اتصل بنا
 

أطفال يدفعون أرواحهم ثمنا للأخطاء الطبية .. وأطباء محصنون

نيسان ـ نشر في 2021-12-13 الساعة 16:41

x
نيسان ـ فاطمة العفيشات
في النصف الأول من شهر أيلول/ سبتمبر 2021، ضج الرأي العام الأردني بوفاة ثلاثة أطفال بمناطق مختلفة من المملكة، كان العامل المشترك بينهم أنهم توفوا نتيجة أخطاء طبية في مستشفيات حكومية. لين، وغنى، وعثمان، عانوا من تشخيصات طبية خاطئة ضاعفت آلامهم وأدت في المحصلة إلى وفاتهم.
تتحدث والدة الطفلة لين (5 أعوام) عن معاناتها قبل وفاة ابنتها، والتي بدأت في الثاني من أيلول هذا العام، عندما اصطحبتها إلى طبيب خاص، بعد شعورها بالتعب، شخص حالتها بالتهاب في الزائدة، وطلب نقلها سريعا إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية.
تقول: "عندما وصلت مستشفى البشير لم يطلعوا على تقرير الطبيب الخاص، وأجروا لها فحص دم، وبعدها أبلغوني أن وضعها جيد، لا يستدعي البقاء في المستشفى، وطلبوا مني العودة إذا طرأ أي جديد على حالتها".
في اليوم التالي عانت لين من آلام شديدة وارتفاع في درجة الحرارة، فاضطرت والدتها لأخذها إلى عيادة طبيب خاص، أبلغهم بضرورة نقلها إلى المستشفى بسبب حالتها الصحية المتردية وإصابتها بـ الجفاف.
تتابع والدتها: "عند وصولي إلى مستشفى البشير أعطيت للطبيب هناك تقرير الطبيب المختص وأخبرته بتشخيص التهاب الزائدة لكنه رفض الإطلاع عليه، وطلب فحوصات جديدة للدم. كان هناك خلاف بين الأطباء؛ طبيب الباطني يرسلني إلى طبيب الأطفال، وطبيب الأطفال يرسلني إلى طبيب الجراحة، وهكذا حتى طلبت طبيبة إجراء صورة أشعة تبين بعدها أن الزائدة كانت قد انفجرت".
بحسب والدة لين، بعد إجراء عملية لها أخبرهم الطبيب أنه قام بتنظيف القيح الناتج عن إنفجار الزائدة، لكن الطفلة عانت من تعب وألم وانتفاخ بالبطن. وعند المساء أصيبت بتشنجات وعدم انتظام في ضربات القلب، فاستدعى والدها أحد الأطباء الذي أجرى لها فحوصات وصورة أشعة، وطلب بعدها نقلها بشكل عاجل إلى غرفة العمليات من جديد.
خضعت لين لعملية جراحية استمرت 4 ساعات ثم نقلت إلى غرفة العناية الحثيثة. لكن والديها يؤكدان أنها توفيت خلال العملية الجراحية وأنهما عندما شاهداها في غرفة العناية الحثيثة كانت في حالة وفاة.

نقص الكوادر الصحية
عقب هذه الحادثة شكلت إدارة مستشفى البشير لجنة تحقيق داخلية، أدانت خمسة أطباء بالتقصير في تشخيص حالة الطفلة.
وبعدها بأيام قدم مدير مستشفيات البشير الدكتور عبدالمانع السليمات استقالته إلى وزير الصحة فراس الهواري والذي قبلها على الفور.
السليمات حمل في كتاب استقالته مسؤولية ما آلت إليه الأمور في مستشفى البشير لوزير الصحة نتيجة عدم تجاوبه مع المطالبات المتكررة لزيادة الكوادر الطبية في المستشفى ، حيث تتولى ممرضة واحدة، على سبيل المثال، المسؤولية عن 19 طفلا في الخداج، بحسب السليمات.
من جهته صرح الهواري خلال اجتماعه مع لجنة الصحة النيابية حول حادثة وفاة الطفلة لين بأن هناك شح في طلبات التوظيف للكوادر الصحية والممرضين في ديوان الخدمة المدنية. بينما نفى ديوان الخدمة المدنية على لسان الناطق الإعلامي خالد غرايبة ذلك، موضحا أن ديوان الخدمة وظيفته تنظيم عملية التعيين ولا يملي على الوزارات والدوائر حاجاتها، فهو يرشح المتقدمين للوظيفة حسب طلب الوزارة.
وبحسب أرقام ديوان الخدمة المدنية فقد بلغ عدد المترشحين لوظيفة ممرض من حملة شهادات الدبلوم 2240 متقدما و 3536 من حملة شهادات بكالوريوس التمريض، أما المتقدمين لوظيفة طبيب عام فقد بلغ عددهم 2228 (حتى 27-9-2021).
أطفال ضحايا الأخطاء الطبية ذكرتهم وسائل الإعلام

https://docs.google.com/spreadsheets/d/1KQhSjn0lBM4W5iiJBwgOqSV3vS8tX6JP/edit#gid=814881130

عثمان الذي لم يتجاوز العشرة أشهر من عمره، توفى في مستشفى الملك عبدالله في الرمثا، بعد إجراء عملية جراحية له في الأمعاء. في اليوم التالي للعملية تفاجأ الطبيب بانتفاخ كبير في بطن الطفل، تبين أنه بسبب (بربيش) البول الذي وضع له ولم يتم فتحه. بعد ذلك أعطي الطفل كمية كبيرة من مسكنات "الباراسيتامول" أدت لفشل كلوي، بحسب والده، الذي أكد لنا أن عثمان أعطي أيضا جرعة مخدر زائدة لم يستيقظ بعدها.
أما غنى فتوفيت في مستشفى رحمة في إربد عقب انفجار الزائدة الدودية، إثر تشخيص طبي خاطئ بحسب لجنة تحقيق شكلتها وزارة الصحة.

قانون المسؤولية الطبية والصحية

بحسب المادة (9/أ) من قانون المسؤولية الطبية والصحية يشكل وزير الصحة لجنة تسمى اللجنة الفنية العليا، على النحو التالي:
1. خمسة من أطباء الاختصاص ممن لا تقل ممارستهم للمهنة عن عشر سنوات.
2. اثنان من أطباء اختصاص الاسنان ممن لا تقل ممارستهم للمهنة عن عشر سنوات .
3. صيدلاني ممن لا تقل ممارسته للمهنة عن عشر سنوات .
4. ممرض ممن لا تقل ممارسته للمهنة عن عشر سنوات .
5. ممثل عن المهن الصحية يسميه الوزير ممن لا تقل ممارسته للمهنة عن عشر سنوات.
6. المستشار القانوني في الوزارة .
هذه اللجنة صدر القرار بتشكيلها في آب/أغسطس من العام 2018. وخلال 24 شهر من عمل اللجنة تسلمت (322) قضية مخولة من جهات ثلاث هي القضاء ونقابة الأطباء و وزارة الصحة. منها (278) قضية درجة أولى موزعة على النحو الآتي: (202 )من القضاء، (71 )من وزارة الصحة، و(5 ) من النقابة.كما استقبلت اللجنة (44) قضية من الدرجة الثانية (24 ) منها محولة من القضاء، و(20 )محولة من وزارة الصحة.
عدد القضايا التي تم تشكيل لجان فرعية لها: (314من أصل322)
القضايا غير مكتملة الملفات: (40من أصل322)
القضايا التي تم استلام تقارير بخصوصها من اللجان الفرعية: (205من أصل322)
التقارير التي تم رفعها إلى الجهات المعنية: (177من أصل322)
القضايا التي تم اسقاط الدعوى فيها أو تم إيقافها كونها منظورة أمام القضاء: (2من أصل322)
وبلغ عدد الخبراء الذين أدوا القسم حتى تاريخ 27-9-2021: (262)
في حديثه إلينا يشرح الدكتور عبد الهادي بريزات، رئيس اللجنة الفنية العليا في وزارة الصحة، أن من مهام اللجنة تقديم الخبرة الفنية في الدعوى أو الشكوى المحولة إليها من وزير الصحة أو نقابة الأطباء أو القضاء، ولا تحول اللجنة القضايا لتلك الجهات، وهي لا تستقبل الشكاوى من الأفراد. وعملها فني فقط.
وينص البند (٩/و) أنه على اللجنة تشكيل لجان فرعية متخصصة من خارج أعضائها تتولى إبداء رأيها في الطلبات التي تحيلها إليها اللجنة.
يقول بريزات أن على اللجنة اتخاذ قراراتها خلال مدة لا تتجاوز 3 أشهر من تقديم الشكوى، لافتا أن هذا البند من القانون سيتم وضع توصية لتعديله، نظرا لأن بعض الشكاوى قد تحتاج وقتا أكثر، مضيفا أن اللجنة تواجه أحيانا بعض المعيقات في عملها مثل عدم توفر خبراء يوافقون على دراسة القضية، أو عدم وجود خبراء لبعض التخصصات الدقيقة .

نقابة الأطباء تنتقد جودة التعليم

من جهة أخرى نظرت نقابة الأطباء منذ حزيران 2020 في (650) شكوى، تدور إما حول الإعتقاد بوجود أخطاء طبية، أو حول مسلكيات الأطباء، أو حول أتعابهم.
يقول رئيس لجنة ضبط المهنة والشكاوى والأجور في نقابة الأطباء الدكتور محمد البربراوي أن النقابة تصنف الشكاوى ثم تحولها إلى لجان التحقيق. فإذا كانت مسلكية يتم استدعاء المشتكى عليه والتحقيق معه.
تجتمع لجان التحقيق مرتين أسبوعيا، وتنظر كل لجنة، أسبوعيا، في نحو 20 شكوى، بعضها يبت بها فورا، والبعض الآخر يتم فيها الاستماع للمشتكي والمشتكى عليه، والطبيب الذي يرفض حضور التحقيق يحوّل بموجب القانون إلى لجنة التأديب ويفقد حقه بالدفاع عن نفسه، مع احتفاظه بحقه بتوكيل محام أمام اللجنة الفنية- تابعة للنقابة-، ثم ينتقل التحقيق إلى لجنة تأديب عليا وبعدها إلى محكمة الاستئناف.
يشير البربراوي إلى أن النقابة لا تتحرك في قضايا الأخطاء الطبية إلا بعد ورود شكوى من المريض أو ذويه، والمتضرر يستطيع التقدم بشكواه إلى المؤسسة الصحية، أو النقابة، أو القضاء. وقرارات النقابة نافذة مثل القضاء، ويحق للمتضرر بعد الحصول على قرار النقابة أن يكرر تقديم الشكوى في القضاء .
وفي حال تحولت إحدى القضايا إلى قضية رأي عام فإن المسؤول عن النظر فيها المدعي العام أو وزارة الصحة.
إجمالا يرى البربراوي أن هناك تراجعا في مخرجات التعليم ومستوى الخريجين من الأطباء، نتيجة زيادة أعداد الملتحقين بكليات الطب، وضعف التدريب، وغياب الدورات اللازمة لتقديم الخدمة الطبية المتطورة الحديثة.
ويحمل البربراوي المسؤولية الكاملة في ذلك للمجلس الطبي الأردني - أعلى سلطة طبية في الأردن- ".

القانون قاصر

بحسب الدكتور هاني جهشان، مستشار الطب الشرعي والخبير بحقوق الإنسان وأخلاقيات المهن الصحية، فإن الأخطاء الطبية سببها "فجوات في قانون المسؤولية الطبية والصحية، وتعثر اللجان، وفشل في الإجراءات" .
يقول جهشان :" الوضع الصحي الراهن يشكو غياب قانون عصري مهني للمساءلة الطبية. القانون الحالي قاصر، ووزارة الصحة عاجزة عن تطبيقه، إضافة إلى غياب دور المجلس الصحي العالي والمجلس الطبي ولجان المسؤولية الطبية". واصفاً الوزارة بأنها أسوأ موقع لتنفيذ قانون المساءلة الطبية.
ويضيف:"القطاع الصحي يعاني من مشاكل كثيرة منها تفشي البيروقراطية، والترهل الاداري ،والمحسوبية. من المستغرب مثلا في حادثة الطفلة لين أن يقوم المستشفى نفسه الذي وقعت فيه الحادثة بالتحقيق مع نفسه. لا توجد هيئة مهنية مستقلة محايدة للتحقيق الفني في الأخطاء الطبية موازية للتحقيق القضائي (الجزائي والحقوقي) لها مرجعية بقانون خاص أو جزء من قانون المساءلة الطبية".
وعن إجراءات كشف الأخطاء الطبية يقول: "لا يمكن إثبات الخطأ الطبي بمرجعية علمية إلا من خلال الكشف الطبي الشرعي المحايد المهني إن كان تشريحيا أو سريريا، والكشف على مكان وقوع الخطأ الطبي عاجلا باعتباره مسرح جريمة، وضبط الملفات الطبية والتقارير مباشرة وقبل العبث بها، و بدون تحقق ما سبق يبقى التحقيق في الأخطاء الطبية كما يجري حاليا استخفافا بعقل المواطن والمريض وأقاربه".
يذكر أن جمعية الأطباء العالمية طالبت بقرارها في إسبانيا عام 1992 والمعدل في سانتياغو عام 2005، الجهات الرسمية والقطاع الطبي في كل الدول المشتركة بالجمعية بمواجهة الأخطاء الطبية بما يلي:
1) تدريب الأطباء بالمعرفة والمهارة وأخلاقيات العلاجات والجراحات الطبية الحديثة
2) برامج توعية لعموم المجتمع حول الأمور الصحية والتفرقة ما بين المضاعفات والأخطاء الطبية
3) التوعية حول الأخطاء الطبية في برامج كليات الطب والتدريب التخصصي.
4) وضع أدلة إجراءات وبروتكولات معيارية على المستوى الوطني.
5) توفير الموارد البشرية والمالية والفنية لمقدمي الخدمات الطبية.
6) توفير الحماية القانونية للأطباء بما في ذلك توفير المحامين.
7) وضع قانون المسؤولية الطبية موضع التشريع والتنفيذ.
فتح المجال لشركات التأمين على أخطاء الأطباء والوصول لمرحلة أن يكون إلزاميا.
9) تدريب المحامين والقضاة في مجال الأخطاء الطبية.

نيسان ـ نشر في 2021-12-13 الساعة 16:41

الكلمات الأكثر بحثاً