اتصل بنا
 

النفط والقمح في خطاب الملك

نيسان ـ نشر في 2022-07-02 الساعة 11:41

نيسان ـ لفت جلالة الملك عبد الله الثاني الإنتباه في مقابلة أجرتها معه بتاريخ 24 حزيران 2022 قناة CNBC الأمريكية حول إسناد جلالته لمشروع إتحاد شرق أوسطي عسكري واسع على غرار حلف ( الناتو )، الذي تعامل الأردن معه طويلاً، ولمواجهة تحديات الحرب الأوكرانية التي تطلق عليها روسيا الإتحادية إسم ( العملية العسكرية)، بوجود فجوة بين إمتلاك دولة ما في منطقتنا للنفط، ولعدم إمتلاكها لمادة القمح والسلع الأساسية الأخرى، متسائلاً إذن جلالته، كيف يمكننا التشارك مع بعضنا، الأمر الذي يعني، والكلام هنا لي، بأن المشروع الشرق أوسطي العسكري المقترح هو إقتصادي أيضًا. والسؤال العريض الذي يطرح نفسه هنا، هو أين نحن العرب من صيحة ملك العرب وشريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه، وهو الذي دعا العرب لوحدة سجلها التاريخ، وذكرها المؤرخون. كتب سليمان الموسى في كتابه ( الحركة العربية – سيرة المرحلة الأولى للنهضة العربية الحديثة 1908 1924 . ص 694695، إن الوثائق المتوافرة بين أيدينا تدل أن الملك كان يتصور وحدة بين الأقطار العربية المتعددة تربط بعضها مع بعض بروابط تشبه روابط الوحدة بين الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث يتمتع كل قطر بالإستقلال الداخلي التام، بينما تتولى الحكومة المركزية السياسة الخارجية، وبحيث تتمثل الوحدة، في العلم الواحد، والنقد الواحد، وجوازات السفر الواحدة، والمصالح الإقتصادية الواحدة، والجيش الواحد ).
وبطبيعة الحال تبلغ مساحة الوطن العربي 14 مليون كلم²، وهي الثانية بعد روسيا الإتحادية البالغة مساحتها أكثر من 17 مليون كلم²، وتبلغ المساحة الزراعية في الوطن العربي 197 مليون هكتار، أي ما نسبته 14,1% من مساحة الوطن العربي، وإمكانات العرب الإقتصادية كبيرة لو إجتمعت في صندوق عربي واحد للإستثمار في الزراعة، والصناعة، والتجارة، والسياحة الأثرية والدينية،والتعليم، والعسكرة المشتركة، وتشكل المملكة العربية السعودية والامارات الاحتياطي البترولي الثاني عالميا بإسم العرب بعد فنزويلا ( 17.2 % مقابل 19.6% )، وتتصدر قطر الدول العربية في إحتياطي مادة الغاز ( 842.2 ) تريليون قدم مكعب ( 2021 )، وعندما نقول بأن وطننا العربي يتموضع بين المحيط والخليج ونتفاءل خيرا، واستراتيجية عربية للمياه عاملة لعام 2025 لتحقيق الأمن الغذائي، ودراسة للدكتور حازم الناصر بتاريخ 15 8 2021 أكدت بأن المنطقة العربية تعاني تحديا مائيا كبيرا سيؤثر على سد الحاجات بين المطلوب والمتاح من المياه لغايات الزراعة، والمطلوب البحث في التطور التكنولوجي وبالإعتماد على الطاقة الشمسية المتوفرة في فضاء الطبيعة العربية لمواصلة تحلية المياه، وضخها من المناطق الجوفية بنفس الطريقة .
ولعل أعلى مخزون ذهب في الوطن العربي يتمركز أيضا في المملكة العربية السعودية، وحسب الصندوق الدولي وصل إحتياطه إلى 323.3 طنا، ووفقا لأرقام الرابطة النووية العالمية فإن إحتياط الأردن من مادة اليورانيوم تفوق الدول العربية وتمتلك 1% من مخزون العالم، وفي السعودية إحتياط كبير مماثل قابل للإنتاج حسب وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وحجم الإنفاق السنوي لحجاج بيت الله الحرام في المملكة العربية السعودية يصل إلى 26 مليار ريال، ونقول اللهم زد وبارك، والإنفاق العربي على شراء السلاح هائل في ظل مكوث الخطرين الإسرائيلي والإيراني الإحتلاليين، للأراضي العربية، ولجزر الإمارات في المقابل وهو تحت علامة إستفهام كبيرة رغم اسناد إيران لحركات التحرر العربية، وعبر إختراق هلاليهما للجسم العربي وإعاقة مشاريع العرب الوحدوية إلى جانب الإستعمار الغربي، وصفقة سلاح واحدة مع العرب بلغت 450 مليار دولار، بينما هي حاجة العرب للتنمية الشاملة ( الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والسياسية ) كبيرة. والجدار العربي سيبقى مرتفعا بقوة وحدتهم فقط، ومال العرب وثرواتهم آن لها أن تصبح للعرب، وتوازن العلاقات العربية الخارجية أمر مطلوب وضروري لتتعافى الزراعة، والصناعة، والتجارة، والسياسة، والإقتصاد، وبين زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عام 2017 للعرب وبين زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هذا العام 2022 لهم سنلاحظ الفرق. وروسيا الاتحادية في المقابل تختلف في تعاملها معنا في حرصها على إقتصادنا، وهي من زودت العرب بمحطات نووية للأغراض السلمية، ولم يشهد التاريخ المعاصر بأنها ذهبت يوما لخلق أزمات بيننا نحن العرب أو حروب، وأكثر من زيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعرب، وإهتمام له بمنطقة تعمد السيد المسيح عليه السلام في منطقة ( المغطس ) بالقرب من البحرالميت ونهر الأردن الخالد، والكنيسة الروسية، التي إعترف بها ( الفاتيكان ) رسميا ولم يعترف بغيرها .
والقوى العاملة في الوطن العربي بخير وشكلت ما نسبته 32% من مجموع السكان عام 2000، أي 27 مليون عامل من أصل 437 مليون نسمة عدد سكان الوطن العربي، والنسبة طردية أكيد، وتبلغ الأراضي العربية الصالحة للزراعة 2 مليار هكتار والمستغل منها زراعيا 5% فقط وفق محاضرة لمحمد المزروعي رئيس الهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي في مؤتمر الخرطوم تاريخ 27 شباط 2017، وهو ما يتطلب من الجامعة العربية التوصية بتغيير النهج الزراعي العربي، وبرامجه الوطنية، والقومية، والتوجه لتوزيع الأراضي الصالحة للزراعة على سكان كل قطر عربي لإستصلاحها عبر الإستئجار، والعمل على تدريب العمالة العربية وتوجيهها للنهوض بالزراعة وفي مقدمتها زراعة القمح المادة الغذائية الضرورية للإنسان العربي .
وفي صلب الموضوع أعلاه ماهي تأثيرات الحرب الأوكرانية التي شارفت على الإنتهاء رغم تحريض الغرب الأمريكي على إستمرارها لأهداف كما أقول وأكتب دائما ذات علاقة مباشرة بضرورة إطالة الحرب الباردة وسباق التسلح، اللذان إندلعا مع نهاية الحرب العالمية الثانية 1945، وموسكو على لسان الناطق الإعلامي بإسم قصر( الكرملين ) الرئاسي دميتري بيسكوف دعا ( كييف ) لرفع الرايات البيضاء وإعلان الإستسلام شرطا لإنهاء الحرب في يوم واحد. وكل من كان يشكك بقدرات الجيش الروسي في حسم المعركة عبر عملية عسكرية خاصة نظيفة لا تؤذي المواطنين الأوكران أشقاء الشعوب الروسية والسوفيتية السلافية الأصل، أقول لهم مهلا، عودوا إلى سجالات الروس والسوفييت في الحرب الثانية في زمن الزعيم جوزيف ستالين وقائده الميداني جيورجي جوكوف، وكيف ضحوا بـ 27 مليون شهيدا من أجل رفع علم نصرهم المشترك على النازية الهتلرية الألمانية فوق الرايخ الألماني ( البرلمان ) عام 1945.
ورواية النصر ذاته تتكرر في الأقاليم الأوكرانية الثلاثة سابقا ( القرم الذي أصبح روسيّا وإلى الأبد، والدونباس ولوغانسك ) اللذان أصبحا مستقلين عن دولة غرب أوكرانيا وعاصمتها ( كييف )، والروس لم يدخلوا أوكرانيا محتلين لها كما أشاعت ماكنة إعلام الغرب، وإنما محريين لها من التطرف الأزوفي ومن التطاول والإعتداء العسكري من قبل جيش غرب أوكرانيا على سكان شرق أوكرانيا ( الأوكران والروس )، وسوف يتركون السلطة لإقليمي ( الدونباس ولوغانسك ) حالة إستقرار الأمن فيهما، وهما اللذان خسرا على مدى ثماني سنوات خلت، أي منذ إنقلاب عام 2014 الدموي ( الأوكراني الغربي – والغربي الأمريكي ) المشترك أكثر من 14 الفا من السكان، ومنهم الأطفال، ومنهم من قطنوا الملاجيء، وغيرهم من شردوا إلى داخل جارتهم روسيا الإتحادية، ولقد ذهب الروس إلى شرق أوكرانيا بدعوة من ( الدونباس ولوغانسك ) بعد إعلانهما الإستقلال، وبقرار شعبي وإعتراف روسيا بهما، وإعترفت روسيا قبل ذلك عام 2014 بإستقلال ( القرم ) . وارتكز الروس في حربهم على قضيتهم العادلة، وعلى مظلمتهم الواضحة التي أدار الغرب مجتمعا لها ظهرهم، وعلى ميثاق الأمم المتحدة في مادته رقم 751 التي تخول الدولة العضو في الأمم المتحدة والمعتدى عليها مثل روسيا العظمى الدفاع عن نفسها، وتتمثل مظلمتها في محاولة جر غرب أوكرانيا جارة الجنوب إلى داخل ( الناتو ) المعادي لها، والتأسيس لإنتاج قنبلة نووية، ونشر( 30) مركزا بيولوجيا ضارا بسكان المنطقة السلافية الواسعة، والعمل على إفشال الحوار الأوكراني غربا وشرقا تحت ضغوطات غربية، وتعطيل إتفاقية ( مينسك 2014 2015 ) القاضية وقتها بترسيخ الأمن والإستقرار في الداخل الأوكراني، والضامنة للمحافظة على سيادة أوكرانيا.
وها هو رئيس وزراء بريطانيا ( بوريس جونسون) يطلق نكتة ساذجة مست شخصية الرئيس بوتين على غرار تصريحات رئيس أمريكا ( جو بايدن ) غير المسؤولة بنفس الإتجاه . والرئيس فلاديمير زيلينسكي يعلن قطع بلاده أوكرانيا للعلاقات الدبلوماسية مع سوريا التي إعترفت عبر دولتها بإستقلال إقليمي ( الدونباس ولوغانسك )، وهي، أي سوريا الدولة الصديقة إسترتيجيا لروسيا، والشاكرة لها لموقفها الصلب إلى جانبها في أزمتها الدموية الطويلة، وفي محاربة الإرهاب الذي هاجمها من ( 80) دولة، وبالأخص إرهاب عصابات ( داعش ) المجرمة، وكرد إعتبار لروسيا بطبيعة الحال، فما هي الآثار السلبية للحرب الأوكرانية على العرب يا ترى بعد كل هذا؟
وفي مسألة تجاوزت حدود ( القمح وحجم التبادل التجاري ) بين أوكرانيا والعرب وبالعكس، أعلن وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف حديثا بناء ستار حديدي بين بلاده والغرب في وقت وقعت فيه (موسكو) معاهدة تعاون ودفاع مشترك مع ( بكين ) المتضررة أيضا من السلوك الأمريكي معها بخصوص قضية ( تايوان)، وهو الأمر الذي أصبح يعني، وتعاون روسي مماثل ملاحظ مع إيران، وكما صرح الرئيس بوتين في قمة ( سانت بيتر بورغ ) الإقتصادية 2022 سقوط القطب الواحد والعولمة سياسيا وإقتصاديا، رغم الثراء ومنه غير المشروع، وهو الذي كان يتحكم بأركان العالم منذ نهاية الحرب الثانية وحتى الحرب الأوكرانية، وصعود العالمية وتعدد الأقطاب الدولية الذي يدفع اتجاه تشكيل قطب عربي واحد، وشرق أوسطي بعد ذلك، ونهج الإعتماد على الذات سيصبح لغة العصر ولا رجعة عنها. وحول شروع العرب إستيراد مادة القمح التي يفتقرون لها من الخارج، من روسيا أو من كازاخستان أو من أوكرانيا بعد سماح الروس لهم بذلك، هو أمر ممكن ومطلوب، لكنه يبقى يصب في خانة ثقافة الإستهلاك بينما ثقافة الإنتاج هي المطلوبة لنا نحن العرب.

نيسان ـ نشر في 2022-07-02 الساعة 11:41


رأي: د.حسام العتوم

الكلمات الأكثر بحثاً