اتصل بنا
 

عدنان ابو عودة.. الكوجيتو المجروح بتوبتين

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2021-10-16 الساعة 10:34

عدنان ابو عودة.. الكوجيتو المجروح بتوبتين
نيسان ـ محمد قبيلات

يتوهم المستفيء ببراقع المدنية أن الكون يسير وفق أهوائه، فالكوجيتو"Cogito" يرتب الوجود على التفكير، تفكيره، وهنا تتركز عقدته المثالية، إذ يسبق تفكيره وجوده فتتقدم رغباته على الواقع، وتجتاح خيالاته فضاء الممكن بحثا عن هُوية، يجري ذلك طبعا في إطار التنصل من أعباء الهُوية الأصلية، فتصبح قاعدته الأساسية؛ أنا أفكر.. أنا موجود، فيؤسس لوجوده بالفكرة، بل وصل به الأمر في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، أن كتب مقالة يُقسِّم فيها القدس، مستوحيا ذلك من بروتوكل طنجة الذي وُقِّع بين فرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة، عام 1923، حيث أصبحت بموجبه مدينة طنجة في المغرب منطقة دُوَلية.
وليست هذه من ضروب المصادفة، فالتشوه مرافق للمسيرة منذ مطالعها، وعليه، ترتبت كل الأفكار اللاحقة، التي تماوجت في مهبات اضطراب نفساني شديد، دائما ما كانت تخالف الواقع المادي، كونها مجرد بغاث أفكار متنصلة من مستواها المادي، تشي برغبة حاملها الانسلاخ من جلده، والتخلص من رائحة الصابون، لتصبح عقدة مركبة مدمجة بالكثير من العقد المتنحية، أُسست سابقا باضطراب الهُوية الفكرية بسبب الرغبة العارمة بالانسلاخ الطبقي، متنكرة للأب البروليتاري في معامل الصابون، رغبة مرضية تحدوها متلازمة الالتحاق بالطبقات الثرية، فتنقل الكوجيتو من حزب التحرير إلى الحزب الشيوعي ليصبح بعدها ضابطا في المخابرات.
هذه التحولات الدراماتيكية استدعت من الكوجيتو المُحمَّل بالهزيمة انتقاله من المعارضة إلى صفوف الموالاة ليدشن توبته الأولى فيدخل في سباق طويل تَميَّز بمحاولات مكرورة للتفوق على الذات المكسورة.
وبعد رحلة التيه في مستويات بيروقراطية عديدة، تم تدشين توبته الثانية، توبة عن التوبة، وسرعان ما انضم إلى حزب الغاضبين كونه من أشهر ضحايا مرحلة قتل الأب، حين اندثرت طبقة سياسية، بكامل معداتها الثقافية التقليدية، لتتقدم عليها طبقة جديدة مدججة بأسلحة ما بعد الحداثة النيوليبرالية، طبقة ترى في الجيل المحافظ عدوها الأساسي، فتشُنُّ من دون مهاودة حروبها على البيرورقراط، والقطاع العام، وأدوات العهد القديم، طبقة جديدة فيها مِن سمات عصر السرعة الكثير، فهي سريعة التجدد والتمدد، وسرعان ما تتبدل فيها الوجوه.
إنه زمن سرعة الدوران المتناهية، سواء في عمليات التجديد، أو في أي شيء، زمان تفقد فيه الأشياء بريقها برغم أنها في عز جدتها، كذلك يحدث لرموزها من السياسيين؛ إذ سرعان ما تستهلك الطبقة الجديدة ابناءَها المحدثين، على طريقة تلك الأدوات التي تُستخدم لمرة واحدة، فكيف بالله عليكم ستستوعب تلك الديناصورات كبيرة الحجم بطيئة الحركة؟!
لكن، ما الذي يشغل الرجل اليوم غير الغضب؟ الجواب: لا شيء.
واذا استعرنا من فؤاد زكريا سؤاله الذي عنون به كتابه في معرض تفنيده طُروحات هيكل في كتابه الشهير "خريف الغضب"، ومن الطبيعي أنه سؤال استنكاري، كم عمر الغضب!؟ نجد أنه حدَّد مشكلة فلسفةَ محمد حسنين هيكل في ثلاثة محاور؛ هي: النسيان، وديمقراطية "أنا وحْدي"، وأخيرًا «الوطنية بأثرٍ رجعي»، وهنا يحق لنا أن نتساءل عن عمر غضب الكوجيتو "الاردنسطيني"؟ لا شيء مختلف، إنها الحالة نفسها التي تلبَّست هيكل، طبعا مع مراعاة الفوارق الموضوعية الشاسعة.
ينسى الكوجيتو أن الوجود قبل الهُوية، فيصنع بخيوط العنكبوت الواهية هُويته الزائفة، قابلا وراضيا بتشتت الانتماء الهُووي، وضياع الهُوية الأولى، بل يصبح همه الأول تذويب خصوصية الفلسطيني النضالية، لكنه يدخل هذه المرة من باب التوبة عن التوبة، فيدخل في دوامات تملق الذات لغاية التطهر، ولإثبات أنه لم يغادر الانتماء الأول.
أخيرًا، لا بد من الإشارة إلى أن صاحبنا لا يتحمل المسؤولية عن كل هذا الخراب، بل إنه مجرد عنصر استخْدَمَت حماسته قوى أكبر منه، كما استخدَمت غيره، في تنفيذ مشروعها التابع لمشروعات دُولية تهدف إلى تقسيم المنطقة، وتسكينها لعقود وقرون قد تطول.

نيسان ـ نشر في 2021-10-16 الساعة 10:34

الكلمات الأكثر بحثاً