حمى فتاوى مراجع التقليد لتحريم هجرة الشيعة من المنطقة
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
نيسان ـ نشر في 2015-09-26 الساعة 16:13
الدوافع والأسباب
بدأت مراجع التقليد الشيعة يصدرون فتاوى بشكل ممنهج عنوانها تحريم هجرة الشباب العراقي ” الشيعي ” ، معتبرة ذلك سيسهم في إضعاف جبهة المقاومة ضد تنظيم داعش ،وتفتيت للمجتمع ، وتولي عن الزحف لنصرة إمام الزمان ورسالته المقدسة.
من خلال تحليل محتوى هذه الفتاوى بالمجمل ؛ فإنها ترى أن هجرة الشباب الشيعة من أوطانهم ، سيكون له تأثيرات كارثية على هذه البلدان ، حتى وإن كان في أسوأ حالاته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية ، وقد تكون لهذه الهجرات تأثيرات كبيرة ، وعاملاً من عوامل التدمير للمجتمعات الشيعية ؛ خاصة وأنه يُواجه تنظيم داعش الإرهابي على أراضيه ، وعلى إتمام بعث ونشر رسالة إمام الزمان الإلهية .
ترى هذه الفتاوى أن ظاهر الأمر تبدو الهجرة فيه غير شرعية للشباب العراقي ” الشيعي ” ، وإعتبارها مجرد حالة طارئة تمر عليهم للأسباب التي يمر بها العراق ،إلا أن هذا الأمر يخفي وراءه الكثير من التفاصيل التي تعكس وجود ما هو أخطر على العراق والمنطقة ، وهو في حقيقة الحال إفراغ للعراق من الطاقات الشبابية لإضعاف القوة الشعبية ” الشيعية ” العراقية ، والترويج بالمقابل أن الشاب العراقي لا يقدم أي شيء لبلده الذي لا يستوعبه ،ما يضطره للهجرة، وهذا الأمر مجافي للحقائق تماماً ، لهذا يجب دعم هؤلاء الشباب كما يُردد مراجع التقليد.
لكن السادة مراجع التقليد العظام نسوا إلى أن ُجل المهاجرين هم من السنة العرب سواء من سوريه أم من العراق ، وأن ما دفعهم لهذا الفعل الانتحاري ، هو سياسات إيران التدخلية في المنطقة ، وزج قواتها ، ودفع العراق وشيعة الشتات لارسال حشودها وقطعانها الهمجية ، المتعطشين لشرب الدماء والذبح والاغتصاب ، بعد نيل صكوك الغفران من آيات الله العظام ، وفي مقدمتهم فتاوى هؤلاء المراجع أنفسهم الذين يبشروننا يومياً مع أقرانهم من مراجع الشيعة في إيران ، بأن تقديم المزيد من القرابين السنة سيمهد للتعجيل بظهور إمام الزمان .
لكن ما هي أهداف مراجع الشيعة من وراء إصدار مثل هذا النوع من الفتاوى ؟
على خلفية التحذيرات التي أطلقتها المرجعية الدينية العليا في قم ، خراسان ، النجف ، ونبهت إلى خطورة ظاهرة هجرة الشباب الشيعي من أوطانهم ، لا سيما العراق ودول الخليج ، حيث دخلت المرجعية الشيعية بقوة هذه المرة على الخط السياسي ، إذ بدأت تتحدث بكل صراحة عن وجود مخطط دولي ترعاه بعض الدول العربية ، لاسيما الخليجية ، ودول أخرى كتركيا التي تحاول تنفيذ مشروع العثمانية الجديدة ، وبعض قوى الاستكبار العالمي ، لا سيما أميركا وإسرائيل ، وبعض دول أوروبا ، كل ذلك – حسب الزعم المرجعي الشيعي – لإحباط مخطط نصرة إمام الزمان ، ومحاولة حرمانه من العنصر البشري ، لتحقيق الوعد الإلهي لإقامة إمبراطورية الزمان .
وعزو ذلك إلى وجود مخطط سلفي وهابي داعشي صهيوني بالتعاون مع هذه الدول لإفراغ العراق من الشباب الشيعي ، فضلاً عن محاولة افراغ العراق من العنصر المقاتل المنضوين بالمؤسسة العسكرية – جنود إمام الزمان وعماد جيشه – للهجرة نحو أوروبا وأميركا ودول الاستكبار .
ونبه بعض مراجع التقليد من خطورة التقارير الحكومية التي تؤكد على موضوع “الزيادة في أعداد المهاجرين غير الشرعيين بين أوساط الشباب العراقي ، وإزديادها في الأشهر الثلاثة الماضية بشكل غير مسبوق، بسبب وجود عصابات التهريب التي باتت منتشرة في العراق ، تركيا ، سوريه ، ودعمت تصريحات بعض المسئولين العراقيين بأن “كل من يريد الرجوع الطوعي اليوم الى العراق ستتكفل الحكومة بإصدار أوراق سفر مؤقتة له، وفي بعض الأحيان تتكفل حتى بمصاريف نقله، و ضرورة حث المنظمات الإنسانية التي تعنى بشؤون اللاجئين والمهاجرين للمساعدة إلى إعادتهم للعراق .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، فقد إستدار الاعلام الإيراني بناء على التوجيهات التي أصدرها بعض مراجع التقليد ، نحو الترويج إلى فكرة وجود مؤامرة عالمية مدروسة ، بأن أجهزة الأمن الإيراني قد زودت العراق ووكلائها ومراجعها في المنطقة بمعلومات مؤكدة بوجود مخطط ومؤامرة على العراق والشيعة في المنطقة من قبل تنظيم داعش بالتعاون مع أميركا وإسرائيل، وتركيا ودولة اوربية لإفراغ العراق ، ودول المنطقة من الشباب والضباط الشيعة ذوي الرتب المتوسطة والصغيرة” .
وبالمقابل حاولت الترويج إلى أن بعض الدول العربية المحورية ، تقوم بدعم داعش والحركات السلفية التكفيرية التي تعمل على جمع مقاتليها من كافة دول العالم ،من اجل القتال في العراق، وسوريه ، ثم اليمن ،ومن جانب أخر تعمل بشتى الوسائل من اجل افراغ العراق من الشباب والضباط الشيعة ،لذلك جاءت دعوة المرجعية الدينية بضرورة التصدي لهذه الهجرة بسرعة ،وطالبت بضرورة تعاون الحكومة وجميع المسؤولين من اجل ايجاد فرص العمل ودرجات وظيفية للشباب ، ومنح رواتب للعاطلين عن العمل ، ودعم عملية تزويجهم ، وحثهم على التكاثر والانجاب ، وطالبت بوضع تصور حول آلية دعم شيعة دول المنطقة في هذا المجال.
و باركت هذه الفتاوى أيضاً بهدف إعادة بناء الحشد الشعبي ، وضرورة التوسع به ودعم إعادة هيكلته وبناءه ، وإستقطاب الطاقات والكفاءات ، ليكون السد الذي يعيق أي مخطط إقليمي في العراق والمنطقة ، وليكون أداة لنصرت أخوانه ، ولينضم فيما بعد ليكون أحد كتائب إمام الزمان .
المحور الثاني للمؤامرة العالمية ، هو ضرورة الانتباه للمخطط الشيطاني القاضي بمحاربة تحديد النسل” الشيعي “الذي تروج له إيران ، جدير بالذكر أن ما طرح سابقاً يلتقي مع فتاوى وصلت إلى حد التعليمات الصادرة عن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، في مايو/ أيار 2014 الداعية إلى إلغاء خطط تحديد النسل في إيران ؛ بغية بلوغ عدد السكان 150 مليوناً، ترجمة لخطة ” إيران : نحو دولة إقليمية عظمى بحلول 2020م ، وكان خامئي استند إلى الآية الشريفة “إِنَ يكونوا فقراء يغنهم اللهُ مِن فَضلِه”، مؤكداً ضرورة زيادة السكان، وشدد على ضرورة الترويج لثقافة زيادة السكان، معتبراً “تكثير النسل” و”الحد من تناقص عدد السكان” أمرين حيويين ينبغي متابعتهما بشكل جاد. ووصف “تحديد النسل” بالسياسة الشيطانية التي تروج لها قوى لاستكبار في إيران ..
وتنفيذاً لتعليمات المرشد، فقد انتشرت لوحات إعلانية كبيرة في مختلف الشوارع الرئيسية للمدن الإيرانية، وخاصة في العاصمة طهران تحمل شعار “المزيد من الأولاد، المزيد من السعادة”، وذلك باللغتين الفارسية والإنجليزية ، وقد انهالت الفتاوى الداعية إلى إنجاب 5 إلى 14 طفلاً لتحقيق هذه الغاية، وضرورة التخلي عن ثقافة الطفل الواحد أو الطفلين؛ وربط ذلك بأبعاد مذهبية حباً في فاطمة الزهراء وعلي ابن أبي طالب”.تيمناً بالخمسة الطيبة (الرسول وفاطمة الزهراء وعلي والحسن والحسين) أو ثمانية تيمناً بالإمام الرضا (الإمام الثامن لدى الشيعة المدفون في مدينة مشهد بإيران) أو12 طفلاً تيمناً بالأئمة الاثني عشر أو 14 طفلاً تيمناً بالمعصومين الـ14 (الرسول وفاطمة الزهراء والأئمة الاثني عشر حسب التعاليم الشيعية “.
وانسجاماً مع ذلك ، ألغت وزارة الصحة الإيرانية كافة خططها الرامية إلى تحديد النسل، وصادق مجلس الشورى مؤخراً على مسودة لائحة “زيادة السكان والحد من تحديد النسل” التي تقضي بوقف أنواع الإجهاض والتعقيم وتغرّم المخالفين لها بالحبس من 6 أشهر إلى خمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية تصل لغاية ربع مليون تومان .
وقد واكب ذلك حملة من جانب رجال الدين الشيعة ، حيث أبدوا تخوفهم من ارتفاع عدد السنة في إيران، وطالبوا باتخاذ الإجراءات اللازمة لترغيب السكان الشيعة في إيران البلاد في إنجاب المزيد من الأولاد
ونقلت أحد وسائل الاعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني معلومات تستند لمؤشرات وصفتها بالخطيرة حول تزايد نسبة السنة بشكل كبير من خلال معلومات إحصائية تفيد أن عدد طلاب المدارس الابتدائية من السنة يساوي عدد الطلاب من الشيعة، وفي بعض المدن في محافظة أذربيجان، بلغت النسبة 70% لصالح الطلاب السنة على حساب الشيعة ، على الرغم من ممارسات الحكومات الإيرانية المتعاقبة من حرمان مناطق السنة من أبسط الخدمات الانسانية ، وتهالك البنى التحتية للسكان ، هذا عدا عما تعانية مناطقهم من مشكلات سياسية ، وإجتماعية ، وإقتصادية ، و رداءة الاهتمام في قطاعات الرعاية الطبية ، والصحة الانجابية ، وحرمانهم من حملات التطعيم ، هذا عدا عن انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة نتيجة عدم سلامة الماء ، والغذاء في هذه المناطق بشكل متعمد ، كل ذلك لحرمانهم من الانجاب والتكاثر .