لقاء هنية وعباس.. القيادة الجزائرية تستثمر القضية الفلسطينية لتوجيه رسائل سياسية
عمر الرداد
كاتب وخبير أمني
نيسان ـ نشر في 2022-07-13 الساعة 17:17
نيسان ـ تشكّل المواقف المتتالية للحكومة الجزائرية تجاه القضية الفلسطينية حالة نموذجية للحكومات العربية وبعض الأنظمة الإسلامية في تحويلها من قضية "شعب وأرض" يرزحان تحت احتلال، إلى ورقة سياسية وملف يتم توظيفه واستثماره على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، لا سيّما مع ما تمثله فلسطين من مكانة لدى الشعوب العربية والإسلامية، ومن خلالها يتم إرسال الرسائل للحلفاء والخصوم على السواء.
في الجزائر، وعلى هامش الاحتفالات بذكرى استقلال الجزائر وتحريرها من الاستعمار الفرنسي، كانت فلسطين حاضرة بقوة في قلب الاحتفال، ليس بوصفها قضية يؤمل أن يقيم الشعب الفلسطيني احتفالاً مماثلاً لاحتفال الجزائر بالخلاص من الاستعمار والاحتلال، بل بوصفها ورقة تستثمرها القيادة الجزائرية في سياقات الراهن، فاختزلت فلسطين بصورتين حظيتا بمتابعة واسعة؛ الأولى صورة الرئيس محمود عباس وهو يجلس في الاحتفال بجوار "إبراهيم غالي" زعيم جبهة البوليساريو، والثانية صورة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ممسكاً بيد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وباليد الأخرى يد محمود عباس، في إشارة إلى إنجاز الوحدة الفلسطينية.
صورة هنية وعباس والرئيس تبون يمسك بيديهما رسالة إلى الشعب الجزائري بقدرة الجزائر على تحقيق المصالحة بين فتح وحماس
في الصورة الأولى كانت الرسالة واضحة وما فيها من استثمار في سياقات النزاع الجزائري ـ المغربي حول الصحراء المغربية لإظهار وقوف الفلسطينيين إلى جانب الجزائر والبوليساريو، والقول إنّ قضية الصحراء المغربية قضية شعب محتل مثله مثل قضية الأرض والشعب الفلسطيني، وإنّ عباس ثائر مثله مثل "غالي"، ورغم الفروق بين القضيتين إلا أنّ المرجح أنّ الرئيس عباس وُضع بموقف محرج حينما اكتشف أنّ مقعده إلى جانب "غالي"، بدلالة أنّه بعد يومين من عودته إلى فلسطين التقى مع وزير الدفاع الإسرائيلي، وتلقى اتصالاً هاتفياً من قبل الرئيس الإسرائيلي لتنسيق المواقف والمطالب قبيل الزيارة المزمعة للرئيس الأمريكي إلى المنطقة، بما في ذلك التأكيد على التنسيق الأمني بين الجانبين وتوسيعه.
أمّا صورة "هنية وعباس" والرئيس تبون يمسك بيديهما، فهي رسالة إلى الشعب الجزائري بقدرة الجزائر على تحقيق المصالحة بين فتح وحماس، هذا الشعب الذي يمتلك مخزوناً وطنياً عالياً تجاه فلسطين منذ حرب التحرير والاستقلال الجزائرية، غير أنّ تلك الصورة لم تتجاوز لحظة التقاطها، فمن جهة ينشغل الشعب الجزائري بهموم داخلية وتساؤلات عميقة حول قضية الصحراء وسياقات دعم البوليساريو والتصعيد مع الجارة المملكة المغربية، ويتساءل عن نتائج ثورته والإطاحة بحكم بوتفليقة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وحقيقة الصراع مع المغرب ودول أوروبا فيما إذا كانت للتغطية على الأوضاع الداخلية، ومن جهة ثانية فإنّ الجميع يعلم أنّ إسماعيل هنية قدم لمشاركة الجزائر باحتفالاتها من بيروت، وأعلن من "خرائب" بيروت ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين "المظلومين" في لبنان عن استعداد لبنان للمواجهة الكبرى مع إسرائيل، في الوقت الذي اقتصرت لقاءاته فيها على حزب الله، في رسالة بأنّ لبنان هو فقط حزب الله، وبعد عودته يرسل رسالة إلى قيادة الحوثيين في اليمن تؤكد على التحالف بينهما بقيادة إيران، وتعلن حماس أنّها تجري مفاوضات تبادل أسرى مع إسرائيل، فيما كانت لقاءات واتصالات عباس مع الإسرائيليين رسالة حول ما بعد تلك المصافحة التي شهدتها الجزائر باستثمار جزائري.
إنّ استثمار القيادة الجزائرية للقضية الفلسطينية بهذه الصورة التي لا تعكس المواقف النبيلة للجزائريين، ترسل رسالة بعمق المأزق الجزائري، الذي تشكّل الأزمات الداخلية مرجعية في سياساته ومواقفه
صورتا عباس وهنية في الجزائر، علاوة على ما فيهما من دلالات على الانقسام الفلسطيني البغيض، واستمرار ربط القضية الفلسطينية بسياسات المحاور والصراعات الإقليمية، وهو ما تعمل إسرائيل ليلاً ونهاراً على استثماره ويقدّم خدمة لها، فإنّ استثمار القيادة الجزائرية للقضية الفلسطينية بهذه الصورة التي لا تعكس المواقف النبيلة للجزائريين، ترسل رسالة بعمق المأزق الجزائري، الذي تشكّل الأزمات الداخلية مرجعية في سياساته ومواقفه، وتنفيذاً لمقولة "تصدير الأزمة"، ومع ذلك لم يكن من المتوقع أن يتمّ استثمار القضية الفلسطينية وتحويلها إلى ورقة بهذه الطريقة المكشوفة، فشتان ما بين قضية الصحراء والقضية الفلسطينية، إلا في كون مفاهيم القيادة الجزائرية التي تنتمي لسياقات الحرب الباردة وحلفي وارسو والناتو، وتعيش جملة تناقضات لعلّ من بينها مسكوتاً لا يتحدث عنه حول حقيقة موقفها من إسرائيل، فهل فعلاً تعادي هذه القيادة إسرائيل، وتعمل على دعم الشعب الفلسطيني للمواجهة والتحرير؟ وهل أولويتها القضية الفلسطينية أم قضية الصحراء، في وقت قالت الغالبية من الشعب الصحراوي في المغرب كلمتها تجاه مستقبل علاقتها مع المغرب وأنّها جزء من المغرب؟ وهل القيادة الجزائرية فلسطينية أكثر من الفلسطينيين أنفسهم؟
في الجزائر، وعلى هامش الاحتفالات بذكرى استقلال الجزائر وتحريرها من الاستعمار الفرنسي، كانت فلسطين حاضرة بقوة في قلب الاحتفال، ليس بوصفها قضية يؤمل أن يقيم الشعب الفلسطيني احتفالاً مماثلاً لاحتفال الجزائر بالخلاص من الاستعمار والاحتلال، بل بوصفها ورقة تستثمرها القيادة الجزائرية في سياقات الراهن، فاختزلت فلسطين بصورتين حظيتا بمتابعة واسعة؛ الأولى صورة الرئيس محمود عباس وهو يجلس في الاحتفال بجوار "إبراهيم غالي" زعيم جبهة البوليساريو، والثانية صورة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ممسكاً بيد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وباليد الأخرى يد محمود عباس، في إشارة إلى إنجاز الوحدة الفلسطينية.
صورة هنية وعباس والرئيس تبون يمسك بيديهما رسالة إلى الشعب الجزائري بقدرة الجزائر على تحقيق المصالحة بين فتح وحماس
في الصورة الأولى كانت الرسالة واضحة وما فيها من استثمار في سياقات النزاع الجزائري ـ المغربي حول الصحراء المغربية لإظهار وقوف الفلسطينيين إلى جانب الجزائر والبوليساريو، والقول إنّ قضية الصحراء المغربية قضية شعب محتل مثله مثل قضية الأرض والشعب الفلسطيني، وإنّ عباس ثائر مثله مثل "غالي"، ورغم الفروق بين القضيتين إلا أنّ المرجح أنّ الرئيس عباس وُضع بموقف محرج حينما اكتشف أنّ مقعده إلى جانب "غالي"، بدلالة أنّه بعد يومين من عودته إلى فلسطين التقى مع وزير الدفاع الإسرائيلي، وتلقى اتصالاً هاتفياً من قبل الرئيس الإسرائيلي لتنسيق المواقف والمطالب قبيل الزيارة المزمعة للرئيس الأمريكي إلى المنطقة، بما في ذلك التأكيد على التنسيق الأمني بين الجانبين وتوسيعه.
أمّا صورة "هنية وعباس" والرئيس تبون يمسك بيديهما، فهي رسالة إلى الشعب الجزائري بقدرة الجزائر على تحقيق المصالحة بين فتح وحماس، هذا الشعب الذي يمتلك مخزوناً وطنياً عالياً تجاه فلسطين منذ حرب التحرير والاستقلال الجزائرية، غير أنّ تلك الصورة لم تتجاوز لحظة التقاطها، فمن جهة ينشغل الشعب الجزائري بهموم داخلية وتساؤلات عميقة حول قضية الصحراء وسياقات دعم البوليساريو والتصعيد مع الجارة المملكة المغربية، ويتساءل عن نتائج ثورته والإطاحة بحكم بوتفليقة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وحقيقة الصراع مع المغرب ودول أوروبا فيما إذا كانت للتغطية على الأوضاع الداخلية، ومن جهة ثانية فإنّ الجميع يعلم أنّ إسماعيل هنية قدم لمشاركة الجزائر باحتفالاتها من بيروت، وأعلن من "خرائب" بيروت ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين "المظلومين" في لبنان عن استعداد لبنان للمواجهة الكبرى مع إسرائيل، في الوقت الذي اقتصرت لقاءاته فيها على حزب الله، في رسالة بأنّ لبنان هو فقط حزب الله، وبعد عودته يرسل رسالة إلى قيادة الحوثيين في اليمن تؤكد على التحالف بينهما بقيادة إيران، وتعلن حماس أنّها تجري مفاوضات تبادل أسرى مع إسرائيل، فيما كانت لقاءات واتصالات عباس مع الإسرائيليين رسالة حول ما بعد تلك المصافحة التي شهدتها الجزائر باستثمار جزائري.
إنّ استثمار القيادة الجزائرية للقضية الفلسطينية بهذه الصورة التي لا تعكس المواقف النبيلة للجزائريين، ترسل رسالة بعمق المأزق الجزائري، الذي تشكّل الأزمات الداخلية مرجعية في سياساته ومواقفه
صورتا عباس وهنية في الجزائر، علاوة على ما فيهما من دلالات على الانقسام الفلسطيني البغيض، واستمرار ربط القضية الفلسطينية بسياسات المحاور والصراعات الإقليمية، وهو ما تعمل إسرائيل ليلاً ونهاراً على استثماره ويقدّم خدمة لها، فإنّ استثمار القيادة الجزائرية للقضية الفلسطينية بهذه الصورة التي لا تعكس المواقف النبيلة للجزائريين، ترسل رسالة بعمق المأزق الجزائري، الذي تشكّل الأزمات الداخلية مرجعية في سياساته ومواقفه، وتنفيذاً لمقولة "تصدير الأزمة"، ومع ذلك لم يكن من المتوقع أن يتمّ استثمار القضية الفلسطينية وتحويلها إلى ورقة بهذه الطريقة المكشوفة، فشتان ما بين قضية الصحراء والقضية الفلسطينية، إلا في كون مفاهيم القيادة الجزائرية التي تنتمي لسياقات الحرب الباردة وحلفي وارسو والناتو، وتعيش جملة تناقضات لعلّ من بينها مسكوتاً لا يتحدث عنه حول حقيقة موقفها من إسرائيل، فهل فعلاً تعادي هذه القيادة إسرائيل، وتعمل على دعم الشعب الفلسطيني للمواجهة والتحرير؟ وهل أولويتها القضية الفلسطينية أم قضية الصحراء، في وقت قالت الغالبية من الشعب الصحراوي في المغرب كلمتها تجاه مستقبل علاقتها مع المغرب وأنّها جزء من المغرب؟ وهل القيادة الجزائرية فلسطينية أكثر من الفلسطينيين أنفسهم؟
نيسان ـ نشر في 2022-07-13 الساعة 17:17
رأي: عمر الرداد كاتب وخبير أمني