اتصل بنا
 

ما المطلوب من دمشق مقابل المصالحة معها؟

كاتب وخبير أمني

نيسان ـ نشر في 2021-10-07 الساعة 16:23

نيسان ـ قلّما يتم الحديث عن المقابل الذي ستقدّمه دمشق في سياقات الانفتاح الأردني المتسارع معها، بافتراض أنّ عمّان ستكون بوابة دمشق على العرب والعالم، لا سيّما أنّ هذا الانفتاح يتجاوز قضايا التعاون الاقتصادي ويذهب عميقاً باتجاهات "إعادة تأهيل دمشق" للدخول في الجامعة العربية والمجتمع الدولي، رغم الإشارات الخجولة أحياناً عن مواقف يفترض أن تتخذها دمشق تجاه الوجود الإيراني على أراضيها تحت عنوان "خروج القوات الأجنبية"، بالتزامن مع موافقة دمشق على مرور الكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر أراضيها إلى لبنان، في مشروع تعاون إقليمي في قطاع الطاقة، من الواضح أنّ إسرائيل ليست بعيدة عنه تماماً.
وبالتزامن، يتم التركيز على تفسير أسباب التسارع في التقارب بين الحكومتين الأردنية والسورية، من حيث خلفياته وسياقاته، بالتزامن مع تساؤلات أخرى حول مستقبل العلاقات بين البلدين، وفيما إذا كانت الخطوات الأردنية تشي بتحولات استراتيجية أم أنها مجرد مناورة سياسية فرضتها متطلبات البحث عن حلول لأزمات تعيشها غالبية حكومات المنطقة، وتحديداً في اقتصاداتها المتعثرة، وفيما إذا كان الأردن يحمل مشروعاً جديداً لإعادة احتواء "النظام السوري" وإعادته إلى الجامعة العربية ومن ثمّ إلى المنظومة الدولية.
سياقات التقارب مع دمشق بالنسبة إلى عمّان تسير وفق حسابات دقيقة ضمن خطة أردنية تم إنجازها بالتوافق مع موسكو وواشنطن وعواصم عربية
من الواضح أنّ العلاقات بين عمّان ودمشق تتفاعل وباتجاهات إيجابية تطبيعية في إطار عناوين اقتصادية، تمثلت بإعادة فتح الحدود أمام المواطنين والبضائع، وترتيبات أخرى لنقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى سوريا ومنها إلى لبنان، في مشروع إقليمي يشمل، إضافة إلى عمّان ودمشق، كلاً من القاهرة وبيروت، وهذا الجانب المعلن للتقارب، ولكن لا يتم الحديث عن الجانبين السياسي والأمني بين عمّان ودمشق، باستثناء لقاءات معلنة لوزراء خارجية البلدين، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، بعد لقاءات قادة الجيشين الأردني والسوري في عمّان.
سياقات التقارب مع دمشق بالنسبة إلى عمّان تسير وفق حسابات دقيقة ضمن خطة أردنية، تم إنجازها بالتوافق مع موسكو وواشنطن وعواصم عربية، تتضمن "إعادة متدرجة للنظام السوري"، عنوانها انسحاب كافة القوات الأجنبية من سوريا، ومواصلة الأمم المتحدة جهودها للحل في سوريا عبر صيغة اللجنة الدستورية، ومن الواضح أنّ خطة عمّان حظيت بموافقة دمشق، لا سيّما أنّ مقاربة إسقاط النظام السوري لم تعد قائمة، بالنسبة إلى القوى الدولية والإقليمية والعربية الفاعلة في الملف السوري.
الخطة الأردنية، وفقاً لمعطيات التطورات المتسارعة، يبدو أنّها حظيت بموافقة "مبدئية" من واشنطن، عبّرت عنها التصريحات الأمريكية اللاحقة لوزارة الخارجية التي أكدت أنّ واشنطن غير واثقة من إمكانية تحقيق الخطة الأردنية لأهدافها، وتحديداً إحداث اختراقات في تغيير سلوك النظام السوري، وكان موقف موسكو الموافقة على الخطة الأردنية، لا سيّما أنها تمنح روسيا ضمانات بدور استراتيجي في سوريا القادمة، وبالتزامن فمن غير الواضح مواقف أطراف إقليمية فاعلة تجاه المشروع الأردني، فإذا كانت القاهرة تؤيد التحرك الأردني تجاه دمشق، فإنّ مواقف الرياض وأنقرة وطهران غير واضحة، رغم أنّ الرسائل المشفرة من طهران تجاه إمدادات الطاقة إلى لبنان عبّرت عن موقف "على الأقل" ليس معارضاً للمشروع الأردني.
مؤكد أنّ طريق عودة دمشق المتدرجة ليست مفروشة بالورود، وهو ما تدركه عمّان التي تقود المشروع؛ فعلى الصعيد الدولي ترتبط سيناريوهات تحقيق نجاحات المشروع بمدى التوافق بين موسكو وواشنطن، وإذا كانت موسكو تتطلع لأن تكون سوريا منطقة نفوذ استراتيجي لها، فإنّ واشنطن يبدو أنها لا تمانع كثيراً بذلك، وفق اشتراطات من بينها إخراج القوات والميليشيات الإيرانية من سوريا، وربما ذهاب دمشق إلى مفاوضات مع تل أبيب، وعلى الصعيد الإقليمي فإنّ الملف السوري بالنسبة إلى طهران سيبقى رهن الصفقة الأمريكية ـ الإيرانية القادمة، التي ما زالت سياقاتها تتأرجح ضمن مقاربة عضّ الأصابع والرسائل المشفرة بين الجانبين، وبالتزامن فإنّ لتركيا حساباتها التي تنطلق من منظور الأمن القومي التركي المرتبط بمستقبل الأكراد في شمال وشمال شرق سوريا، ودورها الإقليمي الذي يمكن أن تحصل عليه، في ظل علاقات مرتبكة بالنسبة إلى أنقرة مع موسكو وواشنطن.
تدرك دمشق أيضاً حجم التحديات الداخلية والخارجية التي ليس من السهولة بمكان تجاوزها إلا في إطار صفقة كبرى مع الغرب
من جانبها، فإنّ دمشق تدرك ما هو المطلوب منها، وتحديداً إخراج القوات الإيرانية، واستئناف مفاوضات السلام مع تل أبيب، لا سيّما بعد أن سحبت الإدارة الأمريكية اعتراف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بضم الجولان المحتل إلى إسرائيل، ورغم أنّ دمشق في المفاضلة بين الاحتفاظ بالتحالف مع طهران أو موسكو، تفضل التحالف مع موسكو التي ترجح كفتها في صراع الولاءات داخل المستويات السياسية والعسكرية والأمنية على كفة طهران، إلا أنّ قدرة القيادة السورية على اتخاذ موقف من طهران سيبقى موضع رهانات محفوفة بالمخاطر.
وتدرك دمشق أيضاً حجم التحديات الداخلية والخارجية التي ليس من السهولة بمكان تجاوزها إلا في إطار صفقة كبرى مع الغرب، تتجلى عناصرها عبر ملفات يمكن تعليقها أو فتحها في اللحظة المناسبة لخصوم سوريا، وهي: حقوق الإنسان، واتهامات الجنائية الدولية وجرائم الحرب، بما فيها اتهامات القصف بالكيماوي في إدلب ودمشق، وملف اللجوء السوري، وسحب الجنسيات، وتواجد أكثر من 8 ملايين سوري تم تهجيرهم من سوريا، وشكل ومضمون النظام السوري الجديد ما بين اللامركزية والفيدرالية، وصلاحيات الرئيس، وكيفية تشكيل الحكومات، والموقف من الإرهاب، وكيفية التعامل مع الفصائل الإرهابية... إلخ.

نيسان ـ نشر في 2021-10-07 الساعة 16:23


رأي: عمر الرداد كاتب وخبير أمني

الكلمات الأكثر بحثاً