اتصل بنا
 

قلعة أردنية عريقة عاصمةً للثقافة العربية لعام 2022

نيسان ـ نشر في 2022-03-06 الساعة 08:02

x
نيسان ـ ينتظر أن تفتتح في أوائل مايو القادم تظاهرة “إربد عاصمة الثقافة العربية” لعام 2022 والتي يرفدها الاحتفاء بابن المدينة الشاعر عرار التل كرمز للثقافة العربية، وذلك في إطار التعاون بين وزارة الثقافة الأردنية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، وفي سياق تسليط الضوء على الإرث الثقافي والتاريخي الكبير سواء للأردن كدولة أو لإربد كجسر للحضارات وكواحدة من أهم القلاع التاريخية في المنطقة العربية.
مشروع وطني
اعتبرت وزيرة الثقافة الأردنية هيفاء النجار أن احتفالية “إربد عاصمة الثقافة العربية” لعام 2022 هي مشروع وطني كبير تقع مسؤولية إنجاحه على عاتق الجميع، مؤسسات حكومية وأهلية وهيئات ثقافية ولجانًا عاملة، لتأتي المخرجات متميزة بما يليق بالحدث، مؤكدة أن الاحتفالية لا بد وأن تقدم إربد والأردن للعالم العربي كنقطة إشعاع حضاري وثقافي وفكري تشكل ركيزة مستقبلية للجذب الثقافي بما يعزز دور المواطن المنتج للفعل الثقافي والمحافظ عليه والساعي لتطويره بالتوجه نحو الريادة والابتكار والإبداع كروافع للفعل الثقافي وأثره المستدام. وأشارت النجار إلى أن الموازنة المخصّصة للاحتفالية متحركة وغير ثابتة، مضيفة أنها ستكون قادرة على تغطية نفقات الفعاليات الى حد كبير، ودعت القطاع الخاص إلى دعم الحدث باعتبار الثقافة محركا وباعثا للقطاعات الأخرى.
وتلقب إربد بعروس الشمال وتعرف بكونها واحدة من أجمل المدن الأردنية، وهي تقع في منبسط من الأرض، شمال العاصمة عمان، وفي الجزء الشمالي الغربي من البلاد، وتحيط بها السهول الزراعية الخصبة من جهاتها الشمالية والشرقية والجنوبية، حتى أنها سميت قديماً بـ”الأقحوانة” نسبة إلى زهرة الأقحوان فيها، وهي ثالثة المدن الكبرى في الأردن وتوجد في لائحة الصدارة لقلاعها التاريخية حيث عرفت استيطانا بشريا قبل حوالي خمسة آلاف سنة قبل الميلاد لكل من الحضارات الآدومية والغساسنية والعربية الجنوبية، وميزتها الحضارات الإغريقية والرومانية والإسلامية التي تركت كنوزا من الآثار والمواقع الأثرية والتاريخية، وتضم آثارا تدل على ذلك، وقد احتلها الآشوريون والفراعنة والبابليون والفرس والعثمانيون وغيرهم، حتى أن هدوءها كمدينة يخفي وراءه ضجيج التاريخ العريق الذي يتحرك في شرايينها ببصمات الأزمنة الغابرة وخطى من عبروا أرضها في كل الاتجاهات.
آرابيلا وأحجارها السوداء
وقد تحدث عدد كبير من الرحالة الأجانب عن إربد، ومنهم السويسري بيركهارت الذي زارها في الرابع من أيار 1812، وقال عنها “إربد هي المكان الرئيسي في المنطقة التي تدعى البطين أو بني جهمة، وتقوم قلعة إربد على تل، وتقع القرية عند سفحه، والصخر الكلسي الذي يمتد عبر الصويت والمعراض وعجلون وبني عبيد، مفسحاً المجال لحجر حوران الأسود المبنية منه كافة بيوت إربد وكذلك الأسوار الحديثة المحيطة بالقلعة، والأثر الوحيد في هذا المكان هو بركة كبيرة قديمة حسنة البناء قد طرحت حولها عدة توابيت حجرية كبيرة مصنوعة من ذات الصخر مع بعض النقوش البارزة المنحوتة فيها”.
وبعد أن كان عدد سكانها يقدر بنحو ألف نسمة في أواخر القرن التاسع عشر ووصل الى 7000 نسمة في عام 1946، عرفت إربد اتساعا عمرانيا وديموغرافيا كبيرا إثر هجرة الفلسطينيين إليها بعد حرب 1948، حيث بلغ عدد السكان نحو 22 ألف نسمة في عام 1922، ثم تضاعف عدة مرات فيما بعد، بينما بلغ عدد سكان المحافظة بمختلف ألويتها قرابة مليوني نسمة.
وتضم إربد حاليا عددا كبيرا من المراكز التعليمية والجامعات، منها جامعة اليرموك وجامعة العلوم والتكنولوجيا التي تعتبر من أهم الجامعات في الشرق الأوسط. كذلك تضم مستشفيات مهمة مثل مستشفى الملك المؤسس الذي يعتبر مقصدا علاجيا للكثيرين.
وقد عرفت إربد في زمن الإغريق باسم “أرابيلا” ثم “بيت أربل” في العهد الروماني، وقد تغيّر مع ظهور الإسلام إلى اسمها الحالي المشتق لغة من الرُّبدة بسبب لون تربة الأرض الزراعية الحمراء المصحوب بسواد الصخور البركانية المنتشرة في مُحيط المدينة، وقد ذكرها ياقوت الحموي في “معجم البلدان”.
إطلالة على نهر اليرموك
ستقام أسابيع ثقافية تشارك بها كل الدول العربية، وسيتم التعاون مع وزراء الثقافة في المنطقة العربية، على أن تكون الإقامة في مناطق إربد وأن تكون “أم قيس” مركزا للفعاليات، وهي بلدة تقع شمال إربد على ارتفاع 364 متراً عن سطح البحر وتطلّ على نهر اليرموك وهضبة الجولان وبحيرة طبريا، وقد كان موقعها الاستراتيجي بالإضافة إلى وفرة مياهها عامل جذب للنشاط السكاني. وتحظى البلدة برمزية تاريخية وثقافية، فهي تضم آثارا عريقة من العصور الإغريقية والرومانية وغيرها، وفي كل ركن منها بصمات السابقين، ومنها المسارح والمدارج والكاتدرائيات والنقوش والرسوم والأسواق والهياكل الضخمة والمتاحف والأنظمة المائية القديمة، وقد وصفت بأنها مدينة الفلاسفة والشعراء، ومن أبرز معالمها المدرج الغربي وشارع الأعمدة وكنيسة المقابر المزينة.
وفي هذا السياق أكد رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة التزام الحكومة التام بتوفير المخصصات اللازمة لإنجاح الاحتفالية بما يليق بمستوى الحدث باعتباره حدثا وطنيا بامتياز يعكس وجه الأردن الثقافي والحضاري، وأوضح أن إربد بدورها ومكوناتها ورموزها وإرثها تستحق حدثا ودعما يليقان بها وبالوطن، معتبرا أن حدثا بهذا الحجم يستحق الدعم على المستويات كافة لأن الحكومة تنظر إليه كمشروع وطني يحمل في طياته أبعادا تنموية ويشكل إضاءات مهمة على صعيد الفعل الثقافي المستدام بما يعكس الصورة المشرقة للحضارة والتراث والثقافة الأردنية ويكون حاضنة مستقبلية للمزيد من الحراك الثقافي الذي يحاكي مختلف مكوناته ويسهم في تطويرها.
وبين الخصاونة أن إسهامات إربد بإرثها وتراثها وقياداتها وأبنائها وتضحياتهم في بناء الدولة الأردنية منذ نشوئها تستحق دعما ورعاية واهتماما بمشاريعها، كما هو كل الأردن بجميع محافظاته، ما يستوجب العمل الدؤوب لإنجاح الحدث الذي تنتظره إربد.
تعاون عربي
ويعمل المشرفون على فعاليات “إربد عاصمة الثقافة العربية” على توسيع دائرة التعاون مع المؤسسات الثقافية العربية والقطاع الخاص داخل البلاد، وذلك بهدف تقديم برنامج مفتوح على الإضافات المهمة في مختلف مجالات الإبداع الفني والثقافي وفي الميادين ذات الصلة، بما يتيح التعريف بالمدينة وبمختلف جوانب الحياة الثقافية والحضارية والسياحية فيها إلى جانب فرص الاستثمار بالمحافظة وبالأردن ككل.
وبدوره أشار منذر البطاينة، رئيس المكتب التنفيذي للاحتفالية، إلى أن “إربد عاصمة الثقافة العربية” تشكل مشروعا تنمويا ثقافيا، وقال “نحن جميعا معنيون بإنجاحه وضمان ديمومته واستمراريته لإبراز دور مدينة إربد في التعليم والثقافة وما أفرزته من قامات ثقافية وطنية أغنت بإنتاجها المكتبة الأردنية والعالمية”، وأضاف أنه سيتم توجيه دعوات رسمية لوزراء الثقافة العرب للحضور والمشاركة في حفل افتتاح الفعالية بعد عيد الفطر القادم، إضافة إلى دعوة المكتب التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وسيكون الافتتاح ضخما وبحضور جهات رسمية ومثقفين وفنانين أردنيين وعرب، لافتا إلى أن المنتج الثقافي للفعاليات سيركز على عكس صورة مشرقة عن إربد والأردن تاريخا وحضارة وثقافة ومكانا وإنسانا، وأوضح البطاينة أن الاحتفالية ستتوزع على مشاريع الفنون التشكيلية التي تشمل النصب والجداريات والورش الفنية والمعارض الشخصية والجماعية والندوات والمحاضرات والمسابقات الفنية.
وستشمل مشاريع الفنون الموسيقية والأدائية للفعالية العزف والغناء والمسرح والرقص والسينما والمؤتمرات والندوات وورش العمل في مجالات الشعر والفنون والرواية، والتي تعنى أيضا بالقضايا والشؤون المحلية والعربية وأدب الطفل والمرأة والثقافة العلمية والابتكار والتراث.
وفي إطار التعاون مع المؤسسات الأكاديمية جرى التوقيع بين المكتب التنفيذي لاحتفالية “إربد عاصمة الثقافة العربية” وجامعة جدارا على مذكرة تفاهم بهدف التشارك بين الجانبين لإنجاح الاحتفالية، والارتقاء بالشأن الثقافي الأردني، وإبراز الصورة الثقافية الحقيقية للأردن أمام المجتمعات المحلية والعربية والدولية.
وأكد رئيس جامعة جدارا محمد طالب عبيدات حرص الجامعة على المساهمة في دعم وإنجاح فعاليات “إربد عاصمة الثقافة العربية”، من خلال وضع خطة للمشاركة في الفعاليات والأنشطة، ما ينعكس إيجابًا على الفعاليات الثقافية والفنية والاجتماعية في إربد، خاصة على مستوى المملكة والوطن العربي. وقال عبيدات إن الجامعة تضع الإمكانات المتاحة كافة لإنجاح هذه الفعاليات من قاعات وساحات وأبنية لإقامة الفعاليات المختلفة، إلى جانب إمكانية استعانة المكتب التنفيذي بمنتسبي أسرة الجامعة للمشاركة في اللجان المنبثقة عن المكتب التنفيذي، أو في إدارة وتنظيم وتنفيذ الأنشطة والفعاليات.
مدينة الشاعر
اعتمدت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) الشاعر الأردني مصطفى وهبي التل والشهير بـ”عرار” رمزا عربيا للثقافة لعام 2022، عملا بقرار مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي في دورته الثانية والعشرين، والذي بموجبه تم اعتماد توصية اللجنة الدائمة للثقافة العربية بشأن اختيار رموز الثقافة العربية، استناداً إلى الضوابط التي اتفق عليها أعضاء اللجنة.
ويرتبط هذا الاحتفاء باحتفالية “إربد عاصمة الثقافة العربية”، حيث أن عرار من مواليد المدينة في الخامس والعشرين من مايو 1899، وتلقى تعليمه الابتدائي فيها، ثم سافر إلى دمشق عام 1912، وواصل تعليمه في مكتب عنبر، وهناك شارك زملاءه في الحركات المناهضة للأتراك، فنفي إلى بيروت، ثم استقر في عربكير حيث كان عمه علي نيازي قائم مقام فيها. وعند عودته إلى الأردن عمل في سلك التعليم مدرسًا في الكرك، ثم حاكمًا إداريًا في وداي السير والزرقاء والشوبك، وأصبح مدعيًا عامًا، ثم رئيسًا للتشريفات في الديوان الأميري في عهد الملك عبدالله الأول.
وقد كانت لعرار صلات واسعة مع الكثير من الشعراء المعاصرين له أمثال إبراهيم ناجي وأحمد الصافي النجفي وإبراهيم طوقان وعبدالكريم الكرمي، ومن أبنائه وصفي التل الذي شغل منصب رئيس الوزراء في الأردن خلال السبعينات من القرن العشرين وسعيد التل الذي شغل منصب نائب لرئيس الوزاء خلال التسعينات.
وعرف عرار بأنه شاعر الأردن الأكبر خلال القرن العشرين، وأحد أبرز الشعراء العرب، وقد تنوع إنتاجه بين الشعر والتاريخ والدراسات اللغوية والقضايا الفكرية والترجمة، ومن إصداراته ديوان “عشيات وادي اليابس” و”بالرفاه والبنين” و”الأئمة من قريش” و”مقالات في اللغة والأدب”، وقد توفي في عام 1949، ودفن في إربد بناء على وصيته، وتم تحويل بيته إلى منتدى ثقافي ومتحف.
وأكدت وزيرة الثقافة الأردنية أن وزارتها اعتمدت في ترشيحها لهذه القامة على اهتمامها بالرعيل الأول من الأدباء والمثقفين، مثمنة اختيار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لشاعر الأردن عرار رمزًا عربيًا كان مؤسسا للحركة الشعرية الأردنية بامتدادها الثقافي العربي والإنساني.
وتستند فكرة “عاصمة الثقافة العربية” إلى أن الثقافة هي عنصر مهم في حياة المجتمع ومحور من محاور التنمية الشاملة، وتهدف إلى تنشيط المبادرات الخلاقة وتنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري، وذلك عبر إبراز القيمة الحضارية للمدينة المستضيفة لفعاليات تظاهرة عاصمة الثقافية وتنمية ما تقوم به من دور رئيسي في دعم الإبداع الفكري والثقافي تعميقا للحوار والانفتاح على ثقافات وحضارات الشعوب وتعزيز قيم التفاهم والتآخي والتسامح واحترام الخصوصية، وهو ما تجسدّه مدينة إربد بجدارة.
العرب / الحبيب الأسود كاتب تونسي

نيسان ـ نشر في 2022-03-06 الساعة 08:02

الكلمات الأكثر بحثاً