المقامة الجورجية
نيسان ـ نشر في 2021-12-15 الساعة 12:06
نيسان ـ قال عيسى بن هشام راوي المقامات:
تاه أبو الفتح الاسكندري في مطارات العالم، هرباً من غرمائه الذين يطلبونه، فهو -كما يعلم الجميع-، قد احترف النصب والاحتيال، على الغافلين والمساكين من شعوب العالم الثالث.. فألقت به خطوط الطيران الى بلاد تسمى جورجيا..
جلس فيها طويلاً يقلب الأمر لعله يهتدي إلى حيلة تنفع مع هؤلاء القوم، فقد أعياه التفكير ليجد أمراً مشتركاً مع هؤلاء الأعاجم يدخل منه ويحتال عليهم، فشق عليه الأمر حتى لفظته الفنادق والشوارع والحانات، فقصد البَرّ يطلب فيه ضالته.. هام في الجبال والسهول الخضراء أياماً بلا طعام ولا شراب، ولولا فروته التي جاء بها لمات من البرد.!!
وبينما هو متلفع بالفروة، ذات صباح، تصطك أسنانه من البرد، إذ تسلل إليه صوت حنون مع أول تسلل لدفء الشمس من خلف الجبال الباردة.. أصخى اليه، رفع رأسه.. هاه!!، وفجأة نفض الفروة عنه وصرخ بأعلى صوته.. هجيني!! والله هجيني..!! من الذي "يهيجن" في هذه البلاد العجماء.. صعد الجبل مسرعاً يتعثر بفروته، أشرف "لاهثاً" على السهول الممتدة، فشاهد قطيعاً من الخراف تهيم في السهول ومعها راع يلبس لباساً عربياً،.. حاور نفسه: أهو عربي؟ -نعم.. لا يمكن يكون من بلاد الأعاجم!، أدام اليه النظر، ثم رفع صوته متمثلاً ببيت أحمد شوقي:
ليلى!! منادٍ دعا ليلى فخف له/
نشوانُ من جنبات الصدر عربيدُ..
وانحدر كجلمود صخر حطه السيل من علِ..
وظل "يتدحدل" حتى عانق الراعي ثم سقط على الأرض مغشياً عليه..
عندما أفاق، اصطحبه الراعي إلى منزله، وهدأ من روعه، ثم ذبح له خروفاً، وما هي إلا هدأة الملهوف، حتى كان المنسف يَمثُل بين يديه، نظر اليه أبو الفتح ملياً.. اشمأز.. فأحجم عنه!!.. قال المعزب: افلح.. مد إيدك... أشاح أبو الفتح بوجهه... ألح عليه المعزب، عندها صرخ أبو الفتح: لماذا تضع "ليّة" الخروف على المنسف؟!!، أنستك بلاد الأعاجم عاداتنا..!
اعتذر المعزب بخجل: أرجوك سامحني، أردت إكرامك.
- تكرمني بالليّة..؟!!!! لقد جئت شيئاً إمرا..!!!!
رفع المعزب المنسف، ومازح أبا الفتح،.. نص ساعة وأجهز لك أحلى صاجية بدون ليّة، مع خبز شراك، فتهلل وجه أبي الفتح حتى كأنه كوع "صوبة بواري" أيام كانت المحروقات رخيصة..
ترك المعزب أبا الفتح لا يسأله عن شيء من حاله ثلاثة أيام وثلث، وفي اليوم الرابع، بادره المعزب سائلا عن حاله وكيف جاء الى هذه البلاد، لكنه عاجله بذكاء النصّاب ورد عليه السؤال: بل أنت ما الذي جاء بك الى هذه البلاد، سبحان الله راع عربي وخراف لها ليّة، وأكباش بأجراس، في بلاد العجم.. إنه لشيء عُجاب!!!
بات أبو الفتح ليلته عند الراعي وهو يفكر بطريقة "يشلّح" الراعي غنمه، ويعود بها إلى البلاد لعل الشعب "المنهوب" ينسى نصباته إذا أشغله بلحم رخيص!....
وفي تعليلة نادرة، حول "قصة برميل" مليئة بالحطب الجزل "تلحوسه" ألسنة النيران، عرض أبو الفتح مشروعاً مربحاً على مضيّفه رداً لجميله الذي أسداه اليه، بأن يُصدّر لحوماً الى بلاد العرب، ويستفيد من فرق الأسعار..
وافق الراعي على المشروع، وعلى شرط أبي الفتح باستبعاد الليّة، احتراما للخرفان العربية، وانسحب ابو الفتح من المشهد بعد أن خسّر الراعي أغنامه، وبقي الشعب على ما هو عليه من الغلاء والبلاء، ومكشوفاً للنصب والاحتيال..
قال عيسى ابن هشام:
بعد اختفاء ليس بالطويل، شوهد أبو الفتح في منتصف ليلة حمراء يجلس على طاولة في ملهى، ويرفع أمام عينيه كأساً يقلبها ويخاطبها بلكنة السكارى قائلاً:
سافر تجد غنماً تعطيك ليّتها/ وَانْصُبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصْبِ..
تاه أبو الفتح الاسكندري في مطارات العالم، هرباً من غرمائه الذين يطلبونه، فهو -كما يعلم الجميع-، قد احترف النصب والاحتيال، على الغافلين والمساكين من شعوب العالم الثالث.. فألقت به خطوط الطيران الى بلاد تسمى جورجيا..
جلس فيها طويلاً يقلب الأمر لعله يهتدي إلى حيلة تنفع مع هؤلاء القوم، فقد أعياه التفكير ليجد أمراً مشتركاً مع هؤلاء الأعاجم يدخل منه ويحتال عليهم، فشق عليه الأمر حتى لفظته الفنادق والشوارع والحانات، فقصد البَرّ يطلب فيه ضالته.. هام في الجبال والسهول الخضراء أياماً بلا طعام ولا شراب، ولولا فروته التي جاء بها لمات من البرد.!!
وبينما هو متلفع بالفروة، ذات صباح، تصطك أسنانه من البرد، إذ تسلل إليه صوت حنون مع أول تسلل لدفء الشمس من خلف الجبال الباردة.. أصخى اليه، رفع رأسه.. هاه!!، وفجأة نفض الفروة عنه وصرخ بأعلى صوته.. هجيني!! والله هجيني..!! من الذي "يهيجن" في هذه البلاد العجماء.. صعد الجبل مسرعاً يتعثر بفروته، أشرف "لاهثاً" على السهول الممتدة، فشاهد قطيعاً من الخراف تهيم في السهول ومعها راع يلبس لباساً عربياً،.. حاور نفسه: أهو عربي؟ -نعم.. لا يمكن يكون من بلاد الأعاجم!، أدام اليه النظر، ثم رفع صوته متمثلاً ببيت أحمد شوقي:
ليلى!! منادٍ دعا ليلى فخف له/
نشوانُ من جنبات الصدر عربيدُ..
وانحدر كجلمود صخر حطه السيل من علِ..
وظل "يتدحدل" حتى عانق الراعي ثم سقط على الأرض مغشياً عليه..
عندما أفاق، اصطحبه الراعي إلى منزله، وهدأ من روعه، ثم ذبح له خروفاً، وما هي إلا هدأة الملهوف، حتى كان المنسف يَمثُل بين يديه، نظر اليه أبو الفتح ملياً.. اشمأز.. فأحجم عنه!!.. قال المعزب: افلح.. مد إيدك... أشاح أبو الفتح بوجهه... ألح عليه المعزب، عندها صرخ أبو الفتح: لماذا تضع "ليّة" الخروف على المنسف؟!!، أنستك بلاد الأعاجم عاداتنا..!
اعتذر المعزب بخجل: أرجوك سامحني، أردت إكرامك.
- تكرمني بالليّة..؟!!!! لقد جئت شيئاً إمرا..!!!!
رفع المعزب المنسف، ومازح أبا الفتح،.. نص ساعة وأجهز لك أحلى صاجية بدون ليّة، مع خبز شراك، فتهلل وجه أبي الفتح حتى كأنه كوع "صوبة بواري" أيام كانت المحروقات رخيصة..
ترك المعزب أبا الفتح لا يسأله عن شيء من حاله ثلاثة أيام وثلث، وفي اليوم الرابع، بادره المعزب سائلا عن حاله وكيف جاء الى هذه البلاد، لكنه عاجله بذكاء النصّاب ورد عليه السؤال: بل أنت ما الذي جاء بك الى هذه البلاد، سبحان الله راع عربي وخراف لها ليّة، وأكباش بأجراس، في بلاد العجم.. إنه لشيء عُجاب!!!
بات أبو الفتح ليلته عند الراعي وهو يفكر بطريقة "يشلّح" الراعي غنمه، ويعود بها إلى البلاد لعل الشعب "المنهوب" ينسى نصباته إذا أشغله بلحم رخيص!....
وفي تعليلة نادرة، حول "قصة برميل" مليئة بالحطب الجزل "تلحوسه" ألسنة النيران، عرض أبو الفتح مشروعاً مربحاً على مضيّفه رداً لجميله الذي أسداه اليه، بأن يُصدّر لحوماً الى بلاد العرب، ويستفيد من فرق الأسعار..
وافق الراعي على المشروع، وعلى شرط أبي الفتح باستبعاد الليّة، احتراما للخرفان العربية، وانسحب ابو الفتح من المشهد بعد أن خسّر الراعي أغنامه، وبقي الشعب على ما هو عليه من الغلاء والبلاء، ومكشوفاً للنصب والاحتيال..
قال عيسى ابن هشام:
بعد اختفاء ليس بالطويل، شوهد أبو الفتح في منتصف ليلة حمراء يجلس على طاولة في ملهى، ويرفع أمام عينيه كأساً يقلبها ويخاطبها بلكنة السكارى قائلاً:
سافر تجد غنماً تعطيك ليّتها/ وَانْصُبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصْبِ..
نيسان ـ نشر في 2021-12-15 الساعة 12:06
رأي: صابر العبادي