اتصل بنا
 

الأردنيون يطردون من التاريخ!

كاتب صحافي

نيسان ـ نشر في 2021-11-16 الساعة 14:30

نيسان ـ األردن هو البلد الوحيد الذي يخجل أهله األصالء من الحديث عن
تاريخهم الحقيقي وتاريخ أهلهم اآلوائل منذ عصر الغساسنة قبل
االسالم حتى انتهاء الخالفة العثمانية، ورغم أن بطون كتب التاريخ،
خصوصًا كتب ومالحظات المستشرقين األوروبيين الذين جالوا غالب بالد العرب
وسبروا أغوار المجتمعات في بالد الشام وعشائرها وقبائلها وسكانها ممن
استوطنوا هذه البالد بعشق لترابها المبارك والمقدس، فإن االردني المتأخر
اليوم أصبح خجوًال من أن يقدم للعالم روايته الحقيقية، وكيف عمّر أجدادهم قرى
وبلدات وسادوا عبر قرون على هذه األرض، وكيف بنى الرعيل القديم ما قبل
الدولة القطرية وما بعدها قواعد الحماية الدفاعية عن الجغرافيا والديمغرافيا
والكينونة الوطنية في ظل تفاهمات محترمة
لقد استقبلت هذه األرض الكثير من أحرار العرب الذين قدموا من األمصار
العربية من غرب الجزائر حتى شرق العراق وجنوب الحجاز الى شمال سوريا، وباتت
بالدنا حدائق إنسانية تزهر بكل أصناف البشر وعاداتهم وتقاليدهم ولكل منهم
حكاية، ومنهم من تسلم أعلى درجات سلم المسؤولية والحكم، وحتى منتصف
القرن الماضي كان األردنيون كرماء مع أشخاص لجأوا من بطش االستعمار
الفرنسي لسوريا والبريطاني لفلسطين والعراق، حيث تعاقبوا على مناصب
الحكم كرؤساء للحكومات ووزراء فيها، حتى وصول سعيد المفتي ومن بعده
الى
هزاع المجالي، ولم يزاحم أحد أحدا رغم أحقيتهم بإدارة شؤون دولتهم كتفًا
كتف مع أميرهم وملوكهم.
بعد سنوات طويلة من تاريخ ومواقف األردنيين دفاعًا عن بلدهم وتاريخهم الذي
أو سمعوه من روايات الصادقين الذين ال تكذب ألسنتهم، رأينا كيف
عاشوه عيانًا
يخرج األردن من الخدمة التاريخية والمرحلية عند جيل تم االشتغال على تغيير
منتجه منذ عقود، أزاحت من عقله الوطنية الجامعة والتاريخ المشترك
والمشتبك مع جميع أطياف الشعب القديم والجديد المتآخي، من خالل التجهيل
واستبدال الثقافة الوطنية المجتمعية والتخويف من العمل السياسي وزرع
التفرقة، لننتهي إلى إنتاج إنساني ال يمت لواقعه وال لتاريخه بصلة، حتى لم يعد
يعرف تاريخ آبائه وأجداده، وال يهتم أصًال بما أنجزوه في قرن من الزمان، حتى
وصلنا إلى الهوية الفرعية الضيقة القاتلة بالتنابز.
كتب التاريخ الحديث لألسف ليست لتثقيف الجيل، بل هي لتلميع صور ليس لها
أي قيمة إال بما تمتلك من مال أو سلطة نفعية، وها نحن نسمع عن شخصيات
لم تكن سوى تابع لمسؤول ما منذ بداية الدولة، في المقابل ال يسمع الجيل
الجديد عن شخصيات وزعامات وأبطال كانوا هم عماد هذا الوطن من شماله
لجنوبه، إذ طويت صحائفهم واستبدلت بثقافة تغريبية، ولهذا رأينا حجم الكارثة
ثم ال يعرفون
في جهل بعض الذين يتصدرون المشهد تلفزيونيًا أو صحفيًا
تاريخهم وال جغرافيتهم وال مدنهم وال شخصياتهم البانية من تراب هذا البلد،
في المقابل ال يخرج أحد من العالمين بالتاريخ ليذكر الحقائق المغيبة عن زعامات
وسادات سادت ثم بادت دون ان تضمهم كتب المتسولين.
األردن ليس مجرد حجارة على جوانب الطرقات، بل هو مصير أمة جاءت بكل
هذه المتنوعات البشرية على أرض مباركة، وقد حماها األجداد منذ قرون بعيدة،
إذ شهد هذا التراب ثورات بدأت منذ منتصف القرن الخامس عشر على الظلم
الذي كانوا يرونه من جالدي تلك المرحلة، واستمرت القبائل بحربها ضد السلطة
القاهرة حتى بداية القرن العشرين، وكل بلدة أو بادية تستطيع أن تقدم رواية
متكاملة المعلومة عن بطوالت أهلها، ولكن التاريخ الحديث ظلمهم لحساب
جيل جديد ممن سادوا بمصالحهم على تاريخ هذا البلد الذي يخجل أهله اليوم من
تقديم الرواية الحقيقية لتاريخهم المشرف خشية اتهامهم بالشوفينية
والليكودية كما يتهمهم البعض..
نحن بحاجة اليوم لمنتج وطني يظهر التاريخ الحقيقي لهذا الشعب الذي تم
تجهيل أبنائه ومحو ثقافته وحشره في زوايا اللهث وراء مستقبليات غيبية
وأجهزة إلكترونية تمنحهم التفوق الزائف، وإال فسيتحول الجيل إلى روبوتات
تحوي شرائح معلوماتية ال تمت لعقيدتنا وال لوطننا بصلة، فال نحن مع عمالقة
العالم في التكنولوجيا والصناعة وال مع تاريخنا وواقعنا الحقيقي، ضائعون بين
الجميع، ولهذا علينا أن ال نلوم الشباب عندما يجهل أو يخجل من تاريخه، بل نلوم
ماكينات التغيير التي ابتلعت تاريخنا وقذفته بعيدا لحساب مرحلة يطرد فيها
.
التاريخ والجغرافيا معا.

نيسان ـ نشر في 2021-11-16 الساعة 14:30


رأي: فايز الفايز كاتب صحافي

الكلمات الأكثر بحثاً