اتصل بنا
 

تجارة الرفيق بوتين

كاتب عربي

نيسان ـ نشر في 2015-10-04

نيسان ـ

بين أن يقصف الطيران الحربي الروسي بعض فصائل «الجيش السوري الحر» في حمص وإدلب، وأن يعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ موسكو لا تصنّف هذا الجيش في خانة «الإرهاب» وأنه سوف يكون طرفاً في الحلّ السلمي للصراع؛ ثمة ما هو أبعد من التناقض في القرار السياسي، أو التضارب في القرار العسكري، خاصة في هذه المنطقة، وهذا الطور الحساس الذي تعيشه العلاقات بين الجبارَين، روسيا وأمريكا.
هنالك، أغلب الظنّ، طراز من التنويع على ستراتيجية موسكو في سوريا، ثمّ في عموم الشرق الأوسط استطراداً، وعلى صعيد ملفات الخصومة مع الولايات المتحدة، والغرب إجمالاً، في نهاية المطاف. ما يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كثير ومتعدد ومتنوع، ولذلك فإنه بالضرورة قائم على هذا المقدار أو ذاك من التنافر، لكي لا يتحدث المرء عن تصارع وتناحر. في وسع أي تحليل بسيط أن يستقصي هذه الحال في الاقتصاد كما في السياسة، وفي المغامرات العسكرية كما في خطب ودّ الكنيسة الأرثوذكسية، وفي تعهد طغاة من أمثال بشار الأسد، وعسكر من أمثال عبد الفتاح السيسي؛ وجنرالات تصدير «الثورة» الإسلامية (طبعة آيات الله المتشددين) من أمثال قاسم سليماني، وولاة ولاة عهد من أمثال السعودي محمد بن سلمان يقاتل سليماني بالوكالة في اليمن.
وهكذا، يريد بوتين، أولاً، المضيّ أبعد في تلميع صورته كرئيس دائم للاتحاد الروسي، حتى حين يكون رئيساً للوزراء، وظلّه الوفيّ التابع، دميتري مدفيديف، رئيساً للاتحاد. وسيرورات التلميع واسعة، متنوعة بدورها، لكنها تمرّ أساساً من بوّابات نفخ الحياة في الروح القومية الروسية، القيصرية من حيث الولاء للديانة والتاريخ والثقافة، ولكن ـ للمفارقة، بالطبع ـ السوفييتية، من حيث السعي إلى إحياء صورة القوّة العظمى، ندّ أمريكا والغرب والحلف الأطلسي في الحرب الباردة، والندّ الطامح هنا وهناك في العالم: من الاتجار بالسلاح مع السعودية، وبالنووي مع إيران؛ إلى منافسة أمريكا في التجارة الأخرى الرابحة: الحرب على «داعش»!
ولا تكتمل سيرورات هذا التلميع إلا إذا انعتق الاتحاد الروسي من غائلة العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب منذ سنوات، وأخذت تُلحق أذى متزايداً بالاقتصاد، وبالتالي بالحياة اليومية للمواطن الروسي؛ الذي لم يكن أصلاً قد تنفس الصعداء، وتنعّم بأيّ حدّ أدنى من «فضائل» اقتصاد السوق، بعد انهيار النظام السوفييتي. ضمن هذا الاعتبار تأتي، أيضاً، حروب أسعار النفط التي تديرها الولايات المتحدة في الكواليس أو علانية أحياناً؛ والتي تصيب ميزانيات روسيا بمقادير من العجز، والاهتراء المنتظم في الواقع، باتت قاتلة ومدمّرة، وترقى بالفعل إلى إعلان حرب اقتصادية مفتوحة.
وثالثاً، كيف لهذا القيصر الجديد أن يقنع القوى العظمى، أسوة بالقوى الصغرى، أنه مسلّح حتى الأسنان والنواجذ، بتكنولوجيا عسكرية تنافس نظيرتها الأمريكية، قابلة للعرض والإغواء في سوق السلاح… إذا لم ينشر بعض تلك الأسلحة في مكان ما، وأن يجرّبها بالفعل، تماماً كما هي الحال مع الجيل الأحدث من مقاتلات سوخوي؟ صحيح أنّ قاذفة ما، من هذا الجيل المتطور إياه، قد تضلّ الطريق فتقصف منطقة تحت سيطرة نظام الأسد، كما حدث بالفعل؛ ولكن، ألم تخطئ المقاتلات الأمريكية أيضاً، ومراراً، في المقابل؟
فإذا وُضعت هذه الاعتبارات على ضوء لقاء القمّة الأخير، بين بوتين والرئيس الأمريكي باراك أوباما؛ قد يحسن الظنّ أنّ سيد الكرملين لم يترك انطباعاً عالي التأثير في نفس سيد البيت الأبيض، حول الحرب على «داعش»، التجارة الروسية الأحدث في سوريا. ولعلّ أوباما ردّد على مسامع بوتين صياغة مختلفة للعبارة الساخرة التي شاعت في واشنطن بعد التصعيد العسكري الروسي في الساحل السوري: أهلاً بالرفاق الروس، في المستنقع السوري!

القدس العربي

نيسان ـ نشر في 2015-10-04

الكلمات الأكثر بحثاً