اتصل بنا
 

أول الإصلاح الخلاص من الذهنية العرفية

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2021-08-12 الساعة 21:26

أول الإصلاح الخلاص من الذهنية العرفية
نيسان ـ كتب محمد قبيلات
الذهنية العرفية لا تزال تتحكم بالسلوك السياسي العام، الرسمي والشعبي، فمن الناحية المؤسساتية ما زال الموظف العام، الأمني والعامل في المؤسسات الخدمية، يتصرف باستعلائية تُجاه المواطنين، وكذلك الوزراء والمدراء، الذين يمارسون الوصاية على العالمين، وكأنهم حكماء الزمان الذين لا يأتيهم الباطل من أي صوب، وما زالت قاعدة الولاء، هي المسطرة التي يقيسون بها وعلى أساسها المواقف، ويتم تخصيص الخدمات والتوزيعات على أساسها، باعتبارها تنفيعات لمن يستحقونها من الموالين، والمؤلفة قلوبهم.
أما على المستوى الشعبي، فلقد ترسخت مجموعة من السلوكات المتجاوبة مع الذهنية العرفية، وفق قاعدة العصا والجزرة، ومارست فئات اجتماعية واسعة الانصياع للتوجيهات السلطوية ومهادنتها لتحقيق بعض المكاسب، حيث أن فئاتا واسعة تعاطت مع العقلية العرفية، وفق المنظور المصلحي، أو لدرء المخاطر، فقدمت الولاء على الانتماء، أو مارست الباطنية بشكل واسع.
مشكلة الذهنية العرفية، الأساسية، أنها قائمة على خدمة الغير ضد غير آخر، فهي غير معنية بالشرح والإقناع، أو المحاججة، أو الاستماع للآخر، وهي بالأصل غير مرتبطة بمكون اجتماعي، ولا تدعي صلة بالتأريخ أو الجغرافيا أو الدين، ولا تدعي أيضا الصلة بأية منظومة أخلاقية، إنها آلية حكم جوفاء لا تتورع عن التبجح بحياديتها المنحازة، انحيازا أعمى، لمن يجلسون على كراسي السلطة.
بمعنى؛ أنها لا تخدم فكرة نبيلة، فقط هي مصممة لحماية مجموعة من المستخدَمين الذين صاروا بحكم الطبقة، برغم بعدهم الكامل عن عملية الانتاج أو المُلْكِية، وما قاموا به هو فقط الاحتكار للإدارة.
وتبقى أشد المفارقات، أن الذهنية العرفية، لا تلتزم بالأعراف والأخلاق الإنسانية، بل هي تنسج مجموعة من الآليات البسيطة، لتدير بها أعقد الإشكالات الاجتماعية، فتكتفي بفض المسائل وفق نظرة قصيرة، وغير ملتزمة بأية معايير، لذلك تكون كلفها كبيرة على الصعيد المجتمعي.
من اللافت أن أبناء الفئات الاجتماعية المدينية، لا ينخرطون في العملية العرفية، بل ينأَون بأنفسهم في دهاليز البيروقراط الحكومي وقطاعات الأعمال، بينما ينهال، أكبر الخاسرون اجتماعيا، سكان الأطراف، إلى شغر أجهزتها التنفيذية، ويتسلمون المواقع المشكوك بنزاهة أدائها، تُجاههم على الأقل، بل إن كثيرين منهم يتطوعون لتقديم خدمات إضافية، غير مطلوبة منهم أصلا، برغم أنهم يمارسون، في نفس الوقت، أعتى أنواع الباطنية، فهم، في الحقيقة، لا يدينون للسلطة بولاء حقيقي.
وهذا ما يمكن أن يفسر كلف الذهنية العرفية، وتدميرها الاجتماعي، فبدلا من أن تكون لدى السيستم القدرة على اختيار الآليات الصحيحة في الإدارة، أو القدرة على تصحيح الأخطاء، فإنهم يلجأون، أي المشرفون على ادارة السيستم، إلى الحكم بالعرف، أي عُرف؟ عُرف هذه الطبقة الأمنية الوسيطة، التي تصبح لاحقا منظومة قائمة بذاتها، فهي تأخذ مقاولة الأمن من الباطن في البداية، لكنها، فيما بعد، تصبح هي المُنفِذ والحامي الرئيسي للتعليمات العرفية.
يقودنا كل ما تقدم إلى أن الحكم العرفي ما هو إلّا تجلٍ من تجليات الأزمة، والأزمة ما هي في حقيقة الأمر، إلّا تعبير عن إفلاس المنظومة القائمة، في الوقت الذي لم تنجز فيه المنظومة البديلة.
على ضوء ذلك، يتم اختراع الحكم بالعرف الأمني، بحجة أنه مؤقت هدفه حماية المجتمع، لكنه في الحقيقة سيبقى أطول وقت ممكن، وهو مُصمَم لغاية ضمان سيطرة طبقة معينة، وضمان أمنها بتشبيكات توظيفية مصلحية واسعة من جهة، وإرهاب الفئات المقهورة من الجهة الأخرى.

نيسان ـ نشر في 2021-08-12 الساعة 21:26

الكلمات الأكثر بحثاً