مثلث “برمودا” في محيطنا العربي
حسين الرواشدة
كاتب صحافي
نيسان ـ نشر في 2021-09-21
نيسان ـ ماذا حدث في تونس؟ أحكم الرئيس (سعيد) قبضته على الدولة، وخرج الإسلاميون (النهضة) من السلطة، بانتظار مسار مجهول للديمقراطية.
ماذا حدث في المغرب؟ الإسلاميون (العدالة والتنمية) سقطوا في الانتخابات بضربة شعبية، والدولة تبحث عن عافيتها بديمقراطية يديرها ائتلاف أحزاب، بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار.
تذكرت أيضا، ماذا حدث في “موقعة الجمل” قبل نحو ١٣٦٥ سنة بعد مقتل عثمان بن عفان؟ غضب بعض الصحابة من علي بن أبي طالب لأنه تأخر بالقصاص من قتلة عثمان، حينئذ بدأ الصراع، الذي استمر في “صفين”، بين علي ومعاوية وانتهى بوصول السلطة للأمويين ونهاية الخلافة الراشدة، كان الصراع – آنذاك – على السلطة والدولة، ولم يكن اطلاقا على الدين.
يمكن ان نكرر السؤل ذاته، والإجابات ذاتها لما حصل في معظم عواصم الربيع العربي الأخرى، التي شهدت مثل هذا الصراع السياسي، ثم وقعت بين مطرقة الأنظمة السياسية (بصورها المتعددة) وبين سندان القوى الشعبية (وفي مقدمتهم الإسلاميون) حين خرجوا لفتح الطريق نحو الديمقراطية، لنخلص إلى نتيجة واحدة، وهي ان ثمة “مثلثا” أشبه ما يكون بـ “برمودا” في محيطنا العربي (وربما الإسلامي أيضا)، نعرفه تماما، ولكننا نخشى دائما الاقتراب منه بما لدينا من أدوات وتجارب يمكن ان تسعفنا بإعادة اكتشافه، ثم التكيف معه لتلبية حاجاتنا – كبشر-، وتطلعاتنا – كعرب – أيضا.
“برمودا” الذي أقصده له ثلاثة أطراف: الدين والدولة والسياسة، بما يشتمل عليه كل طرف من فاعلين ووظائف وأدوار، وما ترتبط به الأطراف الثلاثة من حركة فيما بينها وعلاقات، يطل على هذه الأطراف فاعل رابع مهم وحاضر على الدوام، وهو” الآخر” مهما كانت جنسيته، هذا الذي يتدخل ويركب الموجة ثم يحاول أن يدير “دفة” المركب وفق بوصلة دوره او مصالحه.
حين ندقق بهذا المثلث سنلاحظ أن الدين أفرز تدينا مشوها، ساهم التدين السياسي تحديدا بإقحامه في حلبة صراع لا علاقة له بها، وأن الدولة انسحبت من وظيفتها ولم يبق منها إلا هياكلها، كما أن السياسة توقفت عجلاتها عن الحركة، وانسدت أبوابها بفعل الاستعصاء تارة، والإقصاء تارة أخرى.
نلاحظ – ثانيا- أن انفجار الخصومات بين أضلاع المثلث (الفاعلين فيه: أدق) أفقد الدين سكينته وحيويته، وقبل ذلك وظيفته (الهداية)، وأفقد الدولة عدالتها وأبوتها المفترضة، وأحيانا وطنيتها، كما افقد السياسة شرعيتها ومشروعيتها النابعة من حواضنها الاجتماعية المتدينة في الأصل، ناهيك أن ما حدث من توظيف بين هذه الأضلاع أضر بها جميعا.
نلاحظ – ثالثا- أن حالة التدين ، لا سيما عند الشباب الذين تراكمت معاناتهم (لأسباب اقتصادية أولا وسياسية ثانيا) تعرضت لتحولات عميقة وسريعة ، انتهت إلي بروز نمط جديد من التدين العنيف، سواء تحت إغراءات البحث عن الدولة المثالية، أو للتحرر من الواقع الصعب، حتى أن نموذج ” الأفغان” الحاضر الآن في الذاكرة أصبح مصدر إلهام لهؤلاء وافتخار أيضا.
لا اريد أن أستغرق بمزيد من التشخيص لحركة هذا المثلث الخطير في حياتنا العربية، ولما يتعرض له من انسدادات وما أنتجه من عواصف في حاضرنا، ومخاوف على مستقبلنا، يهمني فقط أن أشير إلى مسألتين (بوابتين) للخروج من هذا المأزق التاريخي والمعاصر:
الأولى ضرورة إصلاح كل ضلع من هذه الأضلاع الثلاثة (تحديث منظوماتها إن شئت) بما يتناسب مع مقاصد الدين ونموذج الدولة العادلة، وضرورات العصر ومستجداته، ثم ترسيم العلاقة بينها بما يضمن سلامة كل ضلع في مساره.
المسألة الأخرى، إبرام مصالحات تاريخية بين الفاعلين داخل “المثلث”، والتوافق على وصفة تسمح للدين والدولة و”الدينمو” السياسي بصناعة ديمقراطية عادلة، تعيد للشعوب العربية – كما حصل لغيرها- قدرتها على التعامل مع قضاياها و “دنياها”، دون ان تدفع ثمن الصراع بين هذه الأضلاع تحت أي ذريعة”، ودون أن تطاردها “لعنة برمودا” وسردياته المجهولة.
(الغد)
ماذا حدث في المغرب؟ الإسلاميون (العدالة والتنمية) سقطوا في الانتخابات بضربة شعبية، والدولة تبحث عن عافيتها بديمقراطية يديرها ائتلاف أحزاب، بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار.
تذكرت أيضا، ماذا حدث في “موقعة الجمل” قبل نحو ١٣٦٥ سنة بعد مقتل عثمان بن عفان؟ غضب بعض الصحابة من علي بن أبي طالب لأنه تأخر بالقصاص من قتلة عثمان، حينئذ بدأ الصراع، الذي استمر في “صفين”، بين علي ومعاوية وانتهى بوصول السلطة للأمويين ونهاية الخلافة الراشدة، كان الصراع – آنذاك – على السلطة والدولة، ولم يكن اطلاقا على الدين.
يمكن ان نكرر السؤل ذاته، والإجابات ذاتها لما حصل في معظم عواصم الربيع العربي الأخرى، التي شهدت مثل هذا الصراع السياسي، ثم وقعت بين مطرقة الأنظمة السياسية (بصورها المتعددة) وبين سندان القوى الشعبية (وفي مقدمتهم الإسلاميون) حين خرجوا لفتح الطريق نحو الديمقراطية، لنخلص إلى نتيجة واحدة، وهي ان ثمة “مثلثا” أشبه ما يكون بـ “برمودا” في محيطنا العربي (وربما الإسلامي أيضا)، نعرفه تماما، ولكننا نخشى دائما الاقتراب منه بما لدينا من أدوات وتجارب يمكن ان تسعفنا بإعادة اكتشافه، ثم التكيف معه لتلبية حاجاتنا – كبشر-، وتطلعاتنا – كعرب – أيضا.
“برمودا” الذي أقصده له ثلاثة أطراف: الدين والدولة والسياسة، بما يشتمل عليه كل طرف من فاعلين ووظائف وأدوار، وما ترتبط به الأطراف الثلاثة من حركة فيما بينها وعلاقات، يطل على هذه الأطراف فاعل رابع مهم وحاضر على الدوام، وهو” الآخر” مهما كانت جنسيته، هذا الذي يتدخل ويركب الموجة ثم يحاول أن يدير “دفة” المركب وفق بوصلة دوره او مصالحه.
حين ندقق بهذا المثلث سنلاحظ أن الدين أفرز تدينا مشوها، ساهم التدين السياسي تحديدا بإقحامه في حلبة صراع لا علاقة له بها، وأن الدولة انسحبت من وظيفتها ولم يبق منها إلا هياكلها، كما أن السياسة توقفت عجلاتها عن الحركة، وانسدت أبوابها بفعل الاستعصاء تارة، والإقصاء تارة أخرى.
نلاحظ – ثانيا- أن انفجار الخصومات بين أضلاع المثلث (الفاعلين فيه: أدق) أفقد الدين سكينته وحيويته، وقبل ذلك وظيفته (الهداية)، وأفقد الدولة عدالتها وأبوتها المفترضة، وأحيانا وطنيتها، كما افقد السياسة شرعيتها ومشروعيتها النابعة من حواضنها الاجتماعية المتدينة في الأصل، ناهيك أن ما حدث من توظيف بين هذه الأضلاع أضر بها جميعا.
نلاحظ – ثالثا- أن حالة التدين ، لا سيما عند الشباب الذين تراكمت معاناتهم (لأسباب اقتصادية أولا وسياسية ثانيا) تعرضت لتحولات عميقة وسريعة ، انتهت إلي بروز نمط جديد من التدين العنيف، سواء تحت إغراءات البحث عن الدولة المثالية، أو للتحرر من الواقع الصعب، حتى أن نموذج ” الأفغان” الحاضر الآن في الذاكرة أصبح مصدر إلهام لهؤلاء وافتخار أيضا.
لا اريد أن أستغرق بمزيد من التشخيص لحركة هذا المثلث الخطير في حياتنا العربية، ولما يتعرض له من انسدادات وما أنتجه من عواصف في حاضرنا، ومخاوف على مستقبلنا، يهمني فقط أن أشير إلى مسألتين (بوابتين) للخروج من هذا المأزق التاريخي والمعاصر:
الأولى ضرورة إصلاح كل ضلع من هذه الأضلاع الثلاثة (تحديث منظوماتها إن شئت) بما يتناسب مع مقاصد الدين ونموذج الدولة العادلة، وضرورات العصر ومستجداته، ثم ترسيم العلاقة بينها بما يضمن سلامة كل ضلع في مساره.
المسألة الأخرى، إبرام مصالحات تاريخية بين الفاعلين داخل “المثلث”، والتوافق على وصفة تسمح للدين والدولة و”الدينمو” السياسي بصناعة ديمقراطية عادلة، تعيد للشعوب العربية – كما حصل لغيرها- قدرتها على التعامل مع قضاياها و “دنياها”، دون ان تدفع ثمن الصراع بين هذه الأضلاع تحت أي ذريعة”، ودون أن تطاردها “لعنة برمودا” وسردياته المجهولة.
(الغد)
نيسان ـ نشر في 2021-09-21
رأي: حسين الرواشدة كاتب صحافي