اتصل بنا
 

في نقد الفكر اليومي الأردني

نيسان ـ نشر في 2022-07-03 الساعة 13:15

x
نيسان ـ محمد قبيلات
تعم المجال العام المحلي، في هذه الأيام، حالة عارمة من السيولة، تُناور في حدود الفعل ورد الفعل غير المنتج، الفعل قاصر ورد الفعل عاجز عن الانتقال إلى فعل، إذ غالبا ما يقتصر رد الفعل على التململ فقط، من دون التقدم أو الانتقال إلى فعل جديد، أرقى نوعيا، بمعنى أو شكل يحقق مقولة نفي النفي، فتستمر الحركة فقط في دائرة مغلقة، وهو ما أرخى في الفضاء حالة من عدم اليقين، وبالتالي فقدان الثقة بالسائد، وفقدان الأمل بأي بدائل مهما بدت ناجعة، وبغض النظر عن الجهة التي تقدمها.
قد يكون السبب مرتبطا بالبنية، بمعنى أنه يتعلق بتقسيم العمل وتشكل المصالح على أساسه، فليس من صراع يدور بين كتلتين اجتماعيتن كل منهما واضحة المعالم والحدود، كون الإجهاز قد تم مبكراً على نمط الانتاج الطبيعي، فاتجهت غالبية قوى الانتاج لتنخرط في قطاع الوظائف الحكومية، أي قطاع الخدمات، وغياب الطبقة البرجوازية الوطنية، بتقاليدها وأخلاقياتها المعروفة، بسبب انهيار قطاعات الانتاج الحقيقية، والتوجه إلى الاستيراد، سوى الإبقاء على بعض الصناعات التحويلية التي ظلت على مدى العقود الفائتة تنعم بالحماية الجمركية، لكن بأعداد محدودة، نسبيا، من العمال المنتجين، بينما يتضخم الجهاز الخدمي المحلي، الذي يقوم جزء كبير منه على أعمال الوساطة، وعديد كبير من العمالة الزائفة التي باتت تندرج ضمن البطالة المقنعة، خصوصا في القطاعات الحكومية أو التابعة لها.
وهذه نقطة مهمة وجوهرية، فالعامل أو الموظف المشارك في عملية انتاج حقيقية، أشد بأسًا ويشعر بأهميته، وعندما يُهدِد بالتوقف عن العمل، فإن وقع تهديده مؤثر في المالكين والمشغلين، بينما موقف الموظف غير المنتج ضعيف لأنه ليس من عملية انتاج يهدد بتعطيلها، ويمكن الاستغناء عنه بسهولة.
يضاف إلى ذلك ضعف القطاع الزراعي وتراجعه، بسبب شح المياه، وتلاشي الحيازات العقارية بتفتت ملكية الأراضي الصالحة للزراعة وزحف العمران، وارتفاع قيمة أسعارها مما يجعل بيعها أكثر جدوى للمالكين من زراعتها، والتوسع في استخدام العمالة الوافدة، وبالتالي الغياب الكامل لنمط الفلاحة، وانعدام وجود ما يمكن أن نسميه القطاع الفلاحي أو الفلاحين، وكل ذلك جرى ويجري في ظل تطبيق سياسات التبعية الاقتصادية، والاعتماد على استيراد المنتجات الزراعية من الخارج.
الفكرة الأساسية أنه لا توجد كتل مصالح اجتماعية كبيرة، أو ما يمكن أن نسميه طبقات، مع الغياب الكامل للقطاعات الانتاجية التقليدية، وبالتالي صارت الجدالات سياسية، غالبا ما تحتدم بين فئات أو أفراد في قضايا جانبية، بمعنى أنها ليست في صلب الصراعات المرتبطة بالمصالح التي تخص كتلاً اجتماعية كبيرة، فصار الإعلام و"السوشيال ميديا" ساحة لتناقل الأخبار غير الجوهرية؛ السيئة، والمثيرة، المبرمجة لانتاج وعي زائف، فيتوهم كثيرون ممن يعتقدون أنهم منشغلون بالشأن العام، أنهم بذلك يخوضون المعارك من أجل إصلاح الأوضاع، بينما حقيقة الأمر أنهم لا يناقشون المشاكل والأسباب الأساسية التي أدت إلى ما وصلنا إليه.
إن التحاق قطاعات واسعة من العمال، والفنيين، والحاصلين على شهادات جامعية، بقطاعات الخدمات، سواء الحكومية أو ما يندرج ضمن القطاع الخاص، خلق حالة من التواطؤ الجمعي الذي جعل هذه الفئات تشعر أن مصالحها مرتبطة باستقرار الأوضاع؛ خوفاً من التراجعات الكبيرة التي قد تؤدي إلى تآكل الدخل، أي الراتب الشهري، حيث أن حدوث أي خلل في مالية الدولة، أو سعر صرف العملة، قد يجعل هؤلاء كلهم من دون أي دخْل، ويلقي بهم إلى قارعة الطرق.
وهذا ما أخّر تبني أي ردود فعل جدية على ارتفاعات الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة وتفشي الفقر، أو حدوث أية مجابهات عنيفة في إثر ذلك، لاعتقاد العاملين في هذه القطاعات بأن تحركاتهم قد تكون السبب في انهيار الأوضاع، وبالمناسبة هم يراقبون باهتمام ما يجري في الدول المجاورة، ويتابعون باهتمام ما آلت إليه أحوال ودَخْل الموظفين في دول مثل تونس ولبنان وتركيا وسورية، مع فارق الظروف والأسباب لكل دولة من هذه الدول.
من هنا؛ نلاحظ أننا كما نعاني، على مستوى البنية التحتية، من غياب تراكم الثروة، بل تناقصها بسبب الأرقام السالبة التي تزخر بها الموازنة العامة للدولة، حيث أن التراجع هو السمة الأبرز للمؤشرات كافة، نلاحظ أننا نعاني، كذلك، على مستوى البنية الفوقية، أي الأفكار، عدم تحقق التراكم المعرفي، فرسميا تم الاستعاضة عن بناء قواعد البيانات، بتزوير الحقائق من أجل الحصول على القروض والمنح، وبناء خطاب ذرائعي ونقاشات لمشروعات وخطط حكومية شكلية من أجل كسب الوقت على أمل تخطي الأزمات بحدوث معجزة ما، وطبعا من أجل اخفاء حجم الدمار والتشوه الذي تسببت به الطبقة السياسية الرسمية، وفي الجانب الآخر للأزمة فقد اختفى التنظير الذي يستشرف الحلول الواقعية الممكنة لتُشَكِّل البديل.

نيسان ـ نشر في 2022-07-03 الساعة 13:15

الكلمات الأكثر بحثاً