اتصل بنا
 

مشروع قانون ضريبة الدخل.. صفعة للفقراء

أكاديمي وخبير قانوني أردني

نيسان ـ نشر في 2015-10-09 الساعة 18:25

نيسان ـ

لم تتوان الحكومة الحالية عبر سياساتها الاقتصادية المختلفة في توجيه الصفعة تلو الاخرى للمواطن الذي يجاهد في سبيل الحصول على قوت يومه، والذي بالكاد يكفي الحاجات الاساسية لاستمرار عيشه.

ولعل آخر ما تفتقت عنه الذهنية الاقتصادية لخبراء الحكومة الاقتصاديين، ومنهم هذه المرة اعضاء من مجلس الاعيان يوصفوا بانهم خبراء اقتصاديين، كانوا في يوم من الايام يتربعون على عرش السلطة لا سيما المواقع والمناصب ذات الطابع الاقتصادي , وتتمثل وصفتهم هذه المرة بتعديل قانون ضريبة الدخل بحيث تخفض الاعفاءات الضريبية الممنوحة للافراد والموظفين والمستخدمين مع زيادة الاسعار الضريبية على ذات الفئة.

ولا نعلم حقيقة كيف لمن يدعي انه خبيرا اقتصاديا ان يفكر بهذه الطريقة التي تتنافى مع ابسط قواعد الاقتصاد وتنم عن جهل مطبق باسس استخدام ادوات المالية العامة والتشريعات الضريبية في توجيه الاقتصاد الوطني . ولعل المشروع المقترح بشكله الحالي يشكل صدمة للمواطن من ذوي الدخل المحدود ولا نقول الطبقة الوسطى.

لم يعد هناك طبقة وسطى في الاردن فلا يوجد الا طبقة واحدة مسحوقة تحوم حول خط الفقر جلها تحته وجزء يسير منها يقبع على هذا الخط ، بالاضافة لفئة قليلة مستأثرة بمقدرات الوطن تنعم بعيش رغيد جل دخولها من المال العام .

هذا المشروع في هذا الوقت تحديدا توجه له الكثير من الملاحظات سواء من الناحية الدستورية او المالية والاقتصادية او الاجتماعية ، فمن الناحية الدستورية هذا المشروع لا يتوافق مع المادة ( 111 ) من الدستور والتي قيدت سلطة الحكومة في فرض الضرائب بأن " ... تأخذ بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وان لا تتجاوز مقدرة المكلفين على الاداء ..." .

ولا يخفى على نباهة الحكومة الموقرة والسادة اعضاء مجلس الاعيان أن المكلفين من فئة الموظفين والمستخدمين المستهدفين بالتعديل لم تعد لديهم القدرة على دفع دينار واحد اضافي في ظل ارتفاع جنوني للاسعار، وزيادة غير مسبوقة في متطلبات الحياة اليومية حالت بينهم وبين توفير دينار واحد من دخولهم .

ومن اساسيات فرض الضرائب أن يعاد النظر كل فترة زمنية محددة - قد لا تتجاوز خمسة سنوات في كثير من الاحوال - بمقدار الاعفاءات الممنوحة للمكلفين لاعادة النظر فيها على ضوء تبدل الاحوال الاقتصادية ، وتكون اعادة النظر عادة بزيادة هذه الاعفاءات وليس بخفضها على غرار ما تتجه النية اليه في مشروع القانون .

اما من الناحية المالية والاقتصادية فمن المتعارف عليه أن الضريبة تستخدم كأداة موجهة للاقتصاد للتغلب على الازمات الاقتصادية التي تواجهها الدولة ، ففي حالة الكساد الاقتصادي تخفض الاسعار الضريبية لزيادة قدرة المكلفين على الشراء وبالتالي زيادة الطلب ليتساوى مع العرض وتنتظم الدورة الاقتصادية، والعكس صحيح في حالة التضخم الاقتصادي تزاد الاسعار الضريبية لسحب فائض النقود من المكلفين وبالتالي خفض الطلب ليتساوى مع العرض وبذلك تنتظم الدورة الاقتصادية ايضا.

لا شك أن الاقتصاد الاردني بشهادة الجميع اقرب للكساد منه للتضخم مما يستوجب خفض الضرائب لا زيادتها، فالمواطن قدرته الشرائية محدودة جدا وتقتصر على الحاجات الاساسية فقط ، وبزيادة الضريبة ستنخفض قدرته الشرائية اكثر واكثر .

اما من الناحية المالية فأدبيات المالية العامة والضرائب تحديدا و التطبيق العملي كلها تؤكد أن ارتفاع الاسعار الضريبية هو احد اهم اسباب التهرب الضريبي فشعور المكلف بوطأة الضريبة وحرمانه من العيش الكريم بفعل اقتطاع مبالغ كبيرة من دخله يدفعه الى التهرب من الالتزام بدفع الضريبة، مما ينعكس على حصيلة تلك الضريبة ويحرم الخزينة من موارد مالية كان من الممكن تحصيلها لو كانت الاسعار الضريبية اقل مما هي عليه .

ولكن مشروع القانون حتى يتفادى هذه المعضلة لجأ الى رفع الاسعار الضريبية على الفئة الاضعف وهي فئة الموظفين والمستخدمين نظرا لعدم قدرتهم على التهرب الضريبي بسبب اقتطاع الضريبة على دخولهم من المنبع، اي عند دفع الرواتب والاجور لهم ، وهذا ماسيحمل هذه الفئة وحدها العبء الاكبر من الضريبة . والاكثر غرابة ان الحكومة استمرأت رفع اسعار الضريبة كوسيلة سهلة لزيادة الحصيلة الضريبية بصرف النظر عن الاثار الاقتصادية والاجتماعية المدمرة لذلك ، ولا نعلم اين يكمن العلم والفن بذلك اذا ما علمنا أن حكوماتنا المتعاقبة ولا سيما الحالية تضم بين جنباتها كما يقال فريقا اقتصاديا لا مجرد خبيرا او هاويا اقتصاديا .

ومن جهة اخرى الم تجد الحكومة ومن بعدها السلطة التشريعية اي وسيلة لسد العجز في الموازنة العامة غير رفع الضرائب على فقراء انهكتهم الوصفات والبرامج الاقتصادية؟ ، الم يخطر ببال اي من صناع القرار لدينا أن مكافحة الفساد واسترداد الاموال المنهوبة بسببه اكثر جدوى وانفع للخزينة من رفع اسعار ضريبية لن تسمن حصيلتها ولن تغني من جوع؟ ، ومن باب اولى فإن ضبط الانفاق العام وترشيده اوجب من تحميل المواطن المعدم كلفة رغد العيش الذي ينعم به غيره ، ولكن من يعرف ان هذا ما يفكر به خبراء الاقتصاد لدينا لا يستغرب كيف وصلت مديونية الاردن في سنوات معدودة الى ما يقرب من الاربعين مليار دولار .

نيسان ـ نشر في 2015-10-09 الساعة 18:25

الكلمات الأكثر بحثاً