اتصل بنا
 

البئر

نيسان ـ نشر في 2022-02-05 الساعة 15:53

نيسان ـ مذ وعيت اتجنب الآبار، المفردة مرتبطة باللاوعي، كثيرة هي المرات التي وردت فيها البئر في الأدب والمحكيات والأمثال، لكن أشدها مرارة هي قصة يوسف عليه السلام، أحسن القصص، التي كانت أول قصة نتعلق ونتعاطف معها بعمق أعمق من البئر ذاته، فما من قلب كقلب الطير إلا وذرف دمعته وهو يعيد قراءة سورة يوسف طيلة حياته، مع أنه حفظ الأحداث ونهايتها السعيدة.
في إحدى المحاضرات الجامعية سألنا الأستاذ سؤالا مريرا لا يمكن الإجابة عليه إلا بعد تأمل، كان السؤال:هل لو حدث هزة أرضية عنيقة وهربت من مسكنك ورأيت طفلا يهوديا وقع على وجهه فهل ستقذه أم تتركه خلفك ؟! أجبنا يومها كلنا أننا سننقذه.
في حكاية شعبية يقولون أن شابا نوى السفر مع رفاقه وكان وحيدا لأمه التي رأت في نومها رؤية مفادها سقوط الطائرة التي سيسافر بها ولدها، مما دعاها خوفا عليه بأغلاق باب غرفته عليه ومنعه بالقوة من السفر، في اليوم الذي غادر به رفاقه قدمت له عنقود عنب وعادت تكمل شغل بيتها وتستمع للأخبار، وعندما سمعت الخبر الذي تترقبه وتخشاه، هرعت إلى إبنها لتثبت له أنها خلصته من الموت، لكنها وجدته ميتا، في البحث عن سبب موته وجدوا أن عقربا لدغة كانت قد صعدت إليه في عنقود العنب، وكما قالت الناس "من له مده لا تقتله شده"
في تجربتي الخاصة اذكر كما علمت أن جدتي كانت كلما تلد ذكرا يموت، وعندما ولد لها والدي نذرت ذبح ذبيحة سنوية فداء له واسمته سالم كي يسلم من الموت، وربته كل شبر بنذر، عندما بلغ التاسعة عشر زوجته لتفرح بذريته، وبعد أن وضعتني أمي بستة أشهر توفي والدي بعمر العشرين، يقولون في الأمثال"لايموت ميت وفي ظهره حي" ، كثيرة هي اللحظات التي وجدت فيها جدتي تكفكف دموعها بعد سنوات من رحيله حتى ضعف بصرها ، كنت أهرب واختبئ لأبكي مثلها بشدة وراء الدار.
كنت دائما الح علي جدتي وأحيانا اصرخ اريد الإستقلال بفراش لوحدي ولدينا فرشات ولحف تكفي بحارة، لكنها كانت ترفض وتصر لأنام في حضنها مع أني بدأت أكبر.. لم أفهم إصرارها ذاك إلا عندما تجاوزت السنين وهو أنها كانت تريد أن تضمني مااستطاعت وتشتم رائحة ابنها بي طيلة الليل.
موجع رحيل الأبناء، كانت تقول جدتي"الاولاد إن ماتوا نيران وإن عاشوا جيران" لاشك أن ما نشهده من قتل وحرق الأطفال في الحروب وغير الحروب مؤلم لمن في قبله ذرة من شفقة... فما البال بأم من خمسة أيام تراقب طفلها في قعر بئر ضيق... ترى كيف تمر على قلب هذه المرأة الثواني والساعات...!

نيسان ـ نشر في 2022-02-05 الساعة 15:53


رأي: ميسر السردية

الكلمات الأكثر بحثاً