خطاب ليبرالي بنكهة متطرفة
مؤيد الصمادي
أكاديمي أردني
نيسان ـ نشر في 2015-09-22 الساعة 18:27
منذ فترة، وبعض أفراد التيار الليبرالي العلماني، هكذا يسمون أنفسهم، يكثفون حملتهم "المسعورة" على الإسلام، رسالة وأحكاما وسلوكا، حملة ظاهرها الدفاع عن التنوير والحداثة، وباطنها تفريغ حقد دفين على الإسلام، وربما عموم المتدينين، وأرجو أن أكون مخطئاً في ظني.
حملة تستثمر في اللحظة الراهنة للحرب على الإرهاب والتطرف، لخلط الحابل بالنابل، وأي فرصة أثمن من هذه، بالنسبة إليهم، لإخراج ضغائن، ربما لم يكن أحد منهم يجرؤ على البوح بها، في لحظة ما، وقد بدا اليوم أنها تستوطن عقولهم وقلوبهم.
لست بوارد التدشين لحملة ردح ضد إخوتي الليبراليين العلمانيين، فقد كفوا ووفوا، وبدوا بارعين جداً فيها، ففي المحصلة اصطف إلى جانب عديد المؤمنين أن هذا الوطن يفترض أنه لنا جميعاً، وشجرته وارفة الظلال قادرة على أن تسعنا جميعا لنتفيأ ظلالها، مهما اختلفت رؤانا وتباينت مواقفنا، لكنني أحسب أن الهجوم على الإسلام بهذه القسوة، وبهذه اللغة، التي تقترب أحيانا من السباب والشتائم والاستهزاء، لا تصنف في خانة الاختلاف المشروع، فعوضا عن أنها لغة غير مقبولة، فهي أيضا عصية على أن تؤسس لحوار عقلاني راشد.
وليعذرني إخوتي، ليبراليين وعلمانيين، إن قلت لهم بأنهم بخطابهم الخشبي، الذي يحوي كل مفردات الإقصاء والاتهام لمخالفيهم، سيكونون جنودا فاشلين مهزومين في الجبهة الصادقة الموضوعية لمحاربة التطرف، وليعذروني كذلك بأنهم يرتكبون حماقة، ربما لا يدركون عواقبها، وهم يوزعون تهم الدعوشة لمن هب ودب، وكأن لسان حالهم يقول، من ليس معنا فهو داعشي، أو برسم الدعوشة، ما لم يثبت لهم العكس، وهي باتت تهمة معلبة جاهزة يلقونها في وجه من يتصدى لهجومهم الشرس، غير الموضوعي، ولا أقول غير الأخلاقي، على الإسلام.
وإلا فما معنى هذا الهجوم، الذي يحمل نكهة استهزاء وسخرية على الحجاب مثلا، فحتى لو أردنا أن نأخذ أدبياتهم شاهدا ودليلا، فلنعتبر أنها في باب الحرية الشخصية، تماماً كما يضعون غير المحجبة في الخانة ذاتها، وما معنى هذا الهجوم على كليات الشريعة وخريجيها، وهي التي رفدت المجتمع بأعداد كبيرة من المؤهلين، الذين يتبنون اليوم خطابا تنويريا متقدماً، فيه من الاعتدال والوسطية واحترام الآخر، ما ينفي كل التهم التي توجه إليهم، وشخصيا افتخر بأنني أحد خريجي كليات الشريعة، وقد تعلمت وتربيت فيها على أن الإنسان هو محور رسالة ديني، له احترامه وقدره، مهما اختلف معي في القناعة والمعتقد، تعلمت حب وطني،، والاعتزاز بقوميتي، وأن الإسلام وعاء يسع الجميع، وأن مشروعنا مع الآخرين هو دولة مدنية، دولة مواطنة، دولة حقوق وواجبات، دولة العدل، التي يكون فيها الدين هو الضابط لسلوكيات الناس.
قطعا لدينا اليوم أمراضنا وعللنا التي يتوجب أن نضع يدا بيد من أجل أن يبرأ منها مجتمعنا، لدينا مشكلة فيمن يتصدرون الخطاب الديني، ولدينا ملاحظات على المناهج، أمامنا الكثير من المطبات والعثرات، لكن كل ذلك لا يعني أن القصة موجة ومن شاء فليركب، وعندها ليهرف بما لا يعرف!! شاء اصدقائي وأحبابي الليبراليون أم لم يشاءوا، فلدينا حالة تدين طاغية في المجتمع، صحيح أنها أحيانا تأخذ شكل التشدد، لكنها لا تصل إلى وصفها بالتطرف والتكفير، فهذه الأخيرة حالة شاذة عن مجتمعنا وحتى عند عموم المتدينين الراشدين، فضلاً عن أنها حالة مناقضة لخطاب الإسلام الجامع.
الخشية كبيرة من أن يرتد هذا الخطاب الليبرالي المتطرف سلبا، وأن تكون ثمرته مزيداً من تفريخ لحالات تشدد وتطرف، والخشية الأكبر أن يظن ليبراليو هذا الزمان أنهم يحسنون صنعا، في حين أنهم متطرفون من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون. و ليتذكر أصحاب هذا الخطاب أن من حق الناس أن تتوجس خيفة من مفرداتهم وأدوات خطابهم، فهم اليوم يتغافلون عن حالة من الانهيار القيمي الأخلاقي تضرب مجتمعنا في الصميم، في حين تنبري أقلامهم لشن حملة منظمة شعواء على سلوك شخص متدين، قد يكون فرديا. في المحصلة لا أحد يملك الحقيقة، وهي ليست سلعة خاضعة للاحتكار، وقناعتي أن الإسلام وعاء يسع الجميع، وهو الضابط المانع للانفلات، الذي لا أظن أنه يخدم أحداً.