اتصل بنا
 

الدلالات السياسية لمقترح دسترة مجلس الأمن الوطني

نيسان ـ نشر في 2021-11-20 الساعة 23:02

نيسان ـ رغبة الملك في تحصين ممارساته الحالية عبر إضفاء الطابع الدستوري على مجلس خاص يمارس السلطة من خلاله، لا تعكس مشروعاً سياسياً كما قد يخطر على بال البعض -فهو لديه من السلطة والصلاحيات ما تجعله قادر على تنفيذ أي سياسة يريدها- وإنما حالة خوف وعجز وعزلة، تدفعه للبحث عن تحصينات لإضفاء الشرعية على ممارسات غير مشروعة.
انسحاب الملك وتسلقه، إلى ما فوق مؤسسات الدولة نحو مجلس خاص، والرغبة في تحصين ممارساته، تعني أننا أمام ملك يشعر بالخوف والعجز عن قيادة الدولة، ويتملكه إحساس بالعزلة عن مؤسساتها، عبر عنه حين قال في اجتماع مجلس الوزراء في بداية عهده: "أنا بصراحة [صمت قليلاً] زهقت". هذا التصريح وهذا الاعتراف يشير بشكل حاسم إلى غربة الملك عن مؤسسات الدولة، وعن فكرة الحكم. وتؤكد على أن الملك مشغول بشيء آخر غير ممارسة الحكم وممارسة السلطة. فالسلطة والحكم بالنسبة له وسيلة لتحقيق هدف آخر. فهو لا يتمتع بكونه ملكاً. وهو لا ينظر للحكم "كملك" بأنه مصدر اشباع ومتعة، بل إنه يرى ممارسة الحكم عبء يجب القيام به لتحقيق منافع أخرى. وهذا الفهم يؤكد وجود فجوة بين "الملك الوظيفة" و"الملك الشخص". وكلما تزايدت سلطات الملك، كلما اتسعت هذه الفجوة، وزادت مخاطرها. تركيز السلطة يزيد المسافة بين الملك الشخص والملك الوظيفة، وتعرض الدولة للمزيد من المخاطر.
رغبة الملك بتحصين ممارساته وإضفاء الشرعية عليها، استمرار لمنطق العائلة الحاكمة التي تصر على أن ترى نفسها كينونة فوق المجتمع وفوق الدولة، وتصر على ممارسة السلطة والسيطرة على الموارد عبر صيغ وهياكل مستقلة عن مؤسسات الدولة. فكل هذه الهيئات التي تم تصميمها حتى يمارس الأمراء والأميرات انشطتهم خارج نطاق مؤسسات الدولة، تأكيد على خوف الملك والعائلة الحاكمة وعزلتهم عن المجتمع والدولة. وفهمهم لأنفسهم بأنهم (كينونة فوق الدولة) حولت الدولة في تصورهم إلى عبء عليهم. وتحولوا هم، ضمن المعايير الموضوعية للدولة، إلى عبء على الدولة والمجتمع. رغبتهم بممارسة السلطة بشكل مباشر، تدفعهم للبحث عن وسيلة لإضعاف مؤسسات الدولة، والسيطرة على الموارد عبر مؤسسات ومجالس وهيئات موازية، آخرها رغبة الملك وعائلته للسيطرة على الدولة عبر مجلس خاص للأمن الوطني.
تبرير مقترح دسترة مجلس الامن الوطني، بالقول إنه ضرورة لاحتواء مخاطر الديمقراطية، دليل حاسم على غربة الملك عن الدولة والمجتمع، وأنه إرادة فوق الدولة، وليس جزءاً من نسيجها، والأخطر أنه عاجز عن قيادتها. فالملك الشخص لا ينتمي للشعب والمجتمع الأردني، والملك الوظيفة لا ينتمي لنسيج مؤسسات الدولة، بل ممارسة فوقها يريد تحصينها ومنحها الشرعية بإضفاء الطابع الدستوري عليها.

نيسان ـ نشر في 2021-11-20 الساعة 23:02


رأي: جمال الطاهات

الكلمات الأكثر بحثاً