اتصل بنا
 

وحتى لا يصبح الفساد سمة سائدة

نيسان ـ نشر في 2022-06-14 الساعة 10:28

نيسان ـ يواجه الاردن كغيره من دول العالم ومن بين مشاكل وأزمات عدة ، ظاهرة الفساد التي تنخر في جسد الدولة والمجتمع منذ عقود وتتفاقم يوما بعد يوم ، وتبدو مكافحة الفساد في اكثر بلد عربي متقدم تعليميا معقدة وصعبة، والقضية واضجة لتنتهي بالاعترافبأن هناك فساد كبير ، وان هناك مشكلات كبيرة جدا ، وايضا تحديات كبيرة جدا، مما يستلزم الجدية في محاربته ، وجلالة الملك لم يغفل الحديث عن الفساد في أي مناسبة : واقتبس على لسان جلالته " أن محاربة الفساد بأشكاله كافة أولوية وطنية تحتاج إلى المزيد من الجهود المتواصلة للتصدي لهذه الأفة ؛ فالمال العام مصان ، والتعدي عليه جريمة بحق الوطن وأهله ، ولا بدّ من محاسبة كل من يعتدي عليه أيًا كان" وقال جلالته أن حماية حقوق المواطنين وترسيخ قواعد العدالة والمساواة مسؤوليات ينهض بها القضاء الذي هو موضع ثقتنا واعتزازنا". وهنا لا بد من البدء بمحاربة الفساد في الجهاز الإداري للدولة من خلال رفع وعي قيادات الوزارات وموضفيها والنظر في اعادة سلم الرواتب والحوافز وتحقيق العدلة بين فئات الموظفين المختلفة الى جانب تدريبهم وتوعيتهم بأهداف الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وموقع الاردن من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، وجدولة المتابعة الدورية على كل وزارة وقطاع ومؤسسة حكومية فيما حققته من أهداف الإستراتيجية وتعزيز النزاهة والشفافية.
والفساد مرض اصاب معظم القطاعات في الاردن ؛ فهناك معاملات في بعض الدوائر لا تنجز الا بتقديم رشوة أو واسطة ، وما زالت هذه الظاهرة دارجة ومعظم المراجعين لبعض المؤسسات يحملون قصص تتحدث عن نفسها ، كيف انجزت معاملته ، وكم دفع؟
لكن المفاجأة أن تباهى بعض الاشخاص، بتمريرهم مصحلة خاصة اي كان نوعها وقبولهم في وظيفة ما او ترخيص شركة ما او غير ذلك، من خلال وساطة، ورغم ما حققه الأردن على مستوى الوطن العربي والمنطقة من مرتبةً متقدمة على مؤشر الفساد العالمي الذي تصدره سنويًا الشركة السويسرية لإدارة المخاطر حيث كان الاردن الأول عربيًا والسابع والخمسين من أصل 196 دولة عالميًا فيما سجل على مؤشر هذا العام درجة خطورة منخفضة 38.04 نقطة من مقياس صفر - 100.
لكن الاخطر من ذلك أن تتعايش الدولة مع الفساد ويصبح الفساد ثقافة مجتمعية مقبولة ، هنا تكمن الصعوبة وحتى لا يصبح سمة سائدة، وفي هذا السياق فإن اهدار مال الدولة في عدد من القطاعات او المشاريع ، او حتى تعين احد الاقارب او المعارف في منصب قيادي يعد جوهر الفساد بعينه ما يتقضي محاسبته ، وكم من اشخاص اصحاب كفاءة وعلم ومعرفة ورؤية استثنوا من حقوقهم او من وظائف ، بناء على وساطة ومحسوبية ، وهنا خاصة (حدث ولا حرج).
والمحاكم الاردنية المختصة قضت بحبس العديد من الفاسدين من اصحاب القرار لفسادهم المالي والاداري ، منهم مدراء اثنين من المخابرات العامة سابقين على سبيل لمثال وغيرهم "مثيايل"، والاخطر من ذلك ان لا يطبق القانون على الفاسدين بعدالة لكن نرجو ان ذلك لم يحدث حتى الآن، وفي هذه الحالة فانه أبلغ مثال على أن الدولة لا تزال ترفض التعايش مع الفساد، لكن تراجع الحديث عن الفساد مؤخرا مؤشر بانه لا يبدو على الأجندة التشريعية في المدى المنظور.
و يتفق الكثير في تقصير البرلمان في دوره الرقابي أو التشريعي في محاربة الفساد،والمجلس لا يقوم بدوره في الرقابة أو حتى التشريع فيما يخص مكافحة الفساد بالشكل المطلوب لأنه هو الرديف للهيئة في القيام باعمالها وهو الذي يجب عليه تعديل هذه القوانين اذا ما احتاجت تعديل ، وهذا بدوره عليه أن يسأل الحكومة فيما تفعله، أعتقد أن محاربة الفساد ليس من أولويات البرلمان ، لكن الحكومة في المقابل أيضا لا تتعاون مع النواب في الحصول على المعلومات للكشف عن الفساد.
ونعترف بأن هناك فساد مؤسسي رغم مصادقة المملكة على العديد من الاتفاقيات التي تضمنت مكافحة الفساد منها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003. شبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد حيث انضم لها الاردن وترأسها 2008. و شبكات هيئات الوقاية من الفساد حيث انضمت الاردن الى الشبكة واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003.
في المقابل أن الإستراتيجية تحتوي على العديد من النقاط الإيجابية، وتصلح ربما كمبادئ توجيهية للعاملين في الجهاز التنفيذي، أو كخطة حكومية طموحة ، أو لمغازلة الرأي العام وتهدئته وبث الأمل في نفوس المواطنين في فترات صعبة على المستوى الاقتصادي.
فالبعد عن تأميم ملفات الفساد وجعل العمل عليها حكرا على أجهزة الدولة التنفيذية ، ما يتنافى ذلك مع مبادئ الشفافية التي لا تصح أي جهود لمكافحة الفساد بدونها، فاللجان من المفترض أن تكون مستقلة يترأسها شخصيات حكومية وخاصة بصفتهم وحتى بشخصهم وسمعتهم ونزاهتهم، وهذا مبدأ يعمق معايير الشفافية شديد الارتباط بمكافحة الفساد في جوهره ، فإنه أيضا غالبا ما يعبر عن ثقة الدولة في المجتمع المدني وفي أحقية المواطنين في المعرفة ومراقبة أموالهم كدافعي ضرائب يحق لهم الإطلاع على وسائل إنفاق أموالهم ومستقبلهم.

نيسان ـ نشر في 2022-06-14 الساعة 10:28


رأي: د محمد كامل القرعان

الكلمات الأكثر بحثاً