اتصل بنا
 

صبوا القهوة .. وصبوا الشاي

نيسان ـ نشر في 2022-03-16 الساعة 07:25

نيسان ـ الاغنية التراثية الاردنية التي صدحت بها النجمة سميرة توفيق منذ عقود وعلقت في وجدان الاردنيين وعززت سلوكهم حيال الضيوف لم تعد تعبر عن موقف بعض اهلنا في الارياف من الزيارات الربيعية لقراهم.. فقد سئم الناس من الزيارات التي لا تصب في اقتصاد المجتمعات المحلية وتعمل على تدمير البيئة وهلاك الزرع.. "صبوا القهوة وصبو الشاي.. واسقوا اللي زارونا.. يا مرحبا في اللي جاي.. واللي نورونا." اغنية تخلص الاهالي من تسجيلاتها واوقفوا الاستماع لها ويراجعوا بكل جدية فكرة الالتزام بما تدعوا اليه كلماتها.
تعج الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي هذه الايام باخبار وصور ومقاطع فيديو وافلام تظهر جمال الأردن ويدعو بعضها الزوار والسواح إلى زيارة هذه المواقع والاستمتاع بجمال الطبيعة والاجواء الربيعية الآسرة.
الحقيقة الصادمة أن كثيرا من سكان المناطق التي يروج لها لا يوافقون على هذا الترويج ولا يرحبون بتدفق الزوار العشوائي واجتياح افواج المتنزهين للحقول والفضاء الفسيح لا بل أن الكثير من السكان والمزارعين والاهالي يعتبرونها وبالا عليهم وعلى بيئتهم ومزروعاتهم ويتمنون لو يستطيعوا ايقاف هذا المد البشري الذي لا يخلو سلوك بعض مكوناته من التخريب والهمجية والاساءة للبيئة والناس والحياة البرية وللذوق العام والنظافة.
في أيام العطل ونهايات الاسبوع تحزم آلاف الاسر امتعتها وتتوجه نحو الاغوار ومناطق الغطاء النباتي في محافظات الشمال ومغاريب مادبا والسلط والزرقاء والمفرق حيث تكتظ الطرقات ويتكدس الجميع بين الاشجار وفي الفضاءات المتاحة مستبيحين كل ما تصل اليه إقدامهم وعجلات مركباتهم فيبادروا إلى اشعال النيران وتحويل الشوارع إلى ملاعب يحددونها بالحجارة وقطف كل زهرة وشجيرة تقع عليها عيونهم دون ادنى اكتراث إلى الملكيات الخاصة والزراعات الحقلية التي تنتظر بعض الاسر نضوجها بفارغ الصبر.
ما ان تغيب الشمس حتى يغادر المتنزهون المكان وقد نثروا قمامتهم ومخلفاتهم ورماد نيرانهم وبصمات اقدامهم وجريانهم على كل جنبات المكان ليصبح النظر اليه منفرا وعبء تنظيفه واعادته إلى الحالة التي كان عليها امرا شاقا يصعب القيام به.
بالامس جرى تداول فيديوهات لاهالي احدى اجمل مناطق الاردن التي روج لها وهم يحرثون الطرقات المؤدية إلى أراضيهم ليحولوا دون تدفق المتنزهين الذين احالوا المكان إلى مكب للنفايات بعد ان كان فضاء يسر النظر ويجلب الراحة لكل من وقعت عيونه عليه.
الآلاف من اهالي الريف الاردني يوافقون اهالي القرية التي اعلنت بطريقتها عن اعتذارها عن استقبال جموع المتنزهين الذين الحقوا الاذى ببيئتهم.
المشهد الوارد في الفيديوهات يعبر عن ازمة حقيقية وعبء يتحمله الاهالي وتتنصل منه الحكومة واجهزتها السياحية التي تود ان تقدم الاردن على انها جنة وتدعو الجميع الي دخولها دون الزامهم بالعمل الصالح..
العمل الصالح المطلوب ان يكون للتنزه عائد على القرى والبلدات التي تستقبل الناس وان يحافظ على جمال البيئة وتزود بالخدمات اللائقة ويجري حماية المزروعات التي يشقى الاهالي في ايصالها إلى مراحل من النمو الذي قد لا يكتمل بسبب الاجتياح والتعدي الجائر من قبل جمهور المتنزهين.
من غير الممكن استمرار الاوضاع على ما هي عليه وتحميل الاهالي ضريبة جمال مناطقهم وفلتان الزوار والمتنزهين بالصورة التي نراها.
نعم، يحتاج المواطن الاردني الى متنزهات عامة مجهزة بالمرافق الصحية اللائقة بالكرامة الانسانية وبالمياه واماكن الشواء ومواقف السيارات. لا يمكن لاصحاب الاراضي وسكان الريف ورعاة الاغنام ان يتحولوا الى جامعي قمامة بعد كل يوم تنزه..
المطلوب مراقبة المتنزهين والزامهم باماكن محددة وارشادهم بل والزامهم على وضع قمامتهم في سلال وحاويات يجرى جمعها قبل نهاية يوم التنزه..
اتعاطف كثيرا مع اهالي دبين وسوف وعبين وابشونة ودير علا والكورة وزبدا والعالوك والطيبة ودير ابي سعيد وام قيس وضانا وواد بن حماد وماعين ووادي شعيب وبرقش ودرب النمل وغيرها من الاماكن والمواقع الجميلة على امتداد بلدنا.
واتمنى على حكومة الاردن ووزير سياحتها الاستعجال في تنظيم هذا الشان الذي يحمل الكثير من التحديات والمخاطر.
عمون

نيسان ـ نشر في 2022-03-16 الساعة 07:25


رأي: د. صبري الربيحات

الكلمات الأكثر بحثاً