الرأي الدبري

نيسان ـ قالت العرب: شَرُّ الرَّأْيِ الدبري..
والدبري مأخوذ من دُبر الشيء أي آخره، وهو الرأي الذي يأتي بعد فَوْاتِ الأمر،.. ويجوز القول:دَبَرياً بالفتح أو ودُبرِياً بالضم.
والدَّبْري منسوب إلى دَبَرِ البعير أو الحمار، وهو جرح أو خمج يظهر على ظهر الدابة من ثقل الأحمال وسوء تجهيزها، وهذا الدَبَر يُعجز الدابة عن حمل الأحمال، مؤقتاً حتى يشفى، وإن تجاهله (السواق الحَطِم)، يتفاقم الدَبَر حتى يقتل الدابة أو يقعدها عن العمل، عندها يستغني عنها صاحبها ويسيّبها حتى تموت..
وهذا الحال الذي يعتري الدواب قد يستعار للبشر، فكما عجزت الدابة عن الحمل بسبب، سوء تصرف صاحبها، وخرجت عن الخدمة، كذلك "المسؤول" يتحمل أوزار صاحب الدولة حتى يقسم ظهرَه التعسفُ في الحِمل..
ونستطيع المزج بين المعنيين، ففوات وقت تقديم الرأي، وعدم القدرة على توجيه الرأي قريبان لمن يطلب الرأي والنصيحة، لأن المطلوب منه النصيحة استُهلك، ورأيه لا ينتفع به، لأنه "مدبور" الظهر.. وصار رأياً يعجز عن حمل عبء الكفاية في الأمور، فلا يستفاد منه، أو قد مضى وقته. وهذا لا يليق في سياسة الدول، خاصة إذا كان من يقول بذلك كان من رجال الدولة وصاحب ولاية وعاش الإنحدار وباركه وقال عنه "نهوضاً"، أو صمت وهو ينظر اليه، وهو كمن يقول: لو علمت في أول الحال ما علمت آخراً، لفعلت وفعلت، ولكن "وقعت الفاس بالراس" ولم يعد ينفع الرأي..!! وقد يكون هذا استمراراً لدوره السابق، مدفوعاً من صاحب العمل، ليكون "شكلاً" خادعاً، قد يتألف من يستطيع أن يتألفه، أو يقوم بدور فزاعة تمثل دور الحارس المتجمد في الحقول وقد اكتشفته الغربان في رابعة النهار، وهيهات يخدعها في الليل، وستبقى تعيث الفساد..
خَيْرُ الأمْرِ ما اسْتَقْبَلْه المرءُ وكان له فيه رأي... واستثمر هذا الرأي، في تنفيذ سياسات للنهوض في البلاد، حين كان يستطيع ذلك، ولم يؤثر الصمت عندما قام في تنفيذ ما لم يكن مقتنعاً به!! أما الآن فقد ولّى الامر، ولا ينفع اتباعَهُ اتِّبَاعَاً بعد أن مضى وقت العلاج، وفاته الرأي ولن ينتفع البلد من رأيه، الذي لا نفاذ له...
لا نقلل من جهد أحد، لكن الزمن لا يرجع الى الوراء والفرصة ماتت "باندبار" الظهر والخروج من المشهد، والكلام عن الماضي، لا يعدو ترفاً وتعاليل لا واقع لها ولا تنفّذ، وتنتهي بانفضاض المجلس..