اتصل بنا
 

الأمير حمزة .. مشروعية الوهم ووهم المشروع

كاتب وصحافي اردني

نيسان ـ نشر في 2022-05-21 الساعة 09:22

نيسان ـ السؤال يبدأ من القفلة التي أنهى بها الملك الأردني رسالته المعلنة للأردنيين "والإقليم والعالم" حين ألمح إلى أنه ورغم قرار الملك – رأس الدولة والأسرة الملكية معا- بتقييد تحركات واتصالات أخيه الأمير حمزة، إلا إن الملك لم يخف توقعاته بأن يستمر الأمير بإثارة الجدل والضجيج والتسريبات الشعبوية، والتي حسم الملك أمره فيها بأنه لن يضيع وقته بعد اليوم في الرد عليها.
السؤال هنا: هل تم حسم قضية الأمير فعلا؟
باعتقادي الشخصي ومن قراءات كثيرة متعددة فإن القضية لم تحسم بعد!
رسالة الملك الأكثر إثارة من بين كل ما تم الإعلان عنه من أدبيات ووثائق في كل قضية الفتنة جاءت كرد متأخر منذ ديسمبر الماضي على توصيات قرار مجلس الأسرة المالكة حول موضوع الأمير حمزة، وتلك الفترة منذ تلك التوصيات حتى إقرار الملك لها في رسالته الأخيرة كانت على ما قيل لي محاولات من الملك نفسه لتجنيب الأمير أي مسار قانوني يضعه في قفص الاتهام مع المدانين: باسم عوض الله وحسن بن زيد في ما تم التعارف عليه بقضية الفتنة. (كان لافتا وصف الملك لعوض الله بخائن الأمانة وتجريده حسن بن زيد من لقب الشريف).
لكن الرسالة – التي استندت إلى تكييف قانوني صحيح- خضعت لقانون الأسرة المالكة، وهو قانون خاص صدر عام 1937، وحسب ملخص قرار مجلس الأسرة المالكة حول موضوع الأمير حمزة فإنها استندت إلى هذا القانون منوهة أن مبادئ التشريعات الأردنية تعطي القانون الخاص أولوية بالتطبيق على القانون العام، فكانت التوصيات التي أقرها الملك في رسالته الأخيرة تنتهي إلى تقييد تحركات الأمير واتصالاته، وهذا الإجراء هو إجراء قانوني تم وفقا لقانون الأسرة المالكة وعليه فإنه وحسب المصدر نفسه، فإن تقييد تحركات وإقامة الأمير واتصالاته ستكون من خلال "أجهزة إنفاذ القانون بما فيها الضابطة العدلية".
الإثارة الأكثر تشويقا – وكنت أتمنى لو تم نشرها- كانت في رسالة شخصية من الملك إلى أخيه الأمير حمزة اطلعت عليها شخصيا في آذار الماضي، وسبق أن أشرت إليها في مقال سابق لي، كان فيها معظم التفاصيل التي أوجزها الملك في رسالته الأخيرة المعلنة، ومما ورد فيها تحذير الملك للأمير من شخص حسن بن زيد والذي وصفه الملك بالرسالة الشخصية غير المعلنة حتى الآن بالمكر والخبث.
توقيت رسالة الملك المعلنة يضع علامة استفهام كبيرة، وقد تلقيت ردا من مصدر مقرب أن الرسالة ليست ردا وقائيا على تحرك متوقع وقريب للأمير، لكنها استحقاق متأخر أجله الملك طويلا – حسب المصدر- لغايات الوصول إلى تسوية "عائلية" تخرج الأمير من حرج المسؤولية القانونية في قضية هزت الرأي العام، وأخذت مسارها القانوني، لكن الأرجح أن الحقيقة في التحرك الأخير تكمن في ما أشار إليه الملك نفسه عن إشكالية ما افتعلها الأمير حمزة مع الحرس الملكي وترتيباته الأمنية يوم عيد الفطر، ويبدو أن الملك الذي عاد مؤخرا إلى مملكته بعد زيارة واشنطن قد علم بتفاصيل تلك الحادثة (التي لا يعرفها أحد حتى الآن)، فأثارت غضبه واستلزم من عنده الرد بالرسالة الأخيرة والمعلنة.
رسالة الملك الأخيرة والمعلنة، أكدت ما نشرناه في إبريل الماضي من معلومات حول جلسة خاصة بين الملك والأمير حمزة، حدثت في السادس من آذار الماضي، وفيها طلب الأمير من رأس الدولة والعائلة أن يكون ملفه ضمن المسار القانوني، وحسب ما علمنا وقتها من مصدر مطلع أن الملك أخبر الأمير بأنه لا يمانع بذلك، لكنه أوضح للأمير ما تملك الأجهزة من قرائن وأدلة قد تدين الأمير وتضعه في خانة الإدانة القانونية التي ستحرج الجميع بلا استثناء، وانتهت الجلسة بتراجع الأمير عن طلبه ثم موافقته على خارطة طريق "ناعمة" تخرجه من الوضع الحرج كله.
سياق الرسائل إلى الأمير "ومنه أحيانا" تكشف منها – حسب مصدر في العاصمة الأردنية عمان تواصلت معه- رسالة من خمسة أمراء بينهم الأمير هاشم، الأخ الشقيق للأمير حمزة وابن الملكة نور، والذي – حسب المصدر- يقف في صف أخيه الملك ضد سلوكيات شقيقه.
في كل ماراثون الرسائل، كان الأمير دوما يرد بإيجابية معلنا اعتذاره تارة، وإنكاره تارة، لكنه وفي العلن استطاع أن يمارس دور الضحية ويخلق حول نفسه ومن نفسه حالة كربلائية عند جمهور محتقن بالقهر، متعطش للمعلومة "الغائبة أصلا".
إذا نحن أمام الصورة التالية: الأمير منذ ديسمبر الماضي في حالة كمون "ذاتي" يخرج عنه أحيانا بما ارتآه هو من تحركات تخدم "مشروعا ما" يحمله ويعمل على تنفيذه بدأب مستمر.
وحسب اطلاعنا على الرسالة السرية التي كتبها الملك، ولم يعلن عنها بعد، لكنها توثقت في سياقات الرسالة المعلنة، فإن الأمير كان متذبذبا في قراراته الشخصية، ولا نعرف هل هو تذبذب بسبب حالة يعيشها الأمير بشكل شخصي، أم هي استراتيجية ينتهجها الأمير لتحقيق طموحاته السياسية، وهي طموحات غير مشروعة دستوريا، فيما يتبقى في جعبته انتقاداته السياسية العامة، والتي لم تحتو على أي بديل لمشروع إصلاحي حقيقي، وهي انتقادات تظل غير دستورية بحكم اللقب "وامتيازاته" التي يحملها الأمير ولابد من تنظيم حضورها العلني بالقانون، وهذا يعني أن الأمير تأخر كثيرا في رغبته بالتخلي عن لقب الإمارة الذي يقيده – حسب القانون والدستور- من حرية العمل السياسي، وكان الأجدى بالأمير أن يطلب – مبكرا جدا- وعبر قنوات قانونية مع الملك صاحب القرار رغبته بالتخلي عن اللقب ليمارس حريته السياسية كمعارض للحكم فيتحمل مسؤولية تصرفاته أمام القانون.
وفي ملابسات قضية " الفتنة" نفسها فإن الأمير – بالمعلن والسري من معلومات- كان دوما في حالة إنكار لأي مسؤولية له في القضية، وهو ما يضع المرء في حيرة إن كان الأمير غائبا عن الواقع أو أنه يحاول خلق وقائع جديدة، وفي حال كانت هناك أجندة سياسية لديه فهل هي مشروع شخصي يتعلق بطموحاته المبنية على "وصية عاطفية" أم هو مشروع سياسي وطني؟ مما يعيدنا إلى ذات نقطة القنوات القانونية التي تحرره من الإمارة فيصبح ناشطا سياسيا حرا لا من اللقب وحسب، بل ومن كل امتيازاته بالمطلق!
في كل قضية الفتنة، أجد نفسي منحازا للدستور كبوصلة وحيدة تتماهى مع قناعتي بالإصلاح الذي يعتمد دولة المؤسسات والقانون، ومن الغريب والمدهش أحيانا أن بعضا من مدعي المعارضة يطالبون بدولة مؤسسات وقانون لكنهم مستعدون للقفز فوق الدستور نفسه لتحقيق أجندات شعبوية فارغة المحتوى.
في المحصلة، القضية لم تحسم بعد، ولا يحسمها إلا استعادة الدولة، دولة المؤسسات والقانون بكامل أهليتها الدستورية وبسرعة، وأول الخطوات لتلك الاستعادة في ما يخص قضية الأمير حمزة تلبية رغبته الأولى التي أفصح عنها للملك في جلستهم المغلقة وتحويله للمحاكمة العادلة ليقول كلمته ويرد بدفوعه عن كل الأسئلة المعلقة في فراغ شعبوي لا يرحم.
استعادة الدولة بكامل ألقها المؤسساتي، هو الحل والحسم الذي يحمي الملك نفسه والعرش الجالس عليه من كل تغول ممكن داخليا أو خارجيا على الدولة المنهكة من كل مرجعياتها، ويجعل قضية مثل قضية الأمير أو انتهاكات الفتنة وأبطالها المدانين قضية محسومة بلا جدل مختلف عليه.
استعادة الدولة تلك، التي يصونها الدستور وتحميها القوانين لا تترك فراغا لمعارضات شعبوية رغم عدم حضور محتوى حقيقي في أجنداتها إلا إنها قادرة على إثارة الزوابع في كل هذا الفراغ.
استعادة الدولة تتطلب أن يكون الجميع تحت الدستور والقوانين والمؤسسات في حدود أطرها الوظيفية الأصيلة فلا يتغول الأمني على السياسي، ولا يتغول الجميع على مؤسسات الإدارة العامة، وتكون السلطات – حسب الدستور- سلطات الدولة لا مرجعية لها إلا الدستور، والدستور فقط.
(الحرة)

نيسان ـ نشر في 2022-05-21 الساعة 09:22


رأي: مالك عثامنة كاتب وصحافي اردني

الكلمات الأكثر بحثاً