التحولات التركية: قبول إقليمي 'محدود' وشكوك دولية 'عميقة'
عمر الرداد
كاتب وخبير أمني
نيسان ـ نشر في 2022-04-12 الساعة 15:38
نيسان ـ تطرح التحولات العميقة في سياسات الرئيس التركي رجب أردوغان تجاه العديد من الملفات والقضايا الدولية والإقليمية، تساؤلات ليست حول أسباب تلك التحولات لكونها مرتبطة بما يوصف بـ "براغماتية" غير مسبوقة في السياسات وبناء التحالفات الإقليمية والدولية والتراجع عنها بزمن قياسي، وهي سياسات انتهجها أردوغان منذ وصوله الى سدة الحكم، بمرجعيات مصالح حزبية وأخرى مرتبطة بالمصالح العليا للدولة التركية، لكن تلك التساؤلات تركز على محاولة اجتراح إجابات حول مدى جدية تلك التحولات، وهل تعكس تحولاً حقيقياً فرضته مصالح تركيا العليا، أم أنها مجرد محطات مؤقتة يمكن أن يتراجع عنها الرئيس التركي بتغير الظروف التي استدعت تلك الانقلابات والتحولات؟
في الحديث عن المرجعيات حول تحولات السياسات التركية يبرز عنوانان، شكّلا ضغوطاً حقيقية على أردوغان، الأول: الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تتجاوز مسألة قيمة الليرة التركية أمام الدولار واليورو، بازدياد الديون الخارجية وارتفاع نسب التضخم والبطالة، وتواضع نتائج استقطاب استثمارات تسهم في إنقاذ الاقتصاد التركي، والثاني: الاستعداد للانتخابات المقرر إجراؤها العام المقبل، في ظل استطلاعات رأي عام تشير إلى أنّ فرص فوز أردوغان وحزبه لم تعد مؤكدة، على خلفية تفاقم الأزمات الاقتصادية، لا سيما وأنّ تداعياتها تضرب عميقاً في أوساط القواعد الانتخابية لأردوغان في الأرياف.
كان استئناف علاقات أنقرة مع إسرائيل وإدانة العمليات التي نفذها فلسطينيون في تل أبيب عنواناً لا يقل أهمية عن تحولات أنقرة مع الدول العربية
لا شك أنّ أردوغان نجح إلى حد كبير في "مصالحات" مع خصومه في الإقليم (السعودية، مصر والإمارات)، بعد إجراءات كان آخرها إغلاق ملف مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في إسطنبول قبيل زيارة متوقعة للرياض، وذلك بعد اتخاذه إجراءات أخرى كان عنوانها "تفكيك" علاقاته التحالفية مع جماعة الإخوان المسلمين، "ليس التنظيم الدولي وتنظيم الاخوان المصريين" بل وحتى تنظيمات إخوانية أخرى من بينها "إخوان سوريا"، فيما كان استئناف علاقات أنقرة مع إسرائيل وإدانة العمليات التي نفذها فلسطينيون في تل أبيب، عنواناً لا يقل أهمية عن تحولات أنقرة مع الدول العربية، رغم ما أثاره هذا العنوان من ردود فعل ناقدة للرئاسة التركية من قبل الإخوان المسلمين تحديداً.
اقرأ أيضاً: رسائل يبعث بها قيس سعيد إلى أردوغان على طريقته
بيد أنّ العنوان الأبرز في التحولات التركية كان الموقف من "الغزو" الروسي لأوكرانيا، هذا الموقف الذي تم بناؤه من قبل الرئيس التركي بحسابات دقيقة وعميقة تضاهي صورة لاعب السيرك، في ظل مرجعيات من بينها: عضوية تركيا في حلف الأطلسي واستثمار "الغزو" الروسي بما يفتح أفقاً للعلاقات "الباردة" بين أنقرة وواشنطن، رغبة أنقرة ببناء علاقات طبيعية مع دول الاتحاد الأوروبي، بعد تصعيد مع اليونان على خلفية التنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط، والحفاظ على علاقات "دافئة" مع موسكو وكييف، لا سيما في ظل حالة اشتباك ومنظومة مصالح لأنقرة مع موسكو في سوريا وليبيا، وعلاقات اقتصادية وأخرى عسكرية، تحرص أنقرة على إدامتها.
الموقف التركي هذا يبدو أنه يحظى بحالة من رضا واشنطن ودول أوروبية، بالإضافة الى أوكرانيا وروسيا؛ إذ ورغم بيع تركيا طائرات "بيرقدار" للقوات الأوكرانية، ورفضها للحرب الروسية على أوكرانيا، وإغلاقها مضيق البوسفور أمام السفن الحربية، إلا أنّ موسكو وافقت على وساطة تركيا وتم عقد مفاوضات مع كييف في تركيا، بما فيها لقاء وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا، فيما كان توجه واشنطن لبيع طائرات "اف 16" لتركيا عنواناً لحجم رضا واشنطن عن أداء انقرة، بما في ذلك موقفها تجاه "الغزو" الروسي لأوكرانيا، كما كانت زيارة المستشار الألماني "شولتز" لأنقرة تأكيداً على الأهمية التي ينظر بها الأوروبيون لدور أنقرة المحوري.
في الوقت الذي تقابل هذه التحولات بمستويات مقبولة من الثقة في الرياض والقاهرة وأبوظبي، رغم استمرار بعض الملفات العالقة، إلا أنها ما زالت محط شكوك من قبل واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي
ومن الواضح أنّ تركيا تحصد العديد من المكاسب جراء تحولاتها، فمن جهة نالت رضا واشنطن، بعد مرحلة من الشكوك والتهديد بعقوبات على أنقرة، لاسيما منذ صفقة صواريخ "إس 400" مع موسكو، وبتزامن يبدو أنه غير بعيد عن "تنسيق مسبق" بين أنقرة وواشنطن والعواصم الأوروبية، فقد بات مؤكداً أنّ تركيا لن تنضم لغالبية العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا، بدلالة انتقال العديد من الشركات وأصحاب المليارات الروس إلى تركيا، وهو ما سيسهم في مواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، فيما تواصل أنقرة دورها في الوساطة بين موسكو وكييف للاتفاق على إنهاء الحرب، ولا يستبعد أن تكون عنواناً لاتفاق محتمل بين موسكو وكييف.
ورغم أنّ هذه التحولات التركية التي تتواصل مؤشرات تنفيذية على جديتها واحتمالات ديمومتها، إلا أنّ ذلك لا يغيب حقيقة وجود فجوات بين الموقفين الإقليمي والدولي الذي تمثله واشنطن والدول الأوروبية، ففي الوقت الذي تقابل هذه التحولات بمستويات مقبولة من الثقة في الرياض، والقاهرة وأبوظبي، ورغم استمرار بعض الملفات العالقة، إلا أنها ما زالت محط شكوك من قبل واشنطن وبصورة أكبر من دول الاتحاد الأوروبي، فرغم ميول أنقرة الى جانب أوكرانيا ضد "الغزو" الروسي، إلا أنها ظهرت بصورة عضو غير أساسي في حلف الناتو، فيما طرحت مناقشات دول الاتحاد الأوروبي حول إمكانية انضمام أوكرانيا الى منظومة الاتحاد مقابل تجاهل طلبات أنقرة المتكررة للانضمام الى الاتحاد، بعد التحولات التركية، تساؤلات حول المطلوب من تركيا لقبول انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما تدركه أنقرة، وأنه ربما لا يتحقق في المدى المنظور، لا سيما وأنّ مشروع "العثمانية الجديدة" التركي ما يزال مرجعية في صناعة السياسات الأوروبية، بالتزامن مع تنامي اتجاهات يمينية في أوساط الأحزاب الأوروبية.
في الحديث عن المرجعيات حول تحولات السياسات التركية يبرز عنوانان، شكّلا ضغوطاً حقيقية على أردوغان، الأول: الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تتجاوز مسألة قيمة الليرة التركية أمام الدولار واليورو، بازدياد الديون الخارجية وارتفاع نسب التضخم والبطالة، وتواضع نتائج استقطاب استثمارات تسهم في إنقاذ الاقتصاد التركي، والثاني: الاستعداد للانتخابات المقرر إجراؤها العام المقبل، في ظل استطلاعات رأي عام تشير إلى أنّ فرص فوز أردوغان وحزبه لم تعد مؤكدة، على خلفية تفاقم الأزمات الاقتصادية، لا سيما وأنّ تداعياتها تضرب عميقاً في أوساط القواعد الانتخابية لأردوغان في الأرياف.
كان استئناف علاقات أنقرة مع إسرائيل وإدانة العمليات التي نفذها فلسطينيون في تل أبيب عنواناً لا يقل أهمية عن تحولات أنقرة مع الدول العربية
لا شك أنّ أردوغان نجح إلى حد كبير في "مصالحات" مع خصومه في الإقليم (السعودية، مصر والإمارات)، بعد إجراءات كان آخرها إغلاق ملف مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في إسطنبول قبيل زيارة متوقعة للرياض، وذلك بعد اتخاذه إجراءات أخرى كان عنوانها "تفكيك" علاقاته التحالفية مع جماعة الإخوان المسلمين، "ليس التنظيم الدولي وتنظيم الاخوان المصريين" بل وحتى تنظيمات إخوانية أخرى من بينها "إخوان سوريا"، فيما كان استئناف علاقات أنقرة مع إسرائيل وإدانة العمليات التي نفذها فلسطينيون في تل أبيب، عنواناً لا يقل أهمية عن تحولات أنقرة مع الدول العربية، رغم ما أثاره هذا العنوان من ردود فعل ناقدة للرئاسة التركية من قبل الإخوان المسلمين تحديداً.
اقرأ أيضاً: رسائل يبعث بها قيس سعيد إلى أردوغان على طريقته
بيد أنّ العنوان الأبرز في التحولات التركية كان الموقف من "الغزو" الروسي لأوكرانيا، هذا الموقف الذي تم بناؤه من قبل الرئيس التركي بحسابات دقيقة وعميقة تضاهي صورة لاعب السيرك، في ظل مرجعيات من بينها: عضوية تركيا في حلف الأطلسي واستثمار "الغزو" الروسي بما يفتح أفقاً للعلاقات "الباردة" بين أنقرة وواشنطن، رغبة أنقرة ببناء علاقات طبيعية مع دول الاتحاد الأوروبي، بعد تصعيد مع اليونان على خلفية التنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط، والحفاظ على علاقات "دافئة" مع موسكو وكييف، لا سيما في ظل حالة اشتباك ومنظومة مصالح لأنقرة مع موسكو في سوريا وليبيا، وعلاقات اقتصادية وأخرى عسكرية، تحرص أنقرة على إدامتها.
الموقف التركي هذا يبدو أنه يحظى بحالة من رضا واشنطن ودول أوروبية، بالإضافة الى أوكرانيا وروسيا؛ إذ ورغم بيع تركيا طائرات "بيرقدار" للقوات الأوكرانية، ورفضها للحرب الروسية على أوكرانيا، وإغلاقها مضيق البوسفور أمام السفن الحربية، إلا أنّ موسكو وافقت على وساطة تركيا وتم عقد مفاوضات مع كييف في تركيا، بما فيها لقاء وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا، فيما كان توجه واشنطن لبيع طائرات "اف 16" لتركيا عنواناً لحجم رضا واشنطن عن أداء انقرة، بما في ذلك موقفها تجاه "الغزو" الروسي لأوكرانيا، كما كانت زيارة المستشار الألماني "شولتز" لأنقرة تأكيداً على الأهمية التي ينظر بها الأوروبيون لدور أنقرة المحوري.
في الوقت الذي تقابل هذه التحولات بمستويات مقبولة من الثقة في الرياض والقاهرة وأبوظبي، رغم استمرار بعض الملفات العالقة، إلا أنها ما زالت محط شكوك من قبل واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي
ومن الواضح أنّ تركيا تحصد العديد من المكاسب جراء تحولاتها، فمن جهة نالت رضا واشنطن، بعد مرحلة من الشكوك والتهديد بعقوبات على أنقرة، لاسيما منذ صفقة صواريخ "إس 400" مع موسكو، وبتزامن يبدو أنه غير بعيد عن "تنسيق مسبق" بين أنقرة وواشنطن والعواصم الأوروبية، فقد بات مؤكداً أنّ تركيا لن تنضم لغالبية العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا، بدلالة انتقال العديد من الشركات وأصحاب المليارات الروس إلى تركيا، وهو ما سيسهم في مواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، فيما تواصل أنقرة دورها في الوساطة بين موسكو وكييف للاتفاق على إنهاء الحرب، ولا يستبعد أن تكون عنواناً لاتفاق محتمل بين موسكو وكييف.
ورغم أنّ هذه التحولات التركية التي تتواصل مؤشرات تنفيذية على جديتها واحتمالات ديمومتها، إلا أنّ ذلك لا يغيب حقيقة وجود فجوات بين الموقفين الإقليمي والدولي الذي تمثله واشنطن والدول الأوروبية، ففي الوقت الذي تقابل هذه التحولات بمستويات مقبولة من الثقة في الرياض، والقاهرة وأبوظبي، ورغم استمرار بعض الملفات العالقة، إلا أنها ما زالت محط شكوك من قبل واشنطن وبصورة أكبر من دول الاتحاد الأوروبي، فرغم ميول أنقرة الى جانب أوكرانيا ضد "الغزو" الروسي، إلا أنها ظهرت بصورة عضو غير أساسي في حلف الناتو، فيما طرحت مناقشات دول الاتحاد الأوروبي حول إمكانية انضمام أوكرانيا الى منظومة الاتحاد مقابل تجاهل طلبات أنقرة المتكررة للانضمام الى الاتحاد، بعد التحولات التركية، تساؤلات حول المطلوب من تركيا لقبول انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما تدركه أنقرة، وأنه ربما لا يتحقق في المدى المنظور، لا سيما وأنّ مشروع "العثمانية الجديدة" التركي ما يزال مرجعية في صناعة السياسات الأوروبية، بالتزامن مع تنامي اتجاهات يمينية في أوساط الأحزاب الأوروبية.
نيسان ـ نشر في 2022-04-12 الساعة 15:38
رأي: عمر الرداد كاتب وخبير أمني