اتصل بنا
 

الهندسة الحزبية (1)

نائب في البرلمان الأردني

نيسان ـ نشر في 2022-04-10 الساعة 08:13

نيسان ـ يتم استخدام تعبير «الهندسة الانتخابية» بدلالة سلبية تومئ الى تدخل الجهات الأمنية لترتيب الانتخابات بطريقة تفضي الى النتائج التي تريدها دون الاضطرار الى تزوير الانتخابات.
هذا مع أن التعبير نفسه يمكن ان يستخدم بدلالات مفيدة لنمط آخر من التدخل في الانتخابات لغايات إيجابية عامّة تخلص الانتخابات من السلبيات وتحقق اهداف الإصلاح والتحديث السياسي. ففي واقع متخلف كواقعنا قد لا يكون الانتقال بالنظام السياسي الى الديمقراطية الحزبية والتداول على السلطة التنفيذية بين اقلية واغلبية برلمانية ممكنا دون تدخل الدولة بالأدوات التشريعية والأنظمة والتعليمات والخطط لصنع الحوافز وصنع الردع (عن العادات السلبية) والتوجيه نحو التغيير المنشود.
تصر بعض الأصوات من المعارضة المتشددة (أو العدمية اذا اردنا توصيفا صريحا لها) على اننا لا نحتاج الا لشيء واحد هو الحريات السياسية والانتخابات النزيهة وكفّ يد الدولة عن التدخل لتسير الأمور نحو الأفضل أي كان النظام الانتخابي. لكنّ تقييما منصفا لواقع المجتمع والأفراد والثقافة السائدة وسلوك المرشحين والناخبين يقول ان الأمر ليس ابدا بهذه البساطة. والتجربة العيانية تقول اننا قادرون على إعادة انتاج التخلف بقوة الاندفاع الذاتي للأفكار والعادات والتقاليد القديمة الى ما شاء الله. وأن المال الأسود وشراء الأصوات يمكن ان يعم ويطم مع حياد الدولة التام. ويمكن للمراقب ان يرى هذا الاتجاه يسود تلقائيا وتذهب المبادئ والبرامج والنزاهة والكفاءة الى المزابل لأن العملة الرديئة تطرد الجيدة تلقائيا على طول الطريق. وليس ادلّ على ذلك من فشل دول الربيع العربي في بناء نظام جديد ديمقراطي تعددي مستقر بمجرد اطاحة النظام القديم. ناهيك عن النجاح في القضاء على الفساد ودفع عجلة الاقتصاد والتنمية.
قانون الانتخاب الجديد والأنظمة التي ستصدر بموجبه جزء من الهندسة الانتخابية بالمعنى الإيجابي المقصود. بل أننا ومن وجهة نظري كنا نحتاج الى تصميم نظام انتخابي مركبا بصورة أكثر تعقيدا وتداخلا مما فعلنا لضمان أن العملية السياسية – الانتخابية ستدخل بصورة دقيقة ومحكمة في مسار اجباري لبلوغ الهدف المنشود وهو بروز كتل نيابية سياسية رئيسية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
لكن ما تمّ اقراره يترك جزءا مهما مفتوحا على الاحتمالات وفقا لسلوك المجتمع والأفراد والأحزاب. وسيعتمد الى درجة كبيرة على تأهل الأحزاب بصورة مناسبة لخوض الانتخابات. وهنا نصبح وجها لوجهة أمام ما نطلق عليه إسم «الهندسة الحزبية « وبالمعنى الإيجابي أيضا. فدون برمجة لعملية تحفيز وتوجيه طوال المهلة المقررة للأحزاب لتصويب أوضاعها وصولا لبروز حزب او تحالف حزبي يمثل كل تيار رئيس في المجتمع فعملية التحديث السياسي تواجه مخاطر الفشل.
حتى لو كان صحيحا ما يقال عن تدخل الدولة لدعم تشكيل هذا الحزب أو اندماج هذا وذاك فهذا لا يضير لكنه ليس الهندسة الحزبية المقصودة وغدا سيكون الامتحان في الانتخابات حين تصبح المصالح الشخصية والفردية هي المقرر في غياب مؤسسية سياسية مكينة لكل تيار سياسي – اجتماعي. الهندسة الحزبية هي عملية ذكية محايدة تستهدف تمكين أفضل الممارسات في البناء السياسي – الحزبي عبر محطاته المختلفة وآخرها الاستحقاق الانتخابي.
الدستور

نيسان ـ نشر في 2022-04-10 الساعة 08:13


رأي: جميل النمري نائب في البرلمان الأردني

الكلمات الأكثر بحثاً