اتصل بنا
 

التوريث السياسي.. الآباء والأبناء يأكلون وأبناء الرعية يضرسون

نيسان ـ نشر في 2022-06-22 الساعة 14:03

x
نيسان ـ محمد قبيلات
لم يعد الأبناء يضرسون بما أكل آباؤهم، بل إنهم يأكلون أيضا، بما يتوارثون سلطة وهيمنة على إدارة موارد الدولة، فيواصلون القيادة من مواقع هيمنتهم الطبقية، كابرًا عن كابر، بأساليب ومهارات وتعالي الآباء، مع مراعاة أنهم ربما احتاجوا القليل أو الكثير، من التحوُّر، وهو أمر سهل حدوثه في جينات السياسة، ويحدث بحدود ما يؤهل الأجيال الجديدة للتماشي مع تقلب المزاج العام، إذا ما تتضايق الناس من ممارساتهم في بعض الأحايين.
في باب التحور السياسي، قرأنا وسمعنا ما يقوله ورثة المدارس التقليدية، فما زالوا يصولون ويجولون في طول البلاد وعرضها، مرة يتعاملون معنا كعُصاة، فيرفعون علينا عِصِيَّ طبقاتهم السياسية المتخمة، ومرة يعاملوننا بلغة الشراء والبيع التي اتقنوها، فيمدون إلينا بجزرة تنقصها حلاوة الاختيار من متعدد.
المشكلة مع صناع السياسة باتت مفاهيمية بامتياز، تحتاج الفئات الاجتماعية الأخرى لمراجعة ومناقشة مصطلحات السياسة معهم، وربما كان الأجدر بعمل اللجنة المَلِكِيَّة لإصلاح المنظومة السياسية، أن بدأت بتوحيد المفاهيم أو الاتفاق على تفسيرها، حيث ما زال فهم مراكز القرار لمصطلح تداول السلطة على عكس معناه الحقيقي، إذ يسود الاعتقاد أن معناه هو تداول المناصب بين الآباء والأبناء، وفي حالات معينة بين الأجداد والأحفاد، لذلك نسمع عن ضخ الدماء الجديدة في المنظومة السياسية، وكأن الصراع صراع أجيال فقط.
فإذا راجعنا الأسماء المرشحة لاستلام المناصب السياسية العليا، سنجدهم جميعا أبناء رؤساء أو وزراء سابقين، وهذا معناه، ضمنا، ان جسور الثقة معدومة مع الشركاء السياسيين من ممثلي الطبقات الأخرى، وقد جرى التأسيس لذلك، بعمليات تجريف واسعة، أدت إلى سهولة الانقضاض على التشكيلات المعارضة، والبنى الاجتماعية المناوئة للمنظومة وتهميشها، بحيث تُشطب فكرة البديل السياسي الذي يمكن أن تتم عملية التداول معه، واقتصرت العملية على مبدأ حصر المحاصصة في دائرة ضيقة ومعينة.
واذا عدنا إلى مناقشة المرحلة الريعية في إدارة الدولة الأردنية، التي امتدت على مدى مئة عام انقضت من عمر الدولة الأردنية الحديثة، فإننا سنجد أنها شملت الفكر السياسي أيضا، حيث يتم تدوال الأفكار التي وزعتها الإدارة السياسية فقط، ولم يتسنَ للطبقات والفئات الاجتماعية الأخرى أن تقدم أية أفكار أخرى، وهو امتداد يشرح طبيعة الهيمنة على البنية الفوقية من قبل فئات محددة محدودة.
من أهم التشوُهات التي أنتجتها صيغة الإدارة الحديثة في البلاد، التحول إلى الاستهلاكية إضافة إلى التخلي عن الانتاج وثقافته، وبالتالي اتساع الفجوات بين الطبقات والفئات الاجتماعية، ولو أجريت اليوم أية عملية مسحية سريعة، سواء كانت ميدانية أو بتصفح وموازنة بعض البيانات الرسمية، سيظهر الخلل جليا.
مثلا؛ أين يتعلم الأبناء الوارثون اليوم؟ في أرقى المدارس، التي قد تصل كلفها إلى عشرات أضعاف مدارس البيضة والرغيف الشعبية. وأين يكملون تعليمهم الجامعي؟ في أرقى الجامعات العالمية، وبأكلاف لا يستطيع عقل المواطن العادي أن يتخيلها، وبمنح وبعثات على حساب خزينة الدولة، فمن أين سيتأهل أبناء الرعية، وكيف ستفلت رقابهم من هذه الدائرة المحكمة الإغلاق؟ لا أحد يعلم.
فقط المطلوب الآن؛ تخفيض حدة التناقضات، من أجل أن ننعم بانفجار رحيم.

نيسان ـ نشر في 2022-06-22 الساعة 14:03

الكلمات الأكثر بحثاً