اتصل بنا
 

الهوية الدينية والمشترك الانساني

نيسان ـ نشر في 2021-08-08 الساعة 19:43

نيسان ـ في لحظة يعبر بها البعض عن تشدده وتزمته بهويته الدينية كأفضلية، لندرك ان هويتنا الانسانية تتهاوى وتتبعثرامام دين الاخر، معلنة ثقافة دينية شعبية كظاهرة لها جذورها التاريخية حول الاديان الثلاثة .
واتسائل دوما، لماذا نكبل انفسنا امام طرح السؤال خصوصا عندما يتعلق بأي فكرة عقائدية، أو له علاقة بدين الاخر؟
في جلساتنا الاجتماعية المتنوعة العقائد والمذاهب، نحاول ان نستقيم بما نطرحه حول المسألة الدينية، لنبدو للحظة ان انسانيتنا تفيض حبا وسلاما وتهذيباً، فيما قناعاتنا لا تتوافق مع الاخر.
وحتى بين ابناء المعتقد الواحد، نتجنب البوح بمدى عقلانية بعض الافكار، لنميل صمتا داخل وجودنا المزيف لكسب المودة والاحترام.
سألتني " بنت الحي المسلمة " لماذا تتبادلي اطباق الاكل مع جارتك المسيحية؟ مشيرة الى مقولة لها جذورها الدينية المقدسة كما تعتقد " كلي عند يهودي ونامي عند مسيحي" وادارت ظهرها كصفعة ايقظتني امام سؤال وسؤال.
ولا ادري ما جدوى التعصب لافكار لاعلاقة لها بالاديان ما دام اتباع" الاديان الابراهيمية" اوكما تسمى في الوطن العربي الشرائع الالهية او الرسالات السماوية، مرجعيتها الله الواحد خالق الكون والانسان، فهل جاءت الأديان لتحل مكان انسانيتنا؟ ام أنها وجدت اصلاً لتهذيبنا والارتقاء بمكانتنا؟ وهل الفكرتان الانسانية والدينية تتعاركان لاقصاء الواحدة عن الاخرى ؟
تتناول الادبيات الفكرية في المجتمعات العربية في عصرنا، اهمية التأكيد على الهوية الدينية كلما لاحت فكرة معولمة سياسية ثقافية وفكرية، وكأن علاقة الانسان المؤمن بخالقه متغيرة زمانياً ومكانياً.
هذه الهوية الدينية التي اضحت تشكل قلقاً وجودياً لاتباعها، فلماذا نستدعيها كلما مررنا بأزمة ثفافية وسياسية ومعلوماتية؟ لا بل ونستدعيها بشراسة كلما نادى مصلح تربوي اواجتماعي او سياسي! فهل الخوف على الهوية نابع من ضعفنا ام جهلنا ام عدم درايتنا بالمعنى الحقيقي لجوهر الدين؟ ام هي ستار فضفاض تخفي وراءه ممارساتنا وسلوكنا البعيدة عن انسانيتنا التي تقدمها الاديان ؟
وفي خضم ما تؤول اليه المصالح والخلافات السياسية التي تتغذى على الاختلافات العقائدية في المنطقة العربية وخارجها، فهل باتت الهوية الدينية سلاحا مأججاً بالايدولوجيات نشهره متى توحشنا لتكون اداة صراعنا من اجل البقاء؟
لا شك باننا نبوح بأجوبة صامتة كلما لاح موقف او فكرة او حدث امامنا، خوفا من ترسانة القيود الموروثة الدينية والثقافية، والشعبية الاكثر توغلاً التي باتت تسيطر على مؤسساتنا وعلى من حصَل تعليما عالياً او دون، لتشكل عقولاً بمقاسات متشابه.
في بلدي تتسيد الديانة الشعبية المشهد، لتشكل مظاهر اجتماعية ترضي الذوق العام، اكثر ما تؤكد التصالح الذاتي و الانسجام بين ما هو ديني وانساني واخلاقي.
ولا استطيع ان امسك جواباً حول لجان واستراتيجيات تعليمية محدثة ان كانت كذلك، لتعطينا فسحة للاطلاع على دين الاخر ما دام منبت الاديان واحد!
في وقتٍ تمارس بعض دول العالم وحشيتها على الانسانية،إلا انها تتيح لمناهجها تعريفاً للاديان وتاريخها، فيما نحن نعتبر هذا المسار تشتيتاً وتهديداً لبنيتنا الثقافية والعقائدية، والذي انتج ضعفاً وجهلا في حواراتنا الناقصة حول الاخر.
ولا ادري حجم التحجر لاتباع الاديان عند استحضار الحوادث التاريخية الدينية، لتدخلنا بتفاصيل متشعبة تزيدنا خلافا وصداماً مستمرا! وما استغربه بهذه الحوارات بأن اطرافها على مستوى متواضع من الاختصاص والثقافة، مشكلين قوة لا تهزم في مجتمعات مستسلمة لفكرة الانغماس بالمجموع.
ولا شك ان الهوية الدينية باتت الان في منطقتنا تتجاذبها هواجسا فكرية وفلسفية واجتماعية وثقافياً، تغذيها الصراعات السياسية كسلاح مشترك للاطراف كافة، متمسكة بالتراث والاصالة كعنوان صلب لايدولوجية مجتمعاتها من جهة، ولقلقها الوجودي حول الانفتاح والتعايش مع هويات اخرى، فما هي ابعاد الهوية الدينية مستقبلاً؟ وما هي تداعيات جدل علاقتها باشكالية الاختلاف ؟وهل بقي مشكلات لم تطفو على السطح بعد؟
ان تصفحي للمنصات الاجتماعية لساعات، قد اثارت حماسي لطرح هذه الاسئلة، منصات تنبأ لنا عن حجم الشك والكراهية والتقزيم لأي هوية دينية وغيرها من الهويات، بالرغم من التمويل الباهض الثمن لمؤتمرات والمحافل الدولية للتسامح والتقريب والتقبل، لا زال البشري خارج هويته الانسانية، وداخل قوالبه المحكمة التصنيع.

نيسان ـ نشر في 2021-08-08 الساعة 19:43


رأي: د. آمال جبور

الكلمات الأكثر بحثاً