اتصل بنا
 

الدروس والعبر من مأساة ميناء الحاويات

نيسان ـ نشر في 2022-06-28 الساعة 14:58

نيسان ـ هذه ليست المأساة الأولى ولن تكون الأخيرة في الموانىء وغيرها من المنشئات الصناعية الخطرة ،طالما بقي نهج اختيار المسؤولين لهذه المواقع يأتي من باب الترضيات والتنفيع . فمأساة أزالة صوامع الحبوب بالعقبة مازالت ماثلة بالذاكرة والتي ذهب ضحيتها تسعة عمال أبرياء عديمو الخبرة في مثل هذه الأعمال ، وكان الغرض من استخدامهم هو التوفير في تكاليف أزالة الصوامع بعد أن رسى عطاء الأزالة على شركة تركية غير متخصصة وغير معروف من هو وكيلها في الأردن ، ولكن لا بد أن يكون من أحد المتنفذين اللذين لا يشق لهم غبار ، وبعد أن فشلت الشركة التركية بهذه المهمة ، قامت فرق الهندسة في الجيش العربي بتنفيذ هذه المهمة بكل حرفية واقتدار ،وبأقل التكاليف .
اليوم تتكرر المأساة ، ويفقد ثلاثة عشر عامل حياتهم ، ويصاب أكثر من 250 شخص وأصابة العديد منهم حرجة ، ما يؤذن لارتفاع عدد القتلى جراء هذا الحادث الأليم .
إذا ما نظرنا إلى ما وراء هذه الحوادث ، سنجد أن أحد أهم الأسباب هو المسؤولين الكبار في منطقة العقبة الاقتصادية ، فهذه منطقة صناعية بالدرجة الأولى وليست سياحية كما يحاول الكثيرين أضفاء هذه الصفة عليها . وهذا الأمر يقتضي اختيار مسؤولين لهم باع وخبرة طويلة في مجال الصناعة ويقدرون حجم المخاطر لكافة النشاطات الصناعية ، ويتخذون القرارات الضرورية للحفاظ على أمن وسلامة العاملين والمنشئات ، دون الالتفات إلى الرأي المالي الذي يقول بأنه ليس هناك امكانات مادية لاتخاذ ما يلزم من عمليات صيانة للمعدات الصناعية ، فهل يعقل أن يتم الصمت والرفض لاستبدال وصيانة حبال الرافعة التي تسببت بالحادث بحجة عدم وجود مخصصات مادية لذلك ، ولو كان هناك مسؤول يقدّر حجم المخاطر جراء عدم استبدال الحبال لأي سبب من الأسباب ، لأمر على الأقل بتوقيف هذه الرافعة عن العمل مهما كانت الخسائر المترتبة على ذلك ، ولكن انعدام خبرة المسؤولين الكبار بمخاطر الصناعة أوصلتنا لما نحن عليه اليوم من تسيب أدى إلى هدر ارواح بريئة ليس لها قيمة من وجهة نظر من يتولون المسؤولية في هذا البلد .
وبهذا السياق نتسائل ، كيف يتم تعيين رجل تربوي على رأس أكبر شركة صناعية في الأردن ، من أين أتى بالخبرة بالصناعة لتؤهله لتولي هذا المنصب الذي لا يقدّر مخاطره ؟، وهمه الأول والأخير هو تحقيق مزيد من الأرباح على حساب البيئة وصحة العاملين بالمناجم والمصانع التابعة للشركة ، ونجده لا يكثرث لصيحات العاملين والمتقاعدين من الشركة ، واللذين سلكوا كل الوسائل المشروعة لإيصال مظلمتهم الصحية وعلى مدار أكثر من ثمانية أشهر ، ولكنه بقي جالساً في مكتبه الوثير ، وينظر بعلياء إلى "رعاع " المتقاعدين ،ولسان حاله يقول ، أفعلوا ما شئتم ، فلن أتراجع قيد أنملة عن قراراتي طالما لا أحد من الدولة يطالبني بذلك ، وطالما أن الشركاء الغرباء راضين عني ومبقين عليّ على رأس هذه الشركة ، وليذهم العمال للجحيم .
أخيراً نقول ، هل تصحوا هذه الحكومة من غفوتها بعد هذه المأساة الأليمة،
وتدرك المخاطر التي يتعرض لها العمال في هذه الصناعات الخطيرة ، وتقوم بتصويب الأوضاع من خلال تعيين رؤساء مجالس إدارة وأعضاء مجالس ومدراء عامون خبراء بالصناعة ومخاطرها ، ويكون لديهم القدرة على اتخاذ القرارات الضرورية وبعيداً عن فلسفة الربح والخسارة ، فلا قيمة لأي مزيد من التوفير والأرباح أمام الأرواح المهدورة عبثاً جراء عبثية من يتولون المسؤولية .

نيسان ـ نشر في 2022-06-28 الساعة 14:58


رأي: م. سميح جبرين

الكلمات الأكثر بحثاً