العمال شركاء في ثقافة التنمية المستدامة
نيسان ـ نشر في 2022-05-04 الساعة 15:27
نيسان ـ على مر التاريخ، تتطور الأعمال والاقتصادات بصورة متوازية مع تطوّر حياة الإنسان وتكشّف حقوق الإنسان التي تراعي مع مرور الوقت المنظومات المتجددة من الإدارة والاقتصاد والسياسات وما تعكسها من أبعاد ثقافية واجتماعية وبيئية. فقد حقّقت "الأعمال" مستويات معيشية أفضل وأمّنت احتياجات المجتمعات، ما مكّن الناس من الوصول إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعزّز التنمية وحرر الكثير من شعوب الأرض من العوز، والجوع، ورقة الحال.
ولكن، وفي كل مرحلة ننتقل فيها من شكل لآخر من أشكال الثورة الصناعية، نواجه تحدياً رئيسياً لوجود ثغرات في الإدارة التي لا تراعي حقوق الإنسان، ومن بينها حقوق العمال، الموارد البشرية العصب المحوري لأي عمل اقتصادي كان، على اعتبارهم أنهم أدوات في "معادلة الربح" وليسوا شركاء فيها، حتى وإن تسللت "الآلة" إلى معظم مهامهم وابتلعت ملايين الوظائف تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي" والرقمي.
إن اعتبار العمال شركاء في عمليات الاقتصاد وأعماله، يعني حوكمة رشيدة دائمة لكافة القطاعات، يضع فرصة دائمة لأن يكون أي تطور لصالحهم ولصالح مجتمعاتهم وتنميتها بصورة عادلة ومنصفة، لتصبح عمليات الإنتاج أكثر كفاءة وجودة؛ بالسرعة، والكلفة، والجهد الأقل، ما يصب في رفع إنتاجهم في زيادة رفاههم وأمنهم الاقتصادي، وتنمية مستدامة لهم وللأجيال القادمة.
إلا أنه وعند تسلل الأنظمة الذكية والأتمتة والذكاء الصناعي إلى أعمال العمال هؤلاء، فإننا نجد أن العمال يعاملون على ميزان العرض والطلب، مثلهم كمثل سلعة على رف متجر إلكتروني، ما يهدد وظائفهم ودخولهم وائتمانهم المالي فأمنهم وسلمهم المجتمعي. في الواقع، إن لم يتم الإشراف على أنشطة الأعمال الاقتصادية، التجارية والصناعية على حد سواء عبر أطر مساءلة وحوكمة أكثر دقة وحصافة وإنسانية، قد تنطوي ليس على استغلال العمال فحسب بل على مستهلكي المنتجات أو الخدمات أيضاً، وذلك ينجر إلى ثراءات فاحشة تعمل على الاستيلاء على الموارد الطبيعية والبيئية التي بدأت تضمحل شيئاً فشيئاً، وتقتص من حقوق المجتمعات المحلية فيها، وتنتهكها وتفاقم عدم المساواة وغيرها من الإساءات التي قوّضت حقّنا في بيئة سليمة في عصر ثورة المعرفة وقرابة 8 مليار إنسان على وجه الأرض.
يدرك جميع من هنا اليوم أنّ الوقت قد حان للانتقال من مجرّد إبداء الاهتمام بالالتزام بهذا النوع من الأطر إلى عمل الفعليّ لتنفيذها، لا بل وتطويرها وتجديدها للحفاظ على اتساقها مع حاجة العمال. ونحتاج إلى إجراءات تعتمدها الدول، والسياسات والاقتصادات، كي تمرّر أو تدعم التشريعات التي تمتثل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والمعايير العمّالية التي تحمي العمّال والمجتمعات المتأثرة، في الداخل والخارج. كما ينبغي أن تشمل سياسات وتنظيمات وأحكام فعّالة، وحوافز اقتصادية وأن توجّه وتشجّع الحوار بين الجهات الفاعلة المعنيّة في تطوير الأعمال، والتنمية المستدامة مستلهمة ذلك من أهداف التنمية المستدامة الـ17، والأركان الثلاثة لمبادئ الأمم المتّحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وهي "الحماية والاحترام والانتصاف"، كي لا تبقى حبرًا على ورق.
فعلى الرغم من أن المزيد من الشركات تعترف بمسؤوليتها المشتركة باحترام حقوق الإنسان، وتبذل العناية الواجبة لمراعاة حقوق الإنسان، بالمسؤولية المجتمعية، إلا أننا لا نزال نشهد حتى اليوم ممارسات اقتصادية غير قائمة على مبادئ حقوقية تولّد معاناة إنسانية يمكن الوقاية منها، وتعيق التنمية الشاملة والمستدامة، وتغذّي عدم المساواة.
ففي كلّ من البلدان المتقدمة والنامية على حدّ سواء، نشهد غضباً محتقنا من استبعاد الناس عن صنع القرار، ومن الفساد، والبطالة، ومن تفاقم انعدام العدالة المساواة التي تؤدّي إلى استبعاد ملايين الأشخاص وعدم شملهم في التنمية وتردّي أوضاعهم أكثر يوماً بعد يوم.
إنّ معالجة هذه القضايا أساسيّة بالنسبة إلى حقوق الإنسان، لكنها أيضًا مسألة عملية للغاية بالنسبة إلى مصلحة كلّ مؤسسة حكومية كانت أم غير حكومية، ربحية أو غير ربحية. إذ يشكّل انعدام العدالة وعدم المساواة إهانة للحقوق، ويؤدّي إلى ترسخ مظالم الناس، ما يخلق توترات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وتمنع كل فرد من أفراد المجتمع من المشاركة الكاملة في مجتمعه. فتقاعس الدول، وحكوماتها والممارسات الاقتصادية، عن إشراك العمال، والعمال المحتملين من الشباب، في عملية تكييف التكنولوجيا والأنظمة الذكية لتوفير فرص عمل متجددة لهم بدلاً من تكديسهم في سوق لا يراهم سوى متعطلين متبطلين عن العمل، أمر يزيد من فرص دوران حلقة من سبب ونتيجة فيها تدهور بيئي-اقتصادي-اجتماعي وتولّد مستمر لمعاناة للأفراد والمجتمعات. حيث إن مواجهة أشكال انعدام العدالة البيئية والحقوقية والعمالية الاقتصادية، عبر اتّخاذ إجراءات عملية فعلية، من عناصر التماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة الأساسية وصلب عملية الحوكمة الرشيدة.
الثورة الرقمية.. وأزمة الثقة في الأعمال والعمال
علينا أن ندرك تمامًا فوائد الثورة الرقميّة، ولكنّ بعض جوانبها الأسوأ يهدّد حقوق الإنسان عموماً والعمال خصوصاً بطريقة متزايدة. فخطابات الكراهية والمضايقات تتفشّى أكثر فأكثر عبر الإنترنت، وقد تترجم عنفًا وكراهية في العالم الحقيقي، كما تستهدف في بعض الأحيان مجتمعات أو مجموعات سكانية بأكملها. ويؤدي استخدام الحكومات والشركات والجهات الفاعلة الخاصة الأخرى المراقبة الجماعية إلى تفاقم التمييز وانتهاك الحقّ في الخصوصية ومجموعة واسعة جدًا من الحقوق الأخرى، وإلى جمع البيانات الشخصيّة وسوء استخدامها، بما في ذلك التلاعب بالإرادة الحرة للمجتمعات في القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما يشكل ثقافة كاملة من "اللاثقة" تهدم قواعد العيش والسلم والأمن فالتنمية والتقدّم.
وتستخدم حاليًّا العمليات القائمة على الآلة والذكاء الاصطناعي في أنظمة الحماية الاجتماعية والعدالة الجنائية في جميع أنحاء العالم، وفي التأمين الصحي والمصرفي والطاقة وغيرها، وهي تساهم في العديد من الحالات، في تكثيف أوجه عدم المساواة وأشكال انعدام العدالة من خلال التحيز التلقائيّ غير المقصود –بحسن نية-.
ولا يمكن أن نعتبر أنّ هذه العملية لا تعني حقوق الإنسان لمجرّد أنّها رقمية. فحقوق الإنسان عالمية، وهي للجميع أينما كانوا، وهذه الحقيقة مطلقة إن على الإنترنت إم في الشارع. وبالتالي، يجب أن ندمج ضمانات حقوق الإنسان في جميع هذه النظم منذ بدايتها، وتنفيذها فورًا وعلى كافة المستويات، وهذا حق للعمال، العاملين في كل القطاعات، أن تصل الحوكمة والأنسنة إلى قواعد البيانات وأنظمة المعلومات جميعها.
الثورة الرقمية أيضاً، بدأت بابتلاع الوظائف التقليدية، وعولمت الموارد البشرية التي تتزايد بشكل متسارع، ما جعل قيمة العامل تؤول للصفر إذا ما حل عنه أكثر من بديل منافس لفرصة عمله المهددة بحد ذاتها بالزوال. كل ذلك يصنع حالة من "اللاثقة" التي يترتب عليها إنتاج هزيل وعامل خائف من خسارة قوت يومه. الثقة أو انعدامها يصنعان ثقافة لا تؤمن بالتنمية العادلة وتعزز نزعة التنافسية الغرائزية، ما يعني أنها ثقافة تدعو للعنف وحرب شاملة على مستوى المجتمعات وليس الدول والاقتصادات فحسب.
نحتاج اليوم إلى ردود أقوى من حكومات العالم وتوافقات دولية تنطوي على سياسات تفرض حماية لحقوق الإنسان وحق العمل والعمال. ونحتاج إلى شركات تكنولوجية توظف دورها وتحترمه في منظومة حقوق الإنسان المتكاملة.
أجندة عمل.. لبناء الثقة والسير في التنمية
لدينا اليوم كأردنيين أجندات وأطر عمل واضحة تساند الدولة والمؤسسات والشركات فتضمن أن يعمل عالمنا المعولم خدمة لمصلحة للجميع. فخطّة التنمية المستدامة للعام 2030 متجذّرة في العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. كما توفر مصفوفة المبادئ الحقوقية والتنموية وحوكمة الإدارة والأعمال خارطة طريق لاقتصاد عالمي يحمي ويحترم حقوق الإنسان ويحقّق مستقبلًا عادلًا وسلميًا ومستدامًا للجميع.
على الدول أن تحمي الإنسان، وعلى الشركات ورأسماليات الربح أن تحترمه. كما يجب جبر ضرر من تأذّى عبر منظومة عدالة عمالية محقّة، إنه من الضروري اليوم أن ندعو لإجراءات قانونية هامة تتّخذها عدد من دول العالم، وتفرض على الشركات أن تبذل العناية الواجبة لمراعاة حقوق الإنسان بهدف منع أنشطة الشركات من التأثير سلبيًا على الأشخاص ومكافحة الاتجار بالبشر والرقّ المعاصر في سلاسل التوريد وحماية سلاسل القيمة ومعالجتها.
نحن في الأردن بحاجة إلى سياسة وإجراءات تشريعية متماسكة، فالمملكة ملزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والشرعة الدولية بأن تحمي الأشخاص من انتهاكات الشركات والمؤسسات لحقوقهم التي يتمتعون بها. وتوضح المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة أنه على الدول أن تراعي ضمن "مصفوفة ذكية" من التدابير الوطنية والدولية، الإلزامية والطوعية، كي تفي بهذا الواجب، وتعزّز احترام شركات الأعمال لحقوق الإنسان والعمال.
يدرك الشباب أنهم يتحمّلون مسؤولية معالجة انتهاكات حقوق الإنسان وثغرات التنمية وانعدام العدالة في المؤسسات من حولهم ونجدهم قد بدأوا في ممارسة الضغوط لإحداث التغيير في هذا الاتّجاه، من خلال الابتكار والريادة لمحاصرة الاحتكار وتحدي سوق العمل التقليدي الذي يسلّعهم ويساومهم على رواتبهم.
وندرك – نحن الشباب- أنه يمكننا أن نحقّق تلك الالتزامات الطموحة لدولنا وبيئاتنا ومجتمعاتنا، ويمكننا القضاء على الفقر المدقع والاستثمار في الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وضمان أن نشمل الجميع من دون أيّ استثناء. وألا نترك أحداً خلف الركب، لكنّنا بحاجة إلى الاعتماد على كلّ الأطراف في عمليات الإنتاج والاقتصاد والتنمية، كشركاء وليس كأدوات، ووضع احترام حقوق الإنسان في قلب عملنا المشترك كي نحقّق الغاية بتنمية مستدامة تجعلها القوى العاملة ثقافة راسخة ومتجددة.
ولكن، وفي كل مرحلة ننتقل فيها من شكل لآخر من أشكال الثورة الصناعية، نواجه تحدياً رئيسياً لوجود ثغرات في الإدارة التي لا تراعي حقوق الإنسان، ومن بينها حقوق العمال، الموارد البشرية العصب المحوري لأي عمل اقتصادي كان، على اعتبارهم أنهم أدوات في "معادلة الربح" وليسوا شركاء فيها، حتى وإن تسللت "الآلة" إلى معظم مهامهم وابتلعت ملايين الوظائف تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي" والرقمي.
إن اعتبار العمال شركاء في عمليات الاقتصاد وأعماله، يعني حوكمة رشيدة دائمة لكافة القطاعات، يضع فرصة دائمة لأن يكون أي تطور لصالحهم ولصالح مجتمعاتهم وتنميتها بصورة عادلة ومنصفة، لتصبح عمليات الإنتاج أكثر كفاءة وجودة؛ بالسرعة، والكلفة، والجهد الأقل، ما يصب في رفع إنتاجهم في زيادة رفاههم وأمنهم الاقتصادي، وتنمية مستدامة لهم وللأجيال القادمة.
إلا أنه وعند تسلل الأنظمة الذكية والأتمتة والذكاء الصناعي إلى أعمال العمال هؤلاء، فإننا نجد أن العمال يعاملون على ميزان العرض والطلب، مثلهم كمثل سلعة على رف متجر إلكتروني، ما يهدد وظائفهم ودخولهم وائتمانهم المالي فأمنهم وسلمهم المجتمعي. في الواقع، إن لم يتم الإشراف على أنشطة الأعمال الاقتصادية، التجارية والصناعية على حد سواء عبر أطر مساءلة وحوكمة أكثر دقة وحصافة وإنسانية، قد تنطوي ليس على استغلال العمال فحسب بل على مستهلكي المنتجات أو الخدمات أيضاً، وذلك ينجر إلى ثراءات فاحشة تعمل على الاستيلاء على الموارد الطبيعية والبيئية التي بدأت تضمحل شيئاً فشيئاً، وتقتص من حقوق المجتمعات المحلية فيها، وتنتهكها وتفاقم عدم المساواة وغيرها من الإساءات التي قوّضت حقّنا في بيئة سليمة في عصر ثورة المعرفة وقرابة 8 مليار إنسان على وجه الأرض.
يدرك جميع من هنا اليوم أنّ الوقت قد حان للانتقال من مجرّد إبداء الاهتمام بالالتزام بهذا النوع من الأطر إلى عمل الفعليّ لتنفيذها، لا بل وتطويرها وتجديدها للحفاظ على اتساقها مع حاجة العمال. ونحتاج إلى إجراءات تعتمدها الدول، والسياسات والاقتصادات، كي تمرّر أو تدعم التشريعات التي تمتثل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والمعايير العمّالية التي تحمي العمّال والمجتمعات المتأثرة، في الداخل والخارج. كما ينبغي أن تشمل سياسات وتنظيمات وأحكام فعّالة، وحوافز اقتصادية وأن توجّه وتشجّع الحوار بين الجهات الفاعلة المعنيّة في تطوير الأعمال، والتنمية المستدامة مستلهمة ذلك من أهداف التنمية المستدامة الـ17، والأركان الثلاثة لمبادئ الأمم المتّحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وهي "الحماية والاحترام والانتصاف"، كي لا تبقى حبرًا على ورق.
فعلى الرغم من أن المزيد من الشركات تعترف بمسؤوليتها المشتركة باحترام حقوق الإنسان، وتبذل العناية الواجبة لمراعاة حقوق الإنسان، بالمسؤولية المجتمعية، إلا أننا لا نزال نشهد حتى اليوم ممارسات اقتصادية غير قائمة على مبادئ حقوقية تولّد معاناة إنسانية يمكن الوقاية منها، وتعيق التنمية الشاملة والمستدامة، وتغذّي عدم المساواة.
ففي كلّ من البلدان المتقدمة والنامية على حدّ سواء، نشهد غضباً محتقنا من استبعاد الناس عن صنع القرار، ومن الفساد، والبطالة، ومن تفاقم انعدام العدالة المساواة التي تؤدّي إلى استبعاد ملايين الأشخاص وعدم شملهم في التنمية وتردّي أوضاعهم أكثر يوماً بعد يوم.
إنّ معالجة هذه القضايا أساسيّة بالنسبة إلى حقوق الإنسان، لكنها أيضًا مسألة عملية للغاية بالنسبة إلى مصلحة كلّ مؤسسة حكومية كانت أم غير حكومية، ربحية أو غير ربحية. إذ يشكّل انعدام العدالة وعدم المساواة إهانة للحقوق، ويؤدّي إلى ترسخ مظالم الناس، ما يخلق توترات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وتمنع كل فرد من أفراد المجتمع من المشاركة الكاملة في مجتمعه. فتقاعس الدول، وحكوماتها والممارسات الاقتصادية، عن إشراك العمال، والعمال المحتملين من الشباب، في عملية تكييف التكنولوجيا والأنظمة الذكية لتوفير فرص عمل متجددة لهم بدلاً من تكديسهم في سوق لا يراهم سوى متعطلين متبطلين عن العمل، أمر يزيد من فرص دوران حلقة من سبب ونتيجة فيها تدهور بيئي-اقتصادي-اجتماعي وتولّد مستمر لمعاناة للأفراد والمجتمعات. حيث إن مواجهة أشكال انعدام العدالة البيئية والحقوقية والعمالية الاقتصادية، عبر اتّخاذ إجراءات عملية فعلية، من عناصر التماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة الأساسية وصلب عملية الحوكمة الرشيدة.
الثورة الرقمية.. وأزمة الثقة في الأعمال والعمال
علينا أن ندرك تمامًا فوائد الثورة الرقميّة، ولكنّ بعض جوانبها الأسوأ يهدّد حقوق الإنسان عموماً والعمال خصوصاً بطريقة متزايدة. فخطابات الكراهية والمضايقات تتفشّى أكثر فأكثر عبر الإنترنت، وقد تترجم عنفًا وكراهية في العالم الحقيقي، كما تستهدف في بعض الأحيان مجتمعات أو مجموعات سكانية بأكملها. ويؤدي استخدام الحكومات والشركات والجهات الفاعلة الخاصة الأخرى المراقبة الجماعية إلى تفاقم التمييز وانتهاك الحقّ في الخصوصية ومجموعة واسعة جدًا من الحقوق الأخرى، وإلى جمع البيانات الشخصيّة وسوء استخدامها، بما في ذلك التلاعب بالإرادة الحرة للمجتمعات في القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما يشكل ثقافة كاملة من "اللاثقة" تهدم قواعد العيش والسلم والأمن فالتنمية والتقدّم.
وتستخدم حاليًّا العمليات القائمة على الآلة والذكاء الاصطناعي في أنظمة الحماية الاجتماعية والعدالة الجنائية في جميع أنحاء العالم، وفي التأمين الصحي والمصرفي والطاقة وغيرها، وهي تساهم في العديد من الحالات، في تكثيف أوجه عدم المساواة وأشكال انعدام العدالة من خلال التحيز التلقائيّ غير المقصود –بحسن نية-.
ولا يمكن أن نعتبر أنّ هذه العملية لا تعني حقوق الإنسان لمجرّد أنّها رقمية. فحقوق الإنسان عالمية، وهي للجميع أينما كانوا، وهذه الحقيقة مطلقة إن على الإنترنت إم في الشارع. وبالتالي، يجب أن ندمج ضمانات حقوق الإنسان في جميع هذه النظم منذ بدايتها، وتنفيذها فورًا وعلى كافة المستويات، وهذا حق للعمال، العاملين في كل القطاعات، أن تصل الحوكمة والأنسنة إلى قواعد البيانات وأنظمة المعلومات جميعها.
الثورة الرقمية أيضاً، بدأت بابتلاع الوظائف التقليدية، وعولمت الموارد البشرية التي تتزايد بشكل متسارع، ما جعل قيمة العامل تؤول للصفر إذا ما حل عنه أكثر من بديل منافس لفرصة عمله المهددة بحد ذاتها بالزوال. كل ذلك يصنع حالة من "اللاثقة" التي يترتب عليها إنتاج هزيل وعامل خائف من خسارة قوت يومه. الثقة أو انعدامها يصنعان ثقافة لا تؤمن بالتنمية العادلة وتعزز نزعة التنافسية الغرائزية، ما يعني أنها ثقافة تدعو للعنف وحرب شاملة على مستوى المجتمعات وليس الدول والاقتصادات فحسب.
نحتاج اليوم إلى ردود أقوى من حكومات العالم وتوافقات دولية تنطوي على سياسات تفرض حماية لحقوق الإنسان وحق العمل والعمال. ونحتاج إلى شركات تكنولوجية توظف دورها وتحترمه في منظومة حقوق الإنسان المتكاملة.
أجندة عمل.. لبناء الثقة والسير في التنمية
لدينا اليوم كأردنيين أجندات وأطر عمل واضحة تساند الدولة والمؤسسات والشركات فتضمن أن يعمل عالمنا المعولم خدمة لمصلحة للجميع. فخطّة التنمية المستدامة للعام 2030 متجذّرة في العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. كما توفر مصفوفة المبادئ الحقوقية والتنموية وحوكمة الإدارة والأعمال خارطة طريق لاقتصاد عالمي يحمي ويحترم حقوق الإنسان ويحقّق مستقبلًا عادلًا وسلميًا ومستدامًا للجميع.
على الدول أن تحمي الإنسان، وعلى الشركات ورأسماليات الربح أن تحترمه. كما يجب جبر ضرر من تأذّى عبر منظومة عدالة عمالية محقّة، إنه من الضروري اليوم أن ندعو لإجراءات قانونية هامة تتّخذها عدد من دول العالم، وتفرض على الشركات أن تبذل العناية الواجبة لمراعاة حقوق الإنسان بهدف منع أنشطة الشركات من التأثير سلبيًا على الأشخاص ومكافحة الاتجار بالبشر والرقّ المعاصر في سلاسل التوريد وحماية سلاسل القيمة ومعالجتها.
نحن في الأردن بحاجة إلى سياسة وإجراءات تشريعية متماسكة، فالمملكة ملزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والشرعة الدولية بأن تحمي الأشخاص من انتهاكات الشركات والمؤسسات لحقوقهم التي يتمتعون بها. وتوضح المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة أنه على الدول أن تراعي ضمن "مصفوفة ذكية" من التدابير الوطنية والدولية، الإلزامية والطوعية، كي تفي بهذا الواجب، وتعزّز احترام شركات الأعمال لحقوق الإنسان والعمال.
يدرك الشباب أنهم يتحمّلون مسؤولية معالجة انتهاكات حقوق الإنسان وثغرات التنمية وانعدام العدالة في المؤسسات من حولهم ونجدهم قد بدأوا في ممارسة الضغوط لإحداث التغيير في هذا الاتّجاه، من خلال الابتكار والريادة لمحاصرة الاحتكار وتحدي سوق العمل التقليدي الذي يسلّعهم ويساومهم على رواتبهم.
وندرك – نحن الشباب- أنه يمكننا أن نحقّق تلك الالتزامات الطموحة لدولنا وبيئاتنا ومجتمعاتنا، ويمكننا القضاء على الفقر المدقع والاستثمار في الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وضمان أن نشمل الجميع من دون أيّ استثناء. وألا نترك أحداً خلف الركب، لكنّنا بحاجة إلى الاعتماد على كلّ الأطراف في عمليات الإنتاج والاقتصاد والتنمية، كشركاء وليس كأدوات، ووضع احترام حقوق الإنسان في قلب عملنا المشترك كي نحقّق الغاية بتنمية مستدامة تجعلها القوى العاملة ثقافة راسخة ومتجددة.
نيسان ـ نشر في 2022-05-04 الساعة 15:27
رأي: المهندس حسين الصرايرة