اتصل بنا
 

بين استعلاء السياسي وخرافة الحزبية

نيسان ـ نشر في 2022-06-10 الساعة 18:17

x
نيسان ـ كتب محمد قبيلات
الأردنيون بمختلف أطيافهم وطبقاتهم لا يتعاملون بجدية كافية مع فكرة الأحزاب السياسية، ولا يعود الأمر إلى إرث الخوف المترسب في أعماقهم من الحقب الغابرة، حيث مُنعت الأحزاب من العمل، وتم تجريم من ينتمي إلى عضويتها، بل إن للأمر أسبابًا أخرى كثيرة.
ربما كان أولها؛ أُفول زمن الايدولجيات والأفكار الكبرى، والأجوبة العقائدية الكاملة، التي تدعي امتلاك الحقائق الكاملة والحلول الطوباوية، وتَعِد في نهاية المطاف بالفردوس، وهذا ما واجه الفكرة الفاشية أولا، وتلتها النازية، لتلحق بها فكرة الاشتراكية، بشكلها السوفييتي، في نهاية القرن الماضي، وقد عشنا إلى اليوم الذي نرى فيه النزع الأخير لحياة الليبرالية الطويلة نسبيا وانكشافها، ووعودها الحالمة ببناء مجتمع العدالة وحرية الفرد، وتقليص مساحة تحكم الدولة بحياة الأفراد.
ربما كان من تداعيات هذه النهايات الكبيرة، على المستوى العربي، موت الأفكار القومية واليسارية والإسلاموية، بشكلها الكلاسيكي، وقد انتعشت هذه الأفكار في مرحلة التحرر القومي لتنتهي بالدولة القومية، المتميزة بالفساد والديكتاتورية، ولاحقا ضَعُفَ بريق الفكرة الإسلاموية، التي انتعشت بعد نكسة 1967، ومع اندلاع الثورة الإيرانية، وتمّ دمغها بوصمة الإرهاب.
نحن إزاء تراجع لكل تلك الأفكار الكبرى، عالميا ومحليا، ويأتي هذا التراجع على شكل العودة إلى الحواضن المحلية، وطنية وطائفية وعشائرية، وليس الأمر مجرد رغائب، أو كما يحلو لبعض المتحمسين لفكرة الأحزاب اليوم بوصفها السطحي بالتخلف الاجتماعي، بل هو رد فعل طبيعي، وآلية دفاعية لها تفسيراتها الاجتماعية والنفسانية، فالإنسان ابن المجموعة، ولا يستطيع أن يعيش فردًا من دون جماعة، مهما تقدمت التشكيلات الاجتماعية وتطورت، وكلما واجه نكوصا في مجموعاته المهنية الجديدة، نقابات، نوادٍ وأحزاب، عاد إلى تشكيلاته القديمة.
يضاف إلى تلك الأسباب، القناعات السلبية الراسخة لدى الكثير من الفئات الاجتماعية المتطلعة إلى التغيير، بسبب تزوير الانتخابات وحل النقابات، وإضعاف البرلمان، والحد من الحريات العامة، والتحكم بوسائل الإعلام والثقافة.
بالتالي، تظهر أعراض هذه الحالة جلية في مجتمعنا الأردني، من خلال العزوف عن الانخراط في الأحزاب الجديدة، وتراجع نسب التصويت في الانتخابات النيابية والبلدية والمحلية والنقابية، أو أية مشاركة ذات طابع سياسي أو فكري، والاكتفاء بدلا من ذلك كله، بترك النفس على هواها وراحتها، مسترخية على ظهر أمواج وزوابع السوشيال ميديا اليومية.
أكبر تحدٍ تواجهه الجهات الرسمية اليوم، هو مد جسور الثقة مع مختلف الفئات الشعبية، صحيح أن هذه العملية ليست بالسهلة لكنها ممكنة، وذلك عبر تعزيز استقلال القضاء والأجهزة التشريعية والرقابية، والشروع في برامج تنموية محلية حقيقية، لا تأخذ طابع الهروب إلى أمام، ومن المؤكد أن هذا يحتاج أولا لقدر كبير من الشفافية، وأن تصبح هذه القيم جزءًا من المنظومة، لا مِنّة أو أعطية يمنحها السياسي لرعيته.
لكن هيهات أن تتحقق تلك التطلعات والسياسي ما زال يمارس الاستعلاء على المواطنين، وربما هذا ما يفسر حالة الاستعلاء الممتدة إلى الموظف الحكومي القابع بأدنى الدرجات، حيث أنه ايضا يمارس تلك الاستعلائية على المواطن الذي يقف خلف الكاونتر طالبا منه خدمة ما، برغم أن هذا المواطن يشكل المصدر الرئيسي لشرعيته، وهو الذي يدفع راتبه، من جيب ثيابه الكالحة، ومن عرقه، ومن معاناته اليومية، فنحن نعيش في بلد يدفع المواطن فيه أكثر من 80% من إيرادات الخزينة الحكومية.

نيسان ـ نشر في 2022-06-10 الساعة 18:17

الكلمات الأكثر بحثاً