الأردنيون ينتقمون من أنفسهم
حسين الرواشدة
كاتب صحافي
نيسان ـ نشر في 2021-11-01 الساعة 08:17
نيسان ـ ميزة الإدارة العامة للدولة الأردنية منذ تأسيسها أنها لم تتعامل مع الأردنيين، حتى وإن أخطأوا، بمنطق الثأر والانتقام، هذه كانت كفيلة بالحفاظ على وجود الدولة، وحماية النظام السياسي، وتوطيد علاقة الناس مع بعضهم بعضا، ومع مؤسساتهم الوطنية.
وبالتالي، فإن السؤال آنذاك عن الثقة والانتماء والتضحية، وغير ذلك من القيم السامية التي اتسمت بها علاقة الأردني بدولته، كان من قبيل لزوم ما لا يلزم، بعكس ما عليه الحال الآن من سجالات وأسئلة مشحونة بالعتب، تتردد في فضائنا العام، حول ما جرى لهذه العلاقة.
ذكرتني إعادة تسعة معلمين سبق أن أحيلوا للاستيداع قبل أكثر من عام (عددهم 120 معلما) بمسألة الانتقام التي استندت اليها قرارات الإحالة، فقد نص نظام الخدمة المدنية في نسخته الأخيرة على عدد من المواد التي تسمح بمعاقبة الموظف العام بمنتهى القسوة، وإلحاق الضرر به وبعائلته أيضا.
هذه، بالطبع، سابقة خطيرة جاءت بعكس منطق الإدارة العامة التاريخي للدولة، كما أشرت سالفا، إذ لم يشهد الأردنيون في عز مرحلة الأحكام العرفية أي قرارات إدارية تقطع أرزاقهم، كأن الحزبي المعارض يسجن آنذاك ولا يتم وقفه عن العمل، أو إقالته من وظيفته، وذلك لكي لا تنصرف معاقبته من حساب مصاريف أولاده، أو كرامة أسرته.
لا أريد أن أدخل في تفاصيل قضية الإحالات للاستيداع والتقاعد المبكر (وعدت الحكومة بمراجعة ملفاتها بشكل فردي) يكفي أن أشير فقط الى أن مفاعيل ثلاثية “اللاثقة”، حيث المجتمع لا يثق بمؤسسات الدولة، والعكس أيضا، وحيث أفراد المجتمع لا يثقون ببعضهم بعضا، هذه “الثلاثية” ولدت حالة من الإحساس بالرغبة في الانتقام الذاتي والمتبادل.
إذا صح أن سلوك المجتمع، والأفراد أيضا، انعكاس لسلوك الدولة ومؤسساتها، فإن نتيجة الانتقام تبدو خطيرة جدا، خذ مثلا كيف ينتقم المجتمع من نفسه، والناس من بعضهم بعضا، في السوق والشارع والمدرسة والجامعة والبيت؟ حالة السوداوية والاكتئاب العام وانتشار الجرائم والغش والنصب والطلاق والبطالة بأنواعها، وصولا الى العجز الكامل عن الحركة والفعل، كل ذلك وغيره يعني أن المجتمع كرد فعل على الاستهانة به أو جرح كرامته، لم يجد أمامه إلا أن يأكل نفسه بنفسه.
خذ، أيضا، كيف ينتقم المجتمع بأفراده من مؤسسات الدولة، حالة التشكيك والتخريب المتعمد، تكسير رادارات السرعة ورمي النفايات في الشارع، التهرب من الضرائب وسرقة الماء والكهرباء، ممارسة الرشوة وتشويه صورة المسؤولين، كل ذلك وغيره صور تجسد رغبة البعض بالانتقام من منجزات الدولة التي يفترض أنها منجزاتهم التي دفعوا تكاليفها من جهودهم وأموالهم.
خذ، ثالثا، على مستوى الأفراد، هؤلاء الشباب الذين هربوا الى الانتحار بالعشرات، وأولئك الذين مارسوا أبشع أنواع القتل بحق أقرب الناس إليهم، أو أدمنوا على المخدرات، إنهم ينتقمون من أنفسهم كرد فعل أو احتجاج على سلوك المجتمع والدولة تجاههم.
بعض المسؤولين الذين سقطوا علينا بالبراشوت من خارج رحم رجالات الدولة، لم ينتبهوا، أو ربما لم يفهموا هذه المعادلة التي تشكل “الروح الأردنية”، فانصرفوا للتعامل مع المجتمع بمنطق التنمر والاستخفاف والإهانة.
خذ مثلا وصف المجتمع بأنه “غير ناضج” ويحتاج الى عشرين سنة وأكثر ليفهم ما يضعه مصممو الإصلاح السياسي من خرائط للديمقراطية، خذ أيضا استفزاز المجتمع من خلال تدوير الأسماء والمناصب وتوزيع العطايا والصمت على التجاوزات والفساد الأكبر، مقابل محاسبة صغار الموظفين ومعاقبتهم…الخ، هذه السلوكيات وغيرها، تشكل قنوات لتغذية الرغبة في الانتقام.
بقي أن أقول: تذكروا دائما أننا في بلد تأسس على السماحة والاعتدال، ولم يتعامل بمنطق الحقد والثأر والانتقام، كان هذا “سر” صموده واستمراره واستقراره، فلا تلبسوه ثوبا آخر لا يتناسب مع روحه السامية وقامته العالية، أرجوكم لا تفعلوا ذلك.
(الغد)
وبالتالي، فإن السؤال آنذاك عن الثقة والانتماء والتضحية، وغير ذلك من القيم السامية التي اتسمت بها علاقة الأردني بدولته، كان من قبيل لزوم ما لا يلزم، بعكس ما عليه الحال الآن من سجالات وأسئلة مشحونة بالعتب، تتردد في فضائنا العام، حول ما جرى لهذه العلاقة.
ذكرتني إعادة تسعة معلمين سبق أن أحيلوا للاستيداع قبل أكثر من عام (عددهم 120 معلما) بمسألة الانتقام التي استندت اليها قرارات الإحالة، فقد نص نظام الخدمة المدنية في نسخته الأخيرة على عدد من المواد التي تسمح بمعاقبة الموظف العام بمنتهى القسوة، وإلحاق الضرر به وبعائلته أيضا.
هذه، بالطبع، سابقة خطيرة جاءت بعكس منطق الإدارة العامة التاريخي للدولة، كما أشرت سالفا، إذ لم يشهد الأردنيون في عز مرحلة الأحكام العرفية أي قرارات إدارية تقطع أرزاقهم، كأن الحزبي المعارض يسجن آنذاك ولا يتم وقفه عن العمل، أو إقالته من وظيفته، وذلك لكي لا تنصرف معاقبته من حساب مصاريف أولاده، أو كرامة أسرته.
لا أريد أن أدخل في تفاصيل قضية الإحالات للاستيداع والتقاعد المبكر (وعدت الحكومة بمراجعة ملفاتها بشكل فردي) يكفي أن أشير فقط الى أن مفاعيل ثلاثية “اللاثقة”، حيث المجتمع لا يثق بمؤسسات الدولة، والعكس أيضا، وحيث أفراد المجتمع لا يثقون ببعضهم بعضا، هذه “الثلاثية” ولدت حالة من الإحساس بالرغبة في الانتقام الذاتي والمتبادل.
إذا صح أن سلوك المجتمع، والأفراد أيضا، انعكاس لسلوك الدولة ومؤسساتها، فإن نتيجة الانتقام تبدو خطيرة جدا، خذ مثلا كيف ينتقم المجتمع من نفسه، والناس من بعضهم بعضا، في السوق والشارع والمدرسة والجامعة والبيت؟ حالة السوداوية والاكتئاب العام وانتشار الجرائم والغش والنصب والطلاق والبطالة بأنواعها، وصولا الى العجز الكامل عن الحركة والفعل، كل ذلك وغيره يعني أن المجتمع كرد فعل على الاستهانة به أو جرح كرامته، لم يجد أمامه إلا أن يأكل نفسه بنفسه.
خذ، أيضا، كيف ينتقم المجتمع بأفراده من مؤسسات الدولة، حالة التشكيك والتخريب المتعمد، تكسير رادارات السرعة ورمي النفايات في الشارع، التهرب من الضرائب وسرقة الماء والكهرباء، ممارسة الرشوة وتشويه صورة المسؤولين، كل ذلك وغيره صور تجسد رغبة البعض بالانتقام من منجزات الدولة التي يفترض أنها منجزاتهم التي دفعوا تكاليفها من جهودهم وأموالهم.
خذ، ثالثا، على مستوى الأفراد، هؤلاء الشباب الذين هربوا الى الانتحار بالعشرات، وأولئك الذين مارسوا أبشع أنواع القتل بحق أقرب الناس إليهم، أو أدمنوا على المخدرات، إنهم ينتقمون من أنفسهم كرد فعل أو احتجاج على سلوك المجتمع والدولة تجاههم.
بعض المسؤولين الذين سقطوا علينا بالبراشوت من خارج رحم رجالات الدولة، لم ينتبهوا، أو ربما لم يفهموا هذه المعادلة التي تشكل “الروح الأردنية”، فانصرفوا للتعامل مع المجتمع بمنطق التنمر والاستخفاف والإهانة.
خذ مثلا وصف المجتمع بأنه “غير ناضج” ويحتاج الى عشرين سنة وأكثر ليفهم ما يضعه مصممو الإصلاح السياسي من خرائط للديمقراطية، خذ أيضا استفزاز المجتمع من خلال تدوير الأسماء والمناصب وتوزيع العطايا والصمت على التجاوزات والفساد الأكبر، مقابل محاسبة صغار الموظفين ومعاقبتهم…الخ، هذه السلوكيات وغيرها، تشكل قنوات لتغذية الرغبة في الانتقام.
بقي أن أقول: تذكروا دائما أننا في بلد تأسس على السماحة والاعتدال، ولم يتعامل بمنطق الحقد والثأر والانتقام، كان هذا “سر” صموده واستمراره واستقراره، فلا تلبسوه ثوبا آخر لا يتناسب مع روحه السامية وقامته العالية، أرجوكم لا تفعلوا ذلك.
(الغد)
نيسان ـ نشر في 2021-11-01 الساعة 08:17
رأي: حسين الرواشدة كاتب صحافي