اتصل بنا
 

ابو عاقلة....الوقوف حتى الموت

نيسان ـ نشر في 2022-05-12 الساعة 17:13

نيسان ـ الجيل الاول من خريجي كلية الصحافة في اليرموك يتبادلون التعازي ويتذكرون جيدا زميلتهم المقدسية التي اخلصت لمهنتها وشعبها وانسانيتها وقيم الحق والامن والعدالة حتى الرمق الاخير.
بطريقتها الخاصة وبعقلها وقلبها وانسانيتها اكتسبت شيرين ابو عاقلة ثقة المشاهد فقد كانت تتنقل بخفة وسرعة بين مدن فلسطين ترصد وحشية المحتل وتوثق غطرسة الغزاة ببراعة وحرفية دأبت على لملمة التفاصيل ونقل الصور فصاغت التقارير التي غذت نشرات الاخبار واحيت في نفوسنا روح التعاطف مع اخوتنا والغضب على من سلبوهم حقوقهم .
طافت بلدات وقرى وارياف فلسطين واطلعتنا على ردود فعل المقاومة و المقاومين وكيفية تنامي روح الغضب والاصرار مع كل موجة عدوان تتغذى من عنجهية الصهاينة ووحشية احتلالهم المدجج بالتعالي والرصاص و المستند على دعم الدوائر الاستعمارية واعوانهم على امتداد الفضاء العربي.
لم يخطر ببال الشباب والشابات الذين التحقوا بصحافة اليرموك في نهايات عقد الثمانينات انهم سيصبحوا نجوما فقد استمتعوا بان تلقوا تدريبهم الصحفي على ايدي النخبة المميزة من اساتذة الصحافة والاعلام التي اصبحت عنوانا مهما على خريطة الاعلام العربي .

لقد كان ماهر ابو طير وبسام البدارين وعماد الحجاج وناصر قمش وشيرين ابو عاقلة وفلحا بريزات والعشرات من ابناء تلك المرحلة يتسابقون للحاق بنجوم الاعلام العربي في تلك المرحلة....حيث بدت البيئة خصبة بعدما شهدت الساحة توالد الفضائيات وتنامي اعداد الصحف والمطبوعات التي تاسست في الاردن والمحيط العربي .
لقد ظهرت عشرات الصحف الاسبوعية واليومية التي رحب بها البعض وانتقدها البعض الاخر فقد جاء بعضها لاشباع شغف القاري لمعرفة تفصيلية تتجاوز نشاطات المسؤولين وبيانات الحكومة ....وحاولت العديد منها التخفيف من رتابة وبروتوكولية الاخبار الرسمية وما تنشره المطبوعات الناطقة باسم الانظمة والكيانات والاحزاب.
في اليرموك كان الدكتور مازن العرموطي وعصام الموسى وزياد الرفاعي ومحمد الصرايرة وسيما بحوث وعزت حجاب والدكتور حاتم والدكتور البطاينة ومحمود شلبية وغيرهم يتقاسمون هموم النهضة الاعلامية ويضخون في بيئة اليرموك الكثير مما تتعلموه والفوه في معاهد ومؤسسات الاعلام الغربي .
كانت فلسطين والديمقراطية والمواقف من محاولات السلام والتباين بين اجندات السلام التي يتحدث عنها العمال ويطويها الليكود تشغل الصحافة المحلية الاردنية التي لا ترغب ان تنكأ جراح الخلافات العربية العربية بعد دخول العراق الى الكويت وبناء التحالف المناهض للعراق الذي لم تكن الاردن عضوا فيه .
بعد سنوات من تخرجها من اليرموك طفت الجزيرة على سطح الاعلام العربي لتقدم نموذجا جديدا للشبكات الاخبارية الذي كانت بيئة اليرموك وكلية صحافتها واعلامها مشتلا من مشاتل الاعداد له.
كان للخريجين من اليرموك ميزة التدرب على التحرير وتفوقا في تطبيق التحقيقات الاستقصائية وروحا ونكهة راقت لشبكة الاخبار الجديدة ولتعطى لابناء صحافة اليرموك الافضلية الامر الذي قاد الى تعاقب ابناء الدفعات الاولى من خريجيها على ادارة القناة بعدما خلف ياسر ابو هلاله زميله وضاح خنفر .
من بين كل الخريجيين وابداعاتهم كانت الفتاة المقدسية شيرين ابو عاقلة وعلى مدى حياتها قريبة من الحدث تنقله بموضوعية وامانة وهدوء ...تحاول ان تتحلى بكل ما عرفته من قيم المهنية العالية وقواعد بناء القصة المتكاملة المقنعة .
كانت شجاعة لا يخيفها التهديد صادقة لا تحاول استرضاء احد معاييرها الموضوعية ومنطلقها المسؤولية تجاه المشاهد والقيام بكل ما هو حق واخلاقي وحقيقي.
كانت الشاهد الاكثر اطلاعا على الآم المنكوبين ووحشية المعتدين سجلت اصوات الامهات الثكالى ووعود الانتقام ورصدت زغاريد الامهات اللواتي ودعن الشهداء ونقلت مخاوف الاطفال وعناد المصلين الذين قفزوا عشرات الاسوار للوصول الى باحة الاقصى.
في نهاية الثمانينيات وصلت شيرين الى اربد لدراسة الهندسة في العلوم والتكنولوجيا لكنها لم تجد نفسها في التخصص فاستفتت عقلها وقلبها ولحقت بشغفها وقدرها اللذين كانا في مهنة المتاعب.
اليوم هوت احدى نجمات فوج خريجي اليرموك لعام ١٩٩٢ وهي تؤدي المهنة التي عشقتها حد الموت....وانتم ايها الخريجون ويا ابناء الفوج واساتذته من حقكم ان تتقاسمون الفخر بمسيرة زميلة امنت بان للحياة رسالة ينبغي ان ننهض بها ونؤديها بصدق وشجاعة وموضوعية.
لقد امضت الشهيدة ابو عاقلة رحلتها المهنية وهي تناضل من اجل تجريد الحقيقة من كل الاكاذيب ولتنير الجوانب التي يجري تعتيمها وتكشف بشاعة وظلم المحتل وحجم الاصرار والايمان لدى اصحاب الحق على استرداده مهما طال المدى........
عاشت شيرين من اجل الحقيقة وماتت وهي في طريقها لنقلها فالسلام على روحها وتحية لكل الذين امنوا بما أمنت به ويعملوا كما عملت......وشكرا لاخلاصها لمهنتها وشعبها وقيمها حتى الموت.

نيسان ـ نشر في 2022-05-12 الساعة 17:13


رأي: د. صبري الربيحات

الكلمات الأكثر بحثاً