أصناف الحمقى..
نيسان ـ نشر في 2022-03-29 الساعة 12:13
نيسان ـ اختبأت الشمسُ وراء الجبال، وتركت بيوت الشعر المتناثرة على الربوة، تغرق في الظلام، إلا بيتاً متوسطاً ينبعث منه ضوء خافت من داخله ونار أمامه تطاول الجبال وما هي الا دقائق حتى تبلتع ألسنتها وتنخفض احتراماً لأدوات القهوة التي بدأت تتحضر.
انتشرت رائحة القهوة، وأخذت تتسلل اليها أشباح تصدر نحنحات وأصواتاً مقتضبة تتقافز بين الجبال، بعد أن هدأت أصوات القطعان، وتحولت أصوات الكلاب المتعبة والجائعة الى ما يشبه المواء حيث تكورت واستحالت اجسادها الى إطارات بألوان مختلفة ملقاة حول الغنم..
انتظم المجلس حول ذبالة القنديل، وصار الحضور يتقاذفون "السلامات والتماسي" فيما بينهم، والشيخ يهلّي ويرحّب بين الفينة والأخرى، ثم اتكأ وردد الترحيب بنبرة مغايرة، كأنه يريد من أحدهم أن يبدأ حديثاً غير هذا..
قال الراوي: الناس يا شيخ، في هذه الدنيا سكارى، وسكرهم سببه تكالبهم عليها الى درجة أنهم يتخلون عن عقولهم ويتبعون شهواتهم، فلا يفرقون بين حق وباطل ولا خير وشر، سائرون وراء هوى نفوسهم، حتى صاروا أقرب الى الحمق منهم الى العقل.. ثم عدل جلسته وأضاف: كنت أرعى إبلاً لي شرق سكة الحديد فدخلت الإبل في وادٍ معشب... تركتها فيه وذهبت لبعض شأني، وغبت عنها أسبوعاً، ثم عدت اليها ولم أجدها، فخمّنت اتجاهها، وركبت حصاني أطلبها حتى لحقتها عند بيت منفرد في الصحراء أمامه رجل مهيب، قلت له قبل السلام: لأمر ما تسكن وحدك في الفلاة؟!!، فقال: جِمالك أتت وحدها إليّ!!، فاستدركت خطأي من جوابه، فاعتذرت، فأقالني.. ثم عزم علي إلا أن يستضيفني، وأبيت عنده ولو ليلة، فأجبته، فيا لها من ليلة علقت تفاصيلها في ذاكرتي لا تنسى!!، كان الرجل مستودعاً للحكايات والحكمة والأعاجيب..
وكان مما حدثني به "الحمقى الثلاثة"
قال: هذه الحكمة حضرتني، لشبهها بحالك أنت وجِمالك. سمعتها من شيخ كبير من أجدادي.. يقول.. إعلم يا بني أن الحمقى في البشر كثير، وفي البهائم قليل.. ولكن الحكماء جعلوا الحمقى تحت ثلاثة أصناف يشمل كل صنف ما يشبهه ويندرج تحته:
أول الحمقى: "جمل يهرب وعند صاحبه حصان".
وهذا ما حصل مع جِمالك، ويندرج تحتها كل بطيء يهرب ممن يستطيع لحاقه بسرعة.. ويندرج تحتها الكثير من الأمثلة، مثل معارض "منفرد" مجاهر بذم الفساد ورموزه، وتحيط به سلطة غاشمة تسيطر عليه.. فإذا أوجعها انتقمت منه في كل شيء في عيشه وحريته. لأن تغول السلطة لا ينفع معه الا التحوط والعمل ضمن القانون، والتنظيم المحكم، والتخطيط السليم والنفس الطويل، حتى تستجمع القوى وتوجه العامة بطرق غير مباشرة، وتَحيُّن الوقت المناسب، حتى تحقق المعارضة أهدافها.
أما الثاني: فامرأة تترك بيت زوجها وتذهب الى أهلها ولزوجها امرأة أخرى..
فهو لن يهتم لها ولا لغيابها، وغالباً هي لن تستطيع الضغط عليه، لأن البديل حاضر.. وكذا الجماعة إذا انعزلت عن التعامل مع السلطة "الواقع السياسيّ"، فلن تلقي السلطة لها بالا لأن هناك من يسد مسدها ويقوم بدورها من المتسلقين والمأجورين والباحثين عن المناصب..
أما الأحمق الثالث: فهو الذي يحاول أخذ حق غيره..
وهذا هو الحمق الكبير، سواء كان الأحمق كبيراً أو صغيراً، متنفذاً كان أو "جربوعاً"، فالحقوق محفوظة ولن يستطيع شخص السيطرة على حق غيره، وخاصة إذا كان فاسداً كبيراً متنفذاً يتسلط على حقوق الشعب، فهو أشد حمقاً، وحمقه يكمن في أن حقوق الشعوب لا تسلب بسهولة، ثم إنن سلبها إن كان سياسياً يفقده الشرعية ولا بد للشعوب من استرداد حقوقها مهما طال الزمن، والخاسر الأول والأخير هو الأحمق الكبير.
قطع الراوي كلامه على نباح الكلاب وثغاء الأغنام، وأصوات منكرة، فأهرع الرجال اليها، وانفضت السهرة.. لعلها الضباع هاجمت القطيع.!!
انتشرت رائحة القهوة، وأخذت تتسلل اليها أشباح تصدر نحنحات وأصواتاً مقتضبة تتقافز بين الجبال، بعد أن هدأت أصوات القطعان، وتحولت أصوات الكلاب المتعبة والجائعة الى ما يشبه المواء حيث تكورت واستحالت اجسادها الى إطارات بألوان مختلفة ملقاة حول الغنم..
انتظم المجلس حول ذبالة القنديل، وصار الحضور يتقاذفون "السلامات والتماسي" فيما بينهم، والشيخ يهلّي ويرحّب بين الفينة والأخرى، ثم اتكأ وردد الترحيب بنبرة مغايرة، كأنه يريد من أحدهم أن يبدأ حديثاً غير هذا..
قال الراوي: الناس يا شيخ، في هذه الدنيا سكارى، وسكرهم سببه تكالبهم عليها الى درجة أنهم يتخلون عن عقولهم ويتبعون شهواتهم، فلا يفرقون بين حق وباطل ولا خير وشر، سائرون وراء هوى نفوسهم، حتى صاروا أقرب الى الحمق منهم الى العقل.. ثم عدل جلسته وأضاف: كنت أرعى إبلاً لي شرق سكة الحديد فدخلت الإبل في وادٍ معشب... تركتها فيه وذهبت لبعض شأني، وغبت عنها أسبوعاً، ثم عدت اليها ولم أجدها، فخمّنت اتجاهها، وركبت حصاني أطلبها حتى لحقتها عند بيت منفرد في الصحراء أمامه رجل مهيب، قلت له قبل السلام: لأمر ما تسكن وحدك في الفلاة؟!!، فقال: جِمالك أتت وحدها إليّ!!، فاستدركت خطأي من جوابه، فاعتذرت، فأقالني.. ثم عزم علي إلا أن يستضيفني، وأبيت عنده ولو ليلة، فأجبته، فيا لها من ليلة علقت تفاصيلها في ذاكرتي لا تنسى!!، كان الرجل مستودعاً للحكايات والحكمة والأعاجيب..
وكان مما حدثني به "الحمقى الثلاثة"
قال: هذه الحكمة حضرتني، لشبهها بحالك أنت وجِمالك. سمعتها من شيخ كبير من أجدادي.. يقول.. إعلم يا بني أن الحمقى في البشر كثير، وفي البهائم قليل.. ولكن الحكماء جعلوا الحمقى تحت ثلاثة أصناف يشمل كل صنف ما يشبهه ويندرج تحته:
أول الحمقى: "جمل يهرب وعند صاحبه حصان".
وهذا ما حصل مع جِمالك، ويندرج تحتها كل بطيء يهرب ممن يستطيع لحاقه بسرعة.. ويندرج تحتها الكثير من الأمثلة، مثل معارض "منفرد" مجاهر بذم الفساد ورموزه، وتحيط به سلطة غاشمة تسيطر عليه.. فإذا أوجعها انتقمت منه في كل شيء في عيشه وحريته. لأن تغول السلطة لا ينفع معه الا التحوط والعمل ضمن القانون، والتنظيم المحكم، والتخطيط السليم والنفس الطويل، حتى تستجمع القوى وتوجه العامة بطرق غير مباشرة، وتَحيُّن الوقت المناسب، حتى تحقق المعارضة أهدافها.
أما الثاني: فامرأة تترك بيت زوجها وتذهب الى أهلها ولزوجها امرأة أخرى..
فهو لن يهتم لها ولا لغيابها، وغالباً هي لن تستطيع الضغط عليه، لأن البديل حاضر.. وكذا الجماعة إذا انعزلت عن التعامل مع السلطة "الواقع السياسيّ"، فلن تلقي السلطة لها بالا لأن هناك من يسد مسدها ويقوم بدورها من المتسلقين والمأجورين والباحثين عن المناصب..
أما الأحمق الثالث: فهو الذي يحاول أخذ حق غيره..
وهذا هو الحمق الكبير، سواء كان الأحمق كبيراً أو صغيراً، متنفذاً كان أو "جربوعاً"، فالحقوق محفوظة ولن يستطيع شخص السيطرة على حق غيره، وخاصة إذا كان فاسداً كبيراً متنفذاً يتسلط على حقوق الشعب، فهو أشد حمقاً، وحمقه يكمن في أن حقوق الشعوب لا تسلب بسهولة، ثم إنن سلبها إن كان سياسياً يفقده الشرعية ولا بد للشعوب من استرداد حقوقها مهما طال الزمن، والخاسر الأول والأخير هو الأحمق الكبير.
قطع الراوي كلامه على نباح الكلاب وثغاء الأغنام، وأصوات منكرة، فأهرع الرجال اليها، وانفضت السهرة.. لعلها الضباع هاجمت القطيع.!!
نيسان ـ نشر في 2022-03-29 الساعة 12:13
رأي: صابر العبادي