القـدس مـن وعـد هرتـزل إلى وعـد نتنياهـو ..!
عادل أبو هاشم
كاتب فلسطيني يقيم في الرياض
نيسان ـ نشر في 2015-09-21 الساعة 19:48
إن من الأخطاء القاتلة تبسيط النظرة إلى موضوع المدينة المقدسة في إطار الصراع العربي – الإسرائيلي واعتبارها جزءاً هامشياً من الصراع ، لأن القدس تشكل أهم عنصر في أيديولوجية الصراع وليس التناقض التاريخي والعقائدي والحضاري لأطراف الصراع فحسب ، إضافة إلى أن من الخطورة تقزيم طبيعة الصراع حول القدس وأطلاق عليه مصطلح " الخلاف حول القدس " ، فالحقيقة أنه ليس خلافاً لكنه صراع بين وجودين مضادين تاريخيين تشكل القدس فيه جوهر الصراع ، و ما يشهده المسجد الأقصى هذه الأيام من اقتحام الجنود الصهاينة لباحات الحرم القدسي ، و اعتلاء أسطحه ، و استخدام الرصاص الحي و المطاطي و الغازات المسيلة للدموع ، و إخلاء الحرم من المصلين و المعتكفين فيه ، و السماح للمستوطنين بدخوله ، و إصابة وجرح عشرات الفلسطينيين داخله ، و إغلاق الطرق المؤدية إليه إلا خير دليل على ذلك .
إن المتأمل للمواقف السياسية و الممارسات و المخططات الأستيطانية الرسمية الصهيونية و المتعلقة بمدينة القدس يتضح أمامه النموذج العملي الساطع لتطبيق المشروع الصهيوني و ركيزته إقامة دولة لليهود في فلسطين .
فما أعلنه ويعلنه قادة العدو الصهيوني منذ إحتلال القدس الشرقية عام 1967م وإلى اليوم بأن القدس الموحدة ستبقى العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني ينسجم مع حقيقة المخطط الصهيوني في السيطرة على المدينة المقدسة لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى ، وهو ما أكده أيهود أولمرت رئيس الوزراء الصهيوني السابق حيث قالها واضحة وجلية : " لقد بدأت معركة القدس " ، وذلك تعبيراً عن الإجراءات المادية والعملية لضم القدس وتهويدها من خلال تطويقها بالأحزمة الاستيطانية، وهدم المنازل ومصادرة الأراضي وسحب الهويات المقدسيه وكافة التغييرات الجغرافية والديموغرافية التي دأبت إسرائيل في تطبيقها منذ بداية الاحتلال عام 1967م وحتى الآن .
كما أن الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة بدأت بالعمل على هدم المسجد الأقصى من خلال الترويج لمعتقد أصولي يهودي يؤكد ضرورة هدم المسجد الأقصى قبل بدء الألفية الثالثة وإقامة الهيكل على أنقاضه ، ومباركة الحكومة الإسرائيلية لهذا الطرح وتشجيعه من خلال سماحها إقامة المؤتمر السنوي السابع لـ " حركة إعادة بناء الهيكل " ، حيث أقسم آلاف اليهود على هدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم مكانه لوضع العالم كله بما في ذلك الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية أمام أمر واقع مفاده أن القدس جزء من الكيان الصهيوني !.
وإذ يظن البعض أن الاستيلاء على المدينة المقدسة والشروع بإجراءات الضم والتهويد وإلغاء صبغتها الإسلامية والشروع المبكر والمستمر لتغيير تركيبتها السكانية والسعي إلى تحويلها مدينة " مليونية يهودية " قد أرتبط وتزامن مع بداية الاحتلال الكامل للمدينة عام 1967م ، إلا أن الحقيقة التي تثبتها وقائع الحركة الصهيونية وتصريحات قادتها تؤكد أن تلك النوايا والمخططات كانت مبيته قبل ذلك التاريخ بعشرات السنين ، وإن نتنياهو و شارون وباراك و أولمرت وبيريز و رابين لم يكونوا وحدهم التلاميذ النجباء للحركة الصهيونية ، إذ سبقهم آخرون ، وجميعهم يترجمون على أرض الواقع أقوال ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في مدينة بال بسويسرا عام 1897م الذي قال :
" إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها ، وسوف أدمر الآثار التي مرت عليها القرون " !.
وماذا يعني السعي الحثيث والمتواصل لتدمير المقدسات الإسلامية وغيرها بالحرق والحفر والتدمير والتدنيس المتواصل إن لم يكن تطبيقـًا عمليـًا وأمنيـًا لقول دافيد بن غور يون أول رئيس لحكومة العدو في إدعائه :
" لا معنى لفلسطين بدون القدس ... ولا معنى للقدس بدون الهيكل " ؟!.
وماذا يقول غلاة الصهيونية اليوم غير ما قاله ليفي أشكول رئيس الوزراء الصهيوني في 17/6/1967م من أن" إسرائيل لن تتخلى مطلقاً عن الجزء القديم من القدس وأنها ستعمل من أجل حدودها الطبيعية الحقيقية " .
وحتى أسحق رابين والذين أطلق بعض العرب علية لقب " شهيد السلام " حدد مفهوم الأمن في أنه " يمكن السيطرة على وادي الأردن وعلى القدس موسعة وموحدة وعاصمة أبدية لدولة إسرائيل "!.
وبعد توقيع الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي في واشنطن في 13/9/1993م والمعروف باتفاق أوسلو صدر قرار المحكمة الصهيونية العليا باعتبار الحرم الشريف في القدس جزءاً من دولة إسرائيل ووضعه تحت وصاية جمعية " أمناء الهيكل " الصهيونية ، واستمرت حكومة اسحاق رابين في توسيع المستوطنات اليهودية والاستمرار في بنائها وخاصة في القدس بهدف وضع المفاوض الفلسطيني تحت الأمر الواقع في المفاوضات النهائية حول مدينة القدس ، مما دعا المعلق الإسرائيلي زئيف شيف للقول :
" عندما يحين موعد مفاوضات المرحلة النهائية لن يظل هناك شيء ليتفاوض عليه الفلسطينيون في القدس باستثناء الأماكن الإسلامية " .!
ومنذ تولى اليمين المتطرف السلطة في إسرائيل في مايو 1996م ، شددت الحكومة الصهيونية برئاسة بنيامين نتنياهو من سياسة تهويد القدس .
إذ لم يمض يوم دون أن يلتهم غول الاستيطان أجزاء جديدة من الضفة الغربية والقدس والمناطق المحيطة بها في خضم عملية تراكمية، وفي إطار مخطط مدروس يكمل فيه حزب الليكود ما بدأه حزب العمل لأحداث انقلاب ديموغرافي وجغرافي وجيوسياسي لصالح اليهود ، ولإيجاد حقائق الأمر الواقع على الأرض بحيث عندما تبدأ مفاوضات المرحلة النهائية حول القدس " والتي كان مقرراً لها أن تبدأ في نهاية 1996م وفقاً لاتفاق أوسلو" يكون الفلسطينيون أمام واقع خطير جداً يقول لهم :
" عودوا أدراجكم لم يبقى شيء تفاوضون عليه "!.
فبعد شهور قليلة من تولي نتنياهو مقاليد السلطة في إسرائيل أصدر أوامره بحفر نفق يمتد لمسافة 488م تحت الأوقاف العربية والإسلامية بمحاذاة أساسات المسجد الأقصى بهدف خلخلة أساسات المسجد والمدارس والمعاهد والمتاحف وبيوت الوقف الإسلامي التي تجاور الأقصى الشريف في إطار سياسة إسرائيل الهادفة إزالة كل أثر إسلامي في القدس الشريف ، ثم توالت بعد ذلك ممارسات نتنياهو الذي أعلن بأن " معركة القدس قد بدأت " ، و قرن أقواله بسلسلة من الأعمال والإجراءات شملت مصادرة أراضي جبل أبوغنيم وإنشاء " مستعمرة هارحوماه " عليها ، وبناء مئات الوحدات السكنية في باب العامود ، والسماح لطلاب توراة متشددين بالسكن في وسط الأحياء العربية بالقدس الشرقية ، وتوسيع الحدود البلدية لمدينة للقدس المحتلة إلى ستة أضعاف حجمها الحالي من خلال ضم المستوطنات المحيطة ومساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية المحتلة في إطار مشروع " القدس الكبرى" ، واعتبار قرار الأمم المتحدة رقم "181" الصادر عام 1947م بشأن مدينة القدس باطلاً ولاغياً ، وأنه لن تكون مفاوضات حول الوضع النهائي لمدينة القدس ، وأن الأمر سيكون إبلاغ الجانب الفلسطيني بالقرار الإسرائيلي غير القابل للتفاوض، وهو أن القدس عاصمة الدولة اليهودية للأبد ، بالإضافة لشن حملة لم يسبق لها مثيل على الجمعيات والمنظمات الاجتماعية والثقافية في القدس لوقف نشاطاتها ، وتنفيذ سياسة "تطهير عرقي " ضد الالآف من السكان الفلسطينيين في القدس وذلك بترحيلهم من مدينتهم !.
وإستمرت هذه الممارسات في ظل حكومة إيهود باراك الذي أعطى موافقته على قيام الإرهابي آرييل شارون بانتهاك الحرم القدسي ، هذه الحادثة التي أشعلت نار إنتفاضة الأقصى المباركة في 28 / 9 / 2000 م .
لقد أدرك قادة العدو الصهيوني بأن القدس هي عنوان القضية الفلسطينية ، وهي في وعي العرب والمسلمين عنوان الالتزام بقضية فلسطين ، وأدركوا أيضاً أن المسجد الأقصى يمثل رمزاً للمقدسات الإسلامية في القدس، فعملوا جاهدين على حرق وتدمير الأقصى وإقامة الهيكل على أنقاضه ، حيث تعمل 125 جماعة يهودية متطرفة داخل الأراضي العربية المحتلة ، منها 25 جماعة تسعى إلى هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه ، فما بين عامي 1967م و1990م نفذ الصهاينة أكثر من أربعين عملاً عدائياً ضد المسجد الأقصى ، و ازدادت هذه الأعمال العدائية والمؤامرات ضد المسجد بعد أن تم التوقيع على اتفاق أوسلو ، فبلغ عدد محاولات الاعتداء على المسجد الأقصى منذ 13/9/1993م ، وحتى اليوم أكثر من 200 محاولة .
مما سبق يتضح بأن كافة ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مروراً بالوسط تجمع على تهويد القدس وبسط السيادة الإسرائيلية عليها، ولكن مصير القدس لا يمكن أن تقرره إسرائيل ، فالقدس ليست مدينة فلسطينية فحسب ، ولكنها ذات بعد عربي وإسلامي ، وهي خط أحمر بالنسبة للفلسطينيين والعرب والمسلمين وللعالم المسيحي ، وإن أي مساس بالوضع الديني والقانوني للمدينة المقدسة أو جعلها محل مساومة لا يعتبر تنازلاً فحسب ، ولكنه يعني أن الوضع الناشئ عن مثل تسوية كهذه محكوم عليه بانهيار سيقود حتماً إلى كارثة يصعب التكهن بنتائجها ويضع المنطقة على فوهة بركان جديد ، ويحمل الأجيال القادمة تبعات مقارنة تاريخ المدينة المقدسة وما آلت ليه بين الأجداد والأحفاد .
إن معركة القدس هي معركة الوجود باعتبار القدس قلب الأمة الإسلامية، ورمز عقيدتها وقبلتها الأولى، وذاكرة تاريخها منذ وجودها إلى اليوم وإلى الغد .
من هنا نطالب كل مواطن عربي و مسلم و فلسطيني خارج فلسطين بشراء مترا ًواحداً فقط في القدس ، ومنحه إلى مؤسسة فلسطينية عقارية تشكل من الشخصيات الفلسطينية الأمينة ، وليكن شعار هذه المؤسسة " اشتر مترا ًمن الأرض تبق القدس إسلامية عربية فلسطينية " .
فلو بادر كل مواطن فلسطيني أو عربي أو مسلم بشراء متر من أرض القدس ، وتقديم ثمنه إلى صندوق ينشأ لهذا الغرض .. لو ساهم فيه كل مواطن بدولار واحد لأمكن جمع مليار و نصف مليار دولار كفيلة بالحفاظ على هوية القدس الأسلامية ، و دعم صمود أهالي المدينة المقدسة على أرض وطنهم حتى تبقى القدس عروس عروبتنا !.