتات، وبالتالي شطب خصوصيتها المقاومة للاحتلال والمطالبة بحق العودة، وهذا ما يُسْتَشفُّ من الخطاب برغم بعض الجمل المعترضة التي تبدو معارضة لهذه الفكرة.
إنها مقالة ليست وحيدة أو نادرة، وبالتالي ليست مُبدعة، حتى لو استخدمت بعض التلميعات ذات الشكل التقدمي، فيما يخص المرأة والديمقراطية والمطالبات المدينية عموما، لكن محتواها الحقيقي رجعي، كونها تأتي في سياق ونتاجات الطبقة السياسية المشوهة، المتدرجة من حِقَب بائدة، وعلى خلفية التهميش السياسي المتعمد للكفاءات الوطنية، السياسات المُبجِّلة لخريجي الجامعات الغربية، وليس الهدف هنا الحط من قيمة تلك الجامعات وأهميتها الأكاديمية والعلمية، بل التنبه إلى بيئة العلاقات والاستثمارات، المحيطة بتلك الجامعات، والجهات التي كانت تركز على الطلاب الوافدين من البلدان النامية، بهدف توظيف هذه الكفاءات لمصلحة سياسات وأهداف مُعيَّنة، وإن بشكل غير مباشر؛ ثقافي مثلا.
ومثل هذه الفئة من الطبقة السياسية تلك الكفاءات المتسلقة في الإدارة على خلفية التنسيب الأمني وفق معادلة الولاء، وجميعها، هذه وتلك، شكلت طبقة سياسية لا تعي، أو لا تهمها الآثار المترتبة على الخطاب السياسي الذي يَفرد ما يقال وما لا يقال على طاولة البحث، لغرض تحصيل الشعبويات والمكاسب الأنانية، ضاربة عرض الحائط بالمصالح الوطنية العليا، ومن اللافت ان هذه الأطراف قد تتحد مصالحها في مواجهة الإدارة السياسية الحالية للبلاد كونها استغنت عن خدماتها لتنضوي جميعا تحت يافطة حزب الغاضبين.
وقد يلاحِظ القارئ للمقالة إقحام الجَندرية وحقوق المرأة، كقضية اجتماعية، في موضوع سياسي، لكن ربما كان مرد ذلك معايير معهد كارينجي للدراسات، حيث تسعى هذه المراكز للحصول على التمويل وفق تبني قضايا معينة، تدعو لها بعض الجهات، وتشترط طرحها مقابل التمويل للمركز.
إنه خطاب مضروب، لا يرتكز إلى المصالح الوطنية، فيذهب إلى أبعد مدى في النفخ على نار الفتنة وتسعيرها، وذلك ما نرى نتائجه ماثلة أمامنا اليوم في لبنان والعراق، غاية أصحابه التسلل إلى أو البقاء في المجالس المريحة من قمرة القيادة، بغض النظر عن التكاليف المترتبة على ذلك وطنيا، حتى لو تحقق لهم ذلك عبر إذكاء الصراعات الاجتماعية والسياسية الثانوية، متوهمين وموهِمين الآخرين بأنهم يتصدون لقضايا وطنية رئيسية، والحقيقة أن مثل هذا التشوه الكبير لن يُنتج غير زيادة أعداد الفقراء والمهمشين، من كافة الأصول والمنابت، وتأجيل عملية التطور السياسي، أو العودة بها إلى مربعات أكثر تخلفاً ووعورة.
ما زال بعضنا مسكوناً حتى النخاع، بقلق الهُوية وأرقها في الأردن، وبرغم تشكلها التام عبر المئة سنة الماضية، كهُوية ناجزة، ما زالت تيارات مُعيَّنة، تُصِر على تدوير "اللت والعجن" في الموضوع كلما ضُرِبَ كوزٌ بِجَرة، وكأنها هُوية رخوة، أو هشة حد تأثرها بأية نسمة عابرة.
ولا تخفى على أحد مرامي وطموحات مثل هذه الطروحات لبعض المجموعات الموظّفة، سياسياً، من أجل التمهيد لمشروعات سياسية مُعَدَّة لترتيب الأوضاع في دول المنطقة، بما يتناسب مع مصالح الأطراف الرئيسة في الصراع الدُّولي.
ولكي يكون حديثنا واضحاً، ومحدداً، فإن ما قدمه الدكتور مروان المعشر في مقالته المنشورة مؤخراً، على موقع كارنجي، وتلاقفته بعض الصحف والمواقع الإخبارية، تحت عنوان، الهُوية الوطنية والإصلاح السياسي المنشود، يُعد خطيراً جداً، خصوصا أنه يأتي في هذه المرحلة التأريخية الحساسة.
إن الحديث عن الهُوية الأردنية، بهذا التفصيل، كان إلى الأمس القريب، من ضمن المُضمَر والمسكوت عنه في الجدالات السياسة الأردنية اليومية، ويتنافى مع أخلاقياتها، وهو ما استدعى صرخة الراحل الملك الحسين، حين وصف مُثيري هذه القضايا بأنهم الأعداء إلى يوم الدين، لكن هذا الخطاب ليس بالجديد، بل ما زال يتجدد، وقد تمّ العمل عليه مطولاً على امتداد العقود الماضية، من أجل طمس الهُوية الأردنية أولًا، لهدف طمس الهُوية الفلسطينية ثانيًا، وتذويب فلسطينيي الشتات في الدول المضيفة لهم، بحيث لا يبقون لاجئين ونازحين، من أجل إضعاف وتفتيت هُويتهم وخصوصيتها النضالية، على طريق تصفية القضية الفلسطينية.
ولا ندري مَن نَحت مصطلع الهُوية الجامعة، وإلى ماذا يرمي بالضبط، ولِمَ يتم وصفها بالجامعة! لا ندري جامعة لمن، إلا إذا كان المراد العكس تماما.
تكمن خطورة مقالة المعشر، أيضا، أنها تضرب في اتجاهين، وما يزيد في قوة تأثيرها، نسبياً، الموقع المنشورة به، كونها مكتوبة باللغة الإنجليزية، فإنها تُرسِّخ القناعة لدى بعض الأوساط الأمريكية الوازنة بأن معنى الإصلاح وترسيخ الديمقراطية هو إشراك الأردنيين من أصل فسطيني في الحياة السياسية، والاتجاه الثاني أنها تسعى لإلغاء الهُوية الفلسطينية في الشتات، وبالتالي شطب خصوصيتها المقاومة للاحتلال والمطالبة بحق العودة، وهذا ما يُسْتَشفُّ من الخطاب برغم بعض الجمل المعترضة التي تبدو معارضة لهذه الفكرة.
إنها مقالة ليست وحيدة أو نادرة، وبالتالي ليست مُبدعة، حتى لو استخدمت بعض التلميعات ذات الشكل التقدمي، فيما يخص المرأة والديمقراطية والمطالبات المدينية عموما، لكن محتواها الحقيقي رجعي، كونها تأتي في سياق ونتاجات الطبقة السياسية المشوهة، المتدرجة من حِقَب بائدة، وعلى خلفية التهميش السياسي المتعمد للكفاءات الوطنية، السياسات المُبجِّلة لخريجي الجامعات الغربية، وليس الهدف هنا الحط من قيمة تلك الجامعات وأهميتها الأكاديمية والعلمية، بل التنبه إلى بيئة العلاقات والاستثمارات، المحيطة بتلك الجامعات، والجهات التي كانت تركز على الطلاب الوافدين من البلدان النامية، بهدف توظيف هذه الكفاءات لمصلحة سياسات وأهداف مُعيَّنة، وإن بشكل غير مباشر؛ ثقافي مثلا.
ومثل هذه الفئة من الطبقة السياسية تلك الكفاءات المتسلقة في الإدارة على خلفية التنسيب الأمني وفق معادلة الولاء، وجميعها، هذه وتلك، شكلت طبقة سياسية لا تعي، أو لا تهمها الآثار المترتبة على الخطاب السياسي الذي يَفرد ما يقال وما لا يقال على طاولة البحث، لغرض تحصيل الشعبويات والمكاسب الأنانية، ضاربة عرض الحائط بالمصالح الوطنية العليا، ومن اللافت ان هذه الأطراف قد تتحد مصالحها في مواجهة الإدارة السياسية الحالية للبلاد كونها استغنت عن خدماتها لتنضوي جميعا تحت يافطة حزب الغاضبين.
وقد يلاحِظ القارئ للمقالة إقحام الجَندرية وحقوق المرأة، كقضية اجتماعية، في موضوع سياسي، لكن ربما كان مرد ذلك معايير معهد كارينجي للدراسات، حيث تسعى هذه المراكز للحصول على التمويل وفق تبني قضايا معينة، تدعو لها بعض الجهات، وتشترط طرحها مقابل التمويل للمركز.
إنه خطاب مضروب، لا يرتكز إلى المصالح الوطنية، فيذهب إلى أبعد مدى في النفخ على نار الفتنة وتسعيرها، وذلك ما نرى نتائجه ماثلة أمامنا اليوم في لبنان والعراق، غاية أصحابه التسلل إلى أو البقاء في المجالس المريحة من قمرة القيادة، بغض النظر عن التكاليف المترتبة على ذلك وطنيا، حتى لو تحقق لهم ذلك عبر إذكاء الصراعات الاجتماعية والسياسية الثانوية، متوهمين وموهِمين الآخرين بأنهم يتصدون لقضايا وطنية رئيسية، والحقيقة أن مثل هذا التشوه الكبير لن يُنتج غير زيادة أعداد الفقراء والمهمشين، من كافة الأصول والمنابت، وتأجيل عملية التطور السياسي، أو العودة بها إلى مربعات أكثر تخلفاً ووعورة.