اتصل بنا
 

بين المعارضة الجذرية والمعارضة العشوائية.. وتكييش المواقف

كاتب أردني

نيسان ـ نشر في 2021-11-04 الساعة 08:23

بين المعارضة الجذرية والمعارضة العشوائية.. وتكييش
نيسان ـ كتب محمد قبيلات

هناك فارق كبير بين المعارضة الجذرية والمعارضة العشوائية، هو الفرق ذاته بين المعارضة التي تمتلك مشروعات أو بدائل تتجاوز التشكيلة الاجتماعية القائمة، ويطلق عليها وصف الراديكالية، بمعنى انها تسعى إلى إحداث التغيير الشامل، حيث تمتلك المعارضة الجذرية الوعي العميق بتآكل النمط الانتاجي السائد، ودخول مرحلة جديدة، فتُنَظِم القوى الاجتماعية الصاعدة وتؤهلها لقيادة النمط الاجتماعي الجديد.

بينما المعارضة العشوائية فهي تلك التي تنطلق بشكل عفوي، كردة فعل غاضبة على افتقادها حقوقها المكتسبة، أو امتيازاتها التي حققتها في ظل المنظومة السائدة، فتتشكل بناء على ذلك، وتُنتج حالة من الغضب العارم المجلجل بفقدان الثقة الكاملة بالمنظومة، بل إنها تُدخِل البلاد، بكامل مستوياتها، في حالة من عدم اليقين السوداوية الشاملة، وتعمم فقدان الأمل بأي عمل يسعى إلى تغيير أو اصلاح، فتنضوي تحت يافطتها الكثير من الفعاليات الاجتماعية، بحزبٍ عريضٍ يفتقد التنظيم، حزب من الغاضبين الذين يمكن أن يُقدِمُوا على أي فعل، مهما كان مكلفا على البلاد.

ومن الطبيعي، أن أعظم ما ستتوصل إليه مجموعات المعارضة العفوية، مجموعة متناثرة من الافكار البرامجية والتكتيكية القاصرة، غير المتصلة بكافة الفئات الاجتماعية، والتي لا تصل إلى مستوى المشروع الذي يراعي مختلف المصالح الوطنية.

طبعا؛ سيبرز في هذه المرحلة، بعض قادة الرأي المتحمسين، ويقدمون أقصى ما عندهم من تفانٍ؛ من أجل الحصول على الدعم الشعبي، وقد اصبحت هذه المهمة سهلة مع تطور وسائل التواصل والانفراجة الديمقراطية، ظنا منهم أن لحظة التغيير قريبة، وأنهم سيحصدون النتائج على المدى القصير وعلى المستوى الشخصي، وهي فرصة لتقدم بعض القادة المحليين، القادمين من الأطراف، ممن ليس لديهم الكثير ليخسرونه، بل إن بعضهم أو معظمهم غارقون في ديون شخصية كبيرة، أو من المتعطلين من العمل أو ممن خسروا مصادر دخلهم، وسِمَتهم الأساسية الفوضوية والتشكيك بكل شيء.

هذه الفئة خطرة جدا، ومن حدين، لقدرتها أولًا على أن تحوّل أو تدّمج المطالب العامة أو المحقة إلى عصبيات محلية أو جهوية، وثانيا، اذا ما شعرت أن المشوار طويل، فهي مستعدة لتكييش المواقف النضالية، عند أول فرصة سانحة، فالنزق سمة من سماتها الاساسية.

وبالمناسبة، لا تواجه هذه المشكلة صفوف المعارضة فقط، بل إن صف الموالاة أيضًا ليس ببعيد عن هذه الحالة، فالكثير منهم، خصوصا الذين يعتبرون أنفسهم من الخاسرين، أو أن ما تلقوه لا يساوي الثمن المناسب لموالاتهم وخدماتهم، فإنهم يلجأون إلى التكييش، بالطريقة الفوضوية نفسها، لكن لدى السفارات والجهات الأجنبية التي ترغب بشراء خدماتهم.

كذلك؛ فإن حفلة التكييش تنسحب لتشمل أيضا بعض الأيتام، والمتورثين لنضالات الأخوة والآباء والأجداد، من التيارات الجذرية ممن سجنوا أو استشهدوا.

وفي العودة إلى صلب الموضوع، يبدو أن كل هذا الذي يجري ليس له علاقة، من حيث التأخير أو الإسراع، في مجريات الأحداث، لأن الظروف والعوامل المادية هي التي تضغط على النمط السائد، المحمل ببذور فنائه، وتدفع به إلى الانفجار ليحل محله نمطٌ جديدٌ، أو أن البديل المنطقي سيكون الفوضى.

لكن في حال تضافرت الظروف الموضوعية مع الظروف الذاتية، فإن التغيير سيحدث بشكله السلس والسلمي، بمعنى أن تكون الشروط التاريخية متوفرة جميعها، أي الظروف والعلاقات الاقتصادية السياسية المحيطة مع الجاهزية الداخلية للتغيير، فإن الانتقال سيحدث، وما هذا الذي نراه من انفعالات، للأفراد والجماعات، إلا ارهاصات تنذر بالعملية الثقيلة التي ستنجز التغيير.

والخلاصة تقول؛ أن الأفراد، وحتى الجماعات الصغيرة الجهوية، والمعارضات الفئوية، لا تحدث تغييرا تاريخيا، بل هي من لُعَب التاريخ ومراوغاته، وتمثلات مقدمات التغيير، وللتاريخ ألعاب وحركات وسلوات يسلو بها في مراحل الاستعصاء الناجمة عن عدم توائم الظروف والاسباب المحدثة للتغيير.

نيسان ـ نشر في 2021-11-04 الساعة 08:23

الكلمات الأكثر بحثاً