جلسات نقاش الموازنة: الخطاب ذاته والنتيجة معروفة
د. زيد النوايسة
أكاديمي وكاتب
نيسان ـ نشر في 2022-02-10 الساعة 08:43
نيسان ـ لا يتوقف الناس كثيرا هذه الايام عند نقاشات مشروع قانون الموازنة العامة؛ ثلاثة أيام من خطابات السادة أعضاء مجلس النواب حولها والمتوقع أن تمتد لبداية الأسبوع المقبل؛ يبدو أن القناعة بأن ليس ثمة جديد يستدعي المتابعة؛ خاصة وأن النتيجة متوقعة ومحسومة سلفاً وهي عبور الموازنة لأن التصويت سيتم على كل بند بطريقة منفصلة وستعبر الموازنة كما عبرت غيرها من الموازنات السابقة.
حتى كتابة هذه السطور؛ لم نستمع في المناقشات النيابية لتحليل مالي وازن لمشروع الموازنة المقدم من الحكومة خلال الأيام الثلاثة التي انقضت من المناقشة؛ للأسف الكلام مكرر منذ ثلاثين عاماً ويغلب عليه الشكوى من غياب العدالة في الخدمات واستثناء أبناء مناطقهم ودوائرهم الانتخابية من التعيينات في الوظائف العليا واتهامات بالفساد وعجز الحكومة هذه وسابقاتها عن محاربتها بالإضافة للوجدانيات والكلام الذي يدغدغ عواطف الناس وعلى قاعدة حاولنا وهذا أضعف الايمان.
طبعاً من عدم الانصاف أن نتوقع من النواب غير ذلك وحتى أن نلومهم؛ فهم نتاج عملية انتخابية قائمة منذ زمن طويل على أساس فردي ومناطقي ومن الطبيعي أن يغيب البرنامج المشتبك البديل هنا لأن الأساس هو تقديم خدمات محددة والحصول على استثناءات وليست مهمة من ينتخب على أسس فردية أن يشتبك مع الحكومة ويحاججها في البديل ويجبرها على الالتزام به.
يدرك السادة النواب أن كلماتهم الحماسية ونقدهم القاسي للحكومة ينطلق من مبدأ إبراء الضمير امام قواعدهم الانتخابية بأنهم حاولوا واشبعوا الحكومة نقداً ولكن في النهاية قدرتهم على التأثير محدودة وعلى كل حال هذا يتساوق مع المزاج العام الغاضب من السياسات الحكومية التي تتعاطى مع الأصوات الناقدة والغاضبة بإعجاب واشادة، وبنفس الوقت لا يزعج الحكومات التي تمتلك الخبرة والأدوات التي تتعامل فيها مع النواب بتمرير ما يخدم قواعدهم الضيقة سواء من خلال تعيينات محدودة أو مناقلات أو انتداب بعض الموظفين ونقلهم من وزارة لوزارة أو تمديد الخدمة لما بعد الثلاثين عاما؛ بمعنى آخر الطرفان يعرفان قواعد اللعبة.
عندما تشاهد ما يجري من نقاشات هذه الأيام وتعود لأكثر من أربعين عاماً وتحديداً في حقبة المجلس الوطني الاستشاري المعين أثناء توقف الحياة البرلمانية، تشعر بحجم بالفرق والفارق الكبير؛ يتحدث رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران في سيرته الذاتية “القرار” أن حكومته كانت تواجه نقاشاً عميقاً ونقداً لاذعاً لمشاريع القوانين المقدمة وبالأخص مشروع الموازنة ويتحدث عن نقاشات من أعضاء المجلس بالرغم من انهم معينون ويشير هنا لشخصيات كانت تحاجج حكومته مثل المرحومين خليل السالم وعبد الله الريماوي وانيس المعشر وغيرهم.
مع التقدير للجهد المبذول من اللجنة المالية الآن، ليس فقط في هذا المجلس بل في معظم المجالس؛ فمناقشتها للموازنة ما تزال تعتمد على مناقشة اللجنة للأمين العام والمدير المالي في كل وزارة او هيئة او مؤسسة وبيان الإيرادات العامة والنفقات العامة ومحاولة ضبط النفقات، وهذا يطرح مرة أخرى أهمية وجود فريق استشاري مالي من الخبرات المستقلة القادرة على قراءة مشروع الموازنة بشكل منهجي وعلمي ليس بهدف مناكفة الحكومة أو نقدها بمقدار تبيان اين اصابت الحكومة وأين اخطأت في المشروع؛ يستطيع المجلس الاستعانة بأكاديميين متخصصين في المالية العامة وبخبراء ماليين ومساعدة اللجنة المالية في تقديم توصيات ملزمة للحكومة.
خلاصة القول، انتهى ذلك الزمن الذي ننبهر فيه باستعراض بعض النواب لخطاباتهم ومهاراتهم اللغوية، طالما أن الموازنة ستمر والمديونية في ارتفاع والعجز يتنامى والبطالة تتضخم والنمو يتراجع؛ كل ما في الامر أن علينا أن ننتظر عاما آخر لنستمع مرة أخرى لذات الخطابات المكررة.
(الغد)
حتى كتابة هذه السطور؛ لم نستمع في المناقشات النيابية لتحليل مالي وازن لمشروع الموازنة المقدم من الحكومة خلال الأيام الثلاثة التي انقضت من المناقشة؛ للأسف الكلام مكرر منذ ثلاثين عاماً ويغلب عليه الشكوى من غياب العدالة في الخدمات واستثناء أبناء مناطقهم ودوائرهم الانتخابية من التعيينات في الوظائف العليا واتهامات بالفساد وعجز الحكومة هذه وسابقاتها عن محاربتها بالإضافة للوجدانيات والكلام الذي يدغدغ عواطف الناس وعلى قاعدة حاولنا وهذا أضعف الايمان.
طبعاً من عدم الانصاف أن نتوقع من النواب غير ذلك وحتى أن نلومهم؛ فهم نتاج عملية انتخابية قائمة منذ زمن طويل على أساس فردي ومناطقي ومن الطبيعي أن يغيب البرنامج المشتبك البديل هنا لأن الأساس هو تقديم خدمات محددة والحصول على استثناءات وليست مهمة من ينتخب على أسس فردية أن يشتبك مع الحكومة ويحاججها في البديل ويجبرها على الالتزام به.
يدرك السادة النواب أن كلماتهم الحماسية ونقدهم القاسي للحكومة ينطلق من مبدأ إبراء الضمير امام قواعدهم الانتخابية بأنهم حاولوا واشبعوا الحكومة نقداً ولكن في النهاية قدرتهم على التأثير محدودة وعلى كل حال هذا يتساوق مع المزاج العام الغاضب من السياسات الحكومية التي تتعاطى مع الأصوات الناقدة والغاضبة بإعجاب واشادة، وبنفس الوقت لا يزعج الحكومات التي تمتلك الخبرة والأدوات التي تتعامل فيها مع النواب بتمرير ما يخدم قواعدهم الضيقة سواء من خلال تعيينات محدودة أو مناقلات أو انتداب بعض الموظفين ونقلهم من وزارة لوزارة أو تمديد الخدمة لما بعد الثلاثين عاما؛ بمعنى آخر الطرفان يعرفان قواعد اللعبة.
عندما تشاهد ما يجري من نقاشات هذه الأيام وتعود لأكثر من أربعين عاماً وتحديداً في حقبة المجلس الوطني الاستشاري المعين أثناء توقف الحياة البرلمانية، تشعر بحجم بالفرق والفارق الكبير؛ يتحدث رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران في سيرته الذاتية “القرار” أن حكومته كانت تواجه نقاشاً عميقاً ونقداً لاذعاً لمشاريع القوانين المقدمة وبالأخص مشروع الموازنة ويتحدث عن نقاشات من أعضاء المجلس بالرغم من انهم معينون ويشير هنا لشخصيات كانت تحاجج حكومته مثل المرحومين خليل السالم وعبد الله الريماوي وانيس المعشر وغيرهم.
مع التقدير للجهد المبذول من اللجنة المالية الآن، ليس فقط في هذا المجلس بل في معظم المجالس؛ فمناقشتها للموازنة ما تزال تعتمد على مناقشة اللجنة للأمين العام والمدير المالي في كل وزارة او هيئة او مؤسسة وبيان الإيرادات العامة والنفقات العامة ومحاولة ضبط النفقات، وهذا يطرح مرة أخرى أهمية وجود فريق استشاري مالي من الخبرات المستقلة القادرة على قراءة مشروع الموازنة بشكل منهجي وعلمي ليس بهدف مناكفة الحكومة أو نقدها بمقدار تبيان اين اصابت الحكومة وأين اخطأت في المشروع؛ يستطيع المجلس الاستعانة بأكاديميين متخصصين في المالية العامة وبخبراء ماليين ومساعدة اللجنة المالية في تقديم توصيات ملزمة للحكومة.
خلاصة القول، انتهى ذلك الزمن الذي ننبهر فيه باستعراض بعض النواب لخطاباتهم ومهاراتهم اللغوية، طالما أن الموازنة ستمر والمديونية في ارتفاع والعجز يتنامى والبطالة تتضخم والنمو يتراجع؛ كل ما في الامر أن علينا أن ننتظر عاما آخر لنستمع مرة أخرى لذات الخطابات المكررة.
(الغد)
نيسان ـ نشر في 2022-02-10 الساعة 08:43
رأي: د. زيد النوايسة أكاديمي وكاتب